على رغم أجواء عدم الاستقرار التي تعيشها المنطقة بسبب تداعيات الحرب على العراق وتردي الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، إلا أن المصارف العربية الكبرى استطاعت ان تحافظ على استقرار عملياتها وحقق معظمها أرباحاً مرتفعة العام الماضي وفي النصف الأول من السنة الجارية. وعلى خلاف المناطق الأخرى من العالم، حيث تؤدي الاندماجات بين المصارف إلى إعادة ترتيب مواقعها من حيث الحجم، فإن منطقة الشرق الأوسط لم تشهد سوى عدد قليل من الاندماجات أو الاستحواذات بين المصارف والمؤسسات المالية في الاعوام القليلة الماضية، وهذا يعود إلى أسباب سياسية وهيكلية عدة ولكون القطاع العام لا يزال مساهماً رئيسياً في عدد من المصارف الكبيرة في حين أن المصارف الصغيرة تملكها، جزئياً أو كلياً، عائلات تسيطر على إدارتها. وطبقاً للعدد الأخير من مجلة "ذي بانك" فإن مراكز المصارف الكبيرة لم تتغير كثيراً عما كانت عليه العام الماضي. وعلى رغم ارتفاع عدد المصارف العربية ضمن أكبر الف مصرف في العالم إلا ان هذه المصارف لا تزال تمثل جزءاً صغيراً من الهيكل المالي الدولي، حيث بلغ مجموع رؤوس أموال أكبر 20 مصرفاً عربياً 28.5 بليون دولار في نهاية العام الماضي تمثل نسبة 1.47 في المئة من مجموع رؤوس أموال أكبر الف مصرف دولي. وحافظ "البنك الأهلي التجاري" في السعودية على مكانته كأكبر مصرف عربي من حيث رأس المال الذي بلغ 2.381 بليون دولار في نهاية 2002، بعدما كان في حدود 2.275 بليون دولار عام 2001. ومقارنة مع "سيتي غروب"، أكبر مصرف في العالم، وهو يملك رأس مال في حدود 58 بليون دولار عام 2002 وهو ما يزيد كثيراً على مجموع رؤوس أموال أكبر 86 مصرفاً عربياً. وكما كانت الحال العام الماضي احتلت المصارف السعودية المراكز السبعة الأولى بين أكبر عشرين مصرفاً عربيا تليها الإمارات بخمسة مصارف ثم البحرين 3 مصارف أوفشور. ومن بين أكبر عشرين مصرفاً عربياً هناك ثلاثة منها فقط خارج منطقة الخليج، وهي "البنك العربي" في الأردن و"البنك الأهلي" في مصر و"البنك الأهلي المتحد" في البحرين. وكان عام 2002 جيداً للمصارف في الشرق الأوسط واستمر كذلك خلال النصف الأول من 2003، إذ ساهم انخفاض معدلات الفوائد على الودائع وارتفاع حجم الموجودات خصوصاً الإقراض الشخصي للأفراد إلى زيادة الدخل من هامش الفائدة على الإقراض مما ساعد المصارف على تحقيق معدلات ربحية أكبر. وفي منطقة الخليج حققت المصارف السعودية العام الماضي أعلى نسبة عائد على متوسط رأس المال إذ بلغت 19.71 في المئة مقارنة مع 18.8 في المئة عام 2001، وجاء أداء المصارف السعودية أفضل من تلك التي في الكويت 17.62 في المئة والإمارات 13.35 في المئة. وفي البحرين أدى انخفاض أرباح كل من "المؤسسة العربية المصرفية" ABC و"انفستكورب" إلى تراجع أرباح القطاع المصرفي بنسبة تصل إلى 3.14 في المئة عام 2002. وكان أداء "البنك الأهلي التجاري" في السعودية الأفضل بين أكبر المصارف العربية بعائد على متوسط رأس المال نسبته 27.9 في المئة يليه "بنك الكويت الوطني" بنسبة 25.7 في المئة. كما كان أداء معظم المصارف الأردنية جيداً العام الماضي، على رغم انخفاض أرباح "البنك العربي"، الذي يحتل المركز الخامس في المنطقة من حيث رأس المال، وأنهى العام الماضي بربح مقداره 294 مليون دولار انخفاضاً من 312 مليون دولار عام 2001. وأما "بنك الإسكان للتجارة والتمويل" و"البنك الأردني - الكويتي" و"البنك الإسلامي الأردني" و"بنك الاتحاد" و"بنك الأردن" و"بنك المؤسسة العربية المصرفية" و"بنك الاستثمار العربي الأردني" و"بنك الصادرات والتمويل" فقد سجل كل من هذه المصارف زيادة في أرباحه مقارنة مع عام 2001. وعانت المصارف التي لديها فروع في فلسطين مثل "بنك القاهرةعمان" من صعوبة في إجراء العمليات المصرفية بسبب تردي الوضع هناك. كما تأثرت ثلاثة مصارف أردنية سلباً من جراء الأزمة المتعلقة بقضية التسهيلات المصرفية المريبة لرجل أعمال أردني، التي تم الكشف عنها في شباط فبراير 2002. وبينما لا تزال القضية معلقة في محكمة أمن الدولة، تقوم هذه المصارف الآن برفع رؤوس اموالها إلى مستويات مقبولة للبنك المركزي من اجل استيعاب الخسائر والحفاظ على كفاية رأس المال. وفي مصر تمت أخيراً إعادة هيكلة مصارف القطاع العام، حيث تمت الاستعانة بمصرفيين من ذوي الخبرات في المصارف الغربية لتحسين العمليات المصرفية وحل المشاكل الماضية للمصارف الأربعة التي يملكها القطاع العام. إلا ان هذه التجربة لم تؤد إلى حدوث تغييرات سريعة مما حدا بالحكومة لإمهال الإدارات الجديدة ثلاث سنوات لحل مشاكلها والخروج بالنتائج المرجوة. وفي هذه المرحلة، يُتوقع ان يكون هناك ضغط على الأرباح في هذه المصارف وضعف في نموها وقد ينعكس هذا إيجاباً على أرباح مصارف القطاع الخاص. وواجه قطاع مصارف الأوفشور في البحرين مشاكل كبيرة العام الماضي، وتأثر بعض هذه المصارف بضعف أداء أسواق رأس المال الدولية. إضافة إلى انهيار بعض الشركات الكبرى التي تتعامل معها في أميركا وأوروبا. ولا يزال كل من "بنك البحرين الدولي" و"بنك البحرين للشرق الأوسط" يكافحان من اجل الاستمرار في العمل. وانخفض مجموع أرباح المصارف العربية العشرين الأكبر حجما إلى 4.693 بليون دولار قبل الضرائب أي بنسبة 4.6 في المئة عن عام 2002. واحتل "البنك الأهلي التجاري" المرتبة الأولى للعام الثاني على التوالي وبلغت أرباحه قبل الضرائب 650 مليون دولار. وحقق المصرف إنجازات كبيرة العامين الماضيين أهلته لكي يكون أكثر المصارف العربية ربحية. وجاء في المرتبة الثانية من حيث حجم الأرباح المحققة "البنك السعودي - الأميركي" بارباح 496 مليون دولار عام 2002، يليه "بنك الرياض" 378 مليون دولار ثم "مؤسسة الراجحي المصرفية" 377 مليون دولار و"بنك الكويت الوطني" 376 مليون دولار. وتظهر مقارنة إقليمية لنسبة الكلفة إلى الدخل، وهي معيار مرجعي يبين كفاءة المصارف، ان المصارف في الشرق الأوسط تعتبر ذات كفاءة تشغيل مرتفعة، وجاءت نسبة الكلفة إلى الدخل للمصارف العربية منخفضة عام 2002 بمعدل 44.2 في المئة، مقارنة مع 74 في المئة للمصارف في اليابان، و62.7 في المئة للمصارف في أميركا اللاتينية، و58.9 في المئة للمصارف في الاتحاد الأوروبي و57.6 في المئة للمصارف في آسيا و60.4 في المئة للمصارف في الولاياتالمتحدة. وسجل "بنك الكويت الوطني" أدنى نسبة كلفة إلى الدخل في المنطقة العربية بحدود 33 في المئة. ويتوقع أن ترتفع أرباح المصارف العربية سنة 2003 استنادا إلى النتائج نصف السنوية المحققة السنة الجارية، وستستفيد هذه المصارف من توقعات النمو الاقتصادي القوي في المنطقة مدعومة بارتفاع أسعار النفط لتصل إلى معدل 28 دولاراً لبرميل خام القياس الاوروبي "برنت" وانخفاض أسعار الفائدة إضافة إلى تحسن مناخ الاستثمار في المنطقة بعد انتهاء الحرب على العراق. وعلى المصارف العربية إذا أرادت الحفاظ على أرباحها وتعظيم العائد على حقوق المساهمين لديها أن تركز على تنويع نشاطاتها وان تدير المخاطر بعناية فائقة، الأمر الذي يتطلب التخلص التدرجي من النشاطات التي لا تغطي عائداتها كلفة رأس المال المخصص لها وتحويل المزيد من رأس المال للأعمال المصرفية التي ترتفع عائداتها مع الوقت. ويمكن زيادة الأرباح عن طريق تقليص النفقات التشغيلية من خلال الاستخدام الفعال للتكنولوجيا الحديثة. وليس هناك ما يشجع المصارف العربية على فتح فروع لها في أسواق عربية أخرى تتسم بكثافة مصرفية مرتفعة، وستجد كبرى المصارف في المنطقة أن السلطات النقدية في الدول العربية المجاورة لن تسمح لها بسهولة بفتح فروع لها في هذه الدول. لذلك فإن التوسع الأفقي يبقى الخيار الأفضل ويمكن تحقيقه بسرعة من خلال الحيازة أو الشراء. إن المصارف العربية الكبيرة لا يحدها حجم رأس مالها بقدر ما يعيقها صغر حجم السوق التي تعمل فيها. ولتحقيق النمو ووفورات الحجم والاستفادة من الاستثمارات الضخمة في التكنولوجيا فإن بعض المصارف العربية ذات التوجه الإقليمي أخذت تنظر إلى إمكانية التواجد أو العمل في دول عربية أخرى. ومن أهم المتطلبات الملحة والضاغطة حالياً على المصارف العربية تلك العائدة لاتفاقية "بازل - 2" التي سيترتب تطبيقها متطلبات مكلفة مادية، وغير مادية وتتلخص بضرورة زيادة قدرة المصارف على بلورة وإدارة مناهج قياس المخاطر المعقدة واضطرارها لاتباع المقاربة التي تربط نسب تثقيل المخاطر Risk Weights بدرجات المخاطر التي تقررها وكالات التقويم الدولية للدول والمصارف والمؤسسات، وفي حال عدم توافر هذا التقويم الدولي اعتماد نسبة تثقيل 100 في المئة. كما وأن نسبة 100 في المئة يجب اعتمادها أيضاً إذا كانت درجة التقويم دون درجة BB على مقياس ستاندرد آند بورز وهي حال معظم الدول والمؤسسات العربية مما يعني أن القروض للجهات السيادية، التي تشكل نسبة كبيرة من موجودات المصارف، ستنتقل من درجة مخاطر هي حالياً صفر في المئة إلى درجة مخاطر 100 في المئة، إضافة إلى تغطية مخاطر إضافية لم تكن ملحوظة في اتفاق "بازل - 1" هي مخاطر التشغيل. وأصبح من الضروري إنشاء أنظمة رقابية متطورة لتكون أكثر فاعلية وقادرة أن تجاري التطورات المستجدة في الأسواق المالية الدولية، وسيؤدي الطلب المتزايد للشفافية في الأسواق الدولية إلى تسريع تطوير أنظمة الرقابة هذه في دول المنطقة. وستشعر السلطات النقدية أن قدرتها على التحكم في حجم الكتلة النقدية ضعف مع انتشار الخدمات المصرفية عبر الإنترنت والتوسع في استعمال الدفع الإلكتروني في عمليات التجارة على الشبكة الدولية. غير أن المصارف المركزية تستطيع تنفيذ سياساتها النقدية من خلال التحكم بأسعار الفائدة بدلاً من التأثير في حجم الكتلة النقدية. لهذا السبب أصبح من الضروري لدول المنطقة تطوير أسواق السندات المحلية حيث ان توافر سوق ثانوية للسندات الحكومية سيتيح للبنك المركزي استخدام عمليات السوق المفتوحة لتحديد أسعار الفائدة حتى في اقتصاد تصعب فيه السيطرة على الكتلة النقدية المتداولة. *الرئيس التنفيذي. جوردانفست