في آخر تقرير رسمي صادر عن ادارة السجون في ايران، اشار مرتضى بختياري رئيس مؤسسة السجون الى ان عدد نزلائها وصل في شهر آب أغسطس 2002 الى حدود 170 الف سجين، وكان في الفترة نفسها من عام 2001 نحو 142 الفاً. وقال ان ارتفاع العدد تسبب بمشكلات استيعابية وإدارية، ما اجبر بعض السجون على تحويل المساجد والمعامل داخلها الى مراكز للاعتقال وزنازين، فضلاً عن معضلة تأمين المصادر الغذائية. وأشار بختياري الى ان أبرز المشكلات في المجتمع الايراني هي المخدرات، الى درجة ان أكثر من 100 ألف سجين هم من المدمنين، والى ان 25 في المئة من المساجين دخلوا بسبب مشكلات الطلاق والسرقة، إضافة إلى الادمان. واضاف بختياري ان نحو 111 ألفاً هم من أرباب العائلات التي تواجه مشكلات عدة اقتصادية وثقافية بسبب غياب معيلها. واعتمدت مؤسسة السجون نظاماً لمراقبة السجين بعد اطلاق سراحه أدى الى تقليل نسبة عودة السجناء الى مخالفة القانون من 38 في المئة عام 1999 الى 29 في المئة عام 2002. وتقدّم مساعدة مالية لكل سجين بعد اطلاق سراحه تقدر بنحو 2000 دولار أميركي للبدء بحياته العملية خارج السجن. وقدّمت المؤسسة التعليم المهني لنحو 60 في المئة من المساجين خلال العام الجاري، على ما أكّد رئيسها. اما السبب في ارتفاع اعداد المساجين، فيشرح بختياري انه ومن خلال لقاء تم بينه وبين رئيس السلطة القضائية آية الله محمود هاشمي الشاهرودي، قال الأخير ان القانون الاسلامي لا توجد فيه سوى خمس جرائم تستدعي السجن، في حين ان القانون الجزائي الايراني اليوم، تصل فيه الجرائم التي تستدعي السجن الى حدود 300 نوع، وهذا الامر يتطلب تدخلاً من مجلس النواب لتعديل الاحكام، وأن تتغير النظرة الى السجن بحيث يصبح السجن آخر الحلول وليس أولها. من ناحية اخرى، يكشف محمد حسين قدرتي، المسؤول الثقافي لمؤسسة السجون في محافظة سمنان، ان 27 في المئة من السجناء في ايران هم من الشباب، سجن اكثرهم بجرم الادمان والسرقة. ويضيف: "كنا نعتقد ان السجون بعد الثورة ستقفل، لكن اعدادها زادت. افرطنا في ادعاءاتنا في بداية الثورة. اما اليوم فإننا نفرط بكل الانجازات والاجيال، وما انحراف الشباب وعدم اهتمام الاهل إلا نتيجة لذلك. ويتساءل الناس إذا كان الاسلام الواقعي هو ما قدمناه في البداية ام هو ما نتحدث عنه اليوم". ومن ناحية الوضع داخل السجون الايرانية، تشير الاحصاءات الرسمية الصادرة عن مؤسسة السجون، الى عدم وجود فارق بين انتشار الأمراض المعدية الخطيرة، كالايدز والتهاب الكبد، داخل السجون وانتشارها خارجها. وهي نسبة اذا ما قيست بعدد السجناء وعدد سكان ايران البالغ نحو 70 مليوناً، يبدو ان انتشارها داخل السجون يتم بوتيرة اسرع وأوسع. وتسعى المؤسسة إلى وضع برنامج لمعالجة الإدمان والمصابين بالايدز وكذلك المصابين باضطرابات نفسية والذين يفوق عددهم داخل السجون بنسبة 2.5 إلى 3.0 في المئة العدد خارجها. النساء والسجون إيفين اسم يقبع في ذاكرة الإيرانيين لوقعه القاسي في ذاكرتهم، ارتبط بالمكان الأكثر رعباً لكل شخص مسالم او معارض للنظام الملكي، لأن "الداخل مفقود والخارج مولود". "إيفين" هو أكبر سجن موجود في ايران بمثابة ألكاتراز الأميركي، حمل اسم قرية وادعة جميلة كانت في ما مضى تقبع عند اطراف العاصمة شمال غرب ابتلعتها المدينة مع التوسّع العمراني والسكاني. يقع السجن على تلة صغيرة عند بداية الانحدار الحاد لسلسلة جبال الألبرز المحيطة بطهران. وتتحلّق حوله مناطق سياحية، تعبرها جداول مياه الثلوج الذائبة تضفي على المشهد نوعاً من الجمال والشاعرية ممزوجين بالرهبة والخوف عند المرور بمحاذاة أسوار "إيفين". منذ بداية الثورة، تحول هذا السجن الى مكان لاعتقال رموز النظام السابق المتورطين بأعمال ضد المصالح الوطنية او المعارضين للثورة والنظام الاسلاميين، الى جانب وظيفته الاساس في "استضافة" كل مرتكبي الجرائم المخالفة للقانون والمجتمع. وكان الكثير من الناس في ايران بعامة لا ينظرون الى من يدخله لأسباب سياسية الا من زاوية ما يقدمه الاعلام الرسمي في حينه. فساد اعتقاد بأن ليس في الامر اي اعتداء على الحقوق او ظلم. لكن مع بداية مرحلة عهد السيد محمد خاتمي وقبلها بقليل اثناء رئاسة الشيخ هاشمي رفسنجاني وهي المرحلة التي تعرف بمرحلة الاصلاحات، تغيرت النظرة الى سجن "إيفين" وصار كثر يرون فيه مكاناً لوجود عدد من الوجوه الاصلاحية والصحافية المقربة من خاتمي او المعارضة لنمط ادارة البلاد. واحتفظ بدوره في استيعاب المجرمين، لكنه دور انحسر من الذاكرة الشعبية. وعلى رغم هذا التحول النسبي في النظرة الى دور هذا السجن ونزلائه، لا يحظى قسم منه بالاهتمام الا ما له علاقة مباشرة بنزلائه، ألا وهو قسم النساء وإن كان دخل أخيراً في الدائرة السياسية، خصوصاً أن الاعتقالات في صفوف السياسيين الاصلاحيين تطاول الرجال والنساء. ولعل الحادث الذي تعرضت له الصحافية الكندية من اصل ايراني زهرا كاظمي ادخل هذا القسم في دائرة الضوء. وفي الحديث عن قسم النساء في سجن "ايفين" في بعده الاجتماعي غير السياسي لا بد من التوقف عند بعض الاحاديث المهربة من داخله عن لسان نزيلاته من مختلف المستويات. تقول احداهن: "صدق من قال ان إيفين جامعة، فالسجين هنا يتعلم كل شيء لا يعرفه. دخلته بجرم الاعتداء بالضرب وجرح المعتدى عليه، لكنني تعلمت هنا اساليب سرقة المحافظ والنشل وسرقة السيارات وغيرها من الفنون". وتضيف: "لا استطيع ان اصف الاشياء التي تعلمتها هنا، لأنني اخجل من ذلك... كل شيء سيئ يمكن ان يصل اليه تفكير انسان. تعلمت على سبيل المثال اسماء كل المواد المخدرة بالترتيب من الخفيف الى الثقيل وطرق الافادة من كل نوع". وتتذمر من الشابات انهن يقبعن في غرف الى جانب نساء مسنات ومن احجام مختلفة، بسبب عدم وجود اماكن كافية. الأمر الذي دفع ادارة السجن الى وضع جميع انواع المجرمات بعضهن إلى جانب بعض. فتجد بينهن من سجنت بسبب جريمة قتل او تهريب او سرقة او اخلاقية او ادمان... وهناك أيضاً قسم للفتيات الصغيرات، ويتمتع بوضع افضل من سائر الاقسام النسائية الاخرى، لكنه يضم بعض النساء من اعمار متقدمة. يتألف كل قسم من غرف عدة تبلغ مساحة كل واحدة منها نحو عشرين متراً، فرشت ارضها بالبطانيات وفيها جهاز تلفزيون وحمام ومرحاض مستقل، ويسكن كل غرفة ما بين 20 الى 25 نزيلة. تفتح ابواب الغرف طوال النهار، ما يمنح النزيلات فرصة التنقل بين الاقسام والغرف الاخرى والممرات الداخلية، ولا تقفل هذه الأبواب الا بعد اطفاء الانارة في السجن. في السابق لم يكن في طهران اي مركز لاعادة تأهيل الفتيات، الامر الذي فرض على السجون استقبال الفتيات ما دون سن الثامنة عشرة، لكن ومنذ عام 2000، بدأ تشكيل مثل هذه المراكز التي اثارت الكثير من التساؤلات واللغط حول ما يجري في داخلها واستغلالها من بعض الاشخاص لمآرب خاصة وبعضهم لتجارة الرقيق الابيض، وقد أجريت محاكمة عدد من المسؤولين عنها وسجنهم بتهمة الاستغلال الجنسي للفتيات. وكان الهدف من تشكيل هذه المؤسسات هو انقاذ الفتيات من هذا الجحيم او بحر الفساد الذي قد يواجهنه خلال وجودهن بين من هن "خبيرات". وتقول احداهن، ان كل النساء يخفن من بعض مسؤولي السجن، فكل واحدة منهن تقدم على تزجيج حاجبيها او تضع الماكياج او تتبرج وتتزين، يتم استدعاؤها وتتعرض للجلد او التوقيف تحت المطر في ايام الشتاء. فهم ليسوا محققين او قضاة او مساعدين اجتماعيين، بل فزاعات اتقنت عملها جيداً. ان اكثر ما تعانيه نزيلات سجن "ايفين" عدم وجود مساعدين اجتماعيين في شكل واسع، فهن يرغبن بالحديث عن مشكلاتهن وطلب المساعدة من آخرين، لأن ذلك يساعدهن على التخفيف من المعاناة التي يعشنها ويقلل من اخطار تأثيرات الأخريات فيهن. سجينة تتحدث عن نفسها تقول ان اسمها "كاترين الونكيه" نسبة الى ساحة "ونك" في شمال العاصمة طهران. "كل طهران تعرفني، سارقة محترفة ونشالة معروفة، في النهاية اتقن كل اعمال الشر". تزن 105 كيلوغرامات، قصت شعر رأسها في شكل بات من الصعب التمييز بينها وبين الرجال، وما يفرقها عنهم انها صبغت بعض خصلاته باللون الاشقر ماش. لها من العمر 23 عاماً، دخلت السجن وكان عمرها نحو 19 عاماً، تركت المدرسة وهي في الصف الرابع متوسط، والدها يملك الكثير من المطاعم والمقاهي في طهران، هي ثالثة اخواتها، الاخريان تدرسان في الجامعة، الا انها تقول انها لا تحب الدرس بل تعشق السرقة. وتؤكد كاترين ان اكثر ما تعشقه هو سرقة السيارات، وانها عندما تقوم بذلك تحس بنشوة عارمة: "في احدى المرات كنت برفقة صديقة لي اسمها "فريبا"، ذهبنا الى منطقة "قيطريه" شمال شرق، اوقفنا سيارة "اتوستوب" وأقنعنا صاحبها بأن يتوقف ليشتري لنا "بوظة"، فما كان مني عند نزوله الا ان صعدت خلف المقود وانطلقت بالسيارة ونحن نكاد نطير فرحاً بالحيلة التي انطلت على السائق". وعن الجهة التي تعتبرها مسؤولة عن الوضع الذي تواجهه الآن، تقول كاترين ان والدها يعتقد ان كل مشكلاته تحل بالمال، "لكنه لم يكن يكلف نفسه عناء ان يجلس معي ولو ساعة واحدة يومياً لئلا اصل الى هذه المرحلة". في المقابل ترى زوجة والدها التي دخلت على حياة كاترين منذ نحو عشر سنوات، ان هذه الفتاة غريبة الاطوار، وتسعى للفت الانظار بأي شكل كان. وتضيف انها باتت تخاف ان تترك ابنتها البالغة من العمر ثماني سنوات برفقة كاترين وحيدة في البيت لأنها بدأت تؤثر في اخلاقها. اما والدة كاترين التي تعيش في أميركا بعد طلاقها فلم تبد اي اهتمام بالمصير الذي وصلت اليه ابنتها على رغم تمكنها من ان ترسل بطلبها. صورة الهام تصل الهام الليل بالنهار وحيدة في المنزل الكبير والفخم. فوالدها المهندس ووالدتها يخرجان في وقت مبكر، فلا تجد من يشاركها في ما تعانيه من وحدة وضياع. ولم تستطع وسائل الترفيه الموجودة في المنزل مثل المسبح والجاكوزي وادوات رياضية والسيارة والهاتف المحمول والستلايت ومصروف الجيب البالغ نحو 400 دولار ان تملي عليها الفراغ الذي تعيشه، فقر قرارها على الهرب من المنزل وان تعيش على هواها وبالحرية التي ترى انها تتناسب مع ما تهرب منه. كان عمرها سبعة عشر عاماً عندما خرجت من المنزل، الا ان حياتها المستقلة لم تطل، فانتهت في سجن "ايفين" بعد ان قامت في احدى الليالي بفتح خزنة والدتها وسحبت منها مبلغ 13 الف دولار وخرجت لتستأجر منزلاً مستقلاً وتفتحه لاستقبال اصدقائها وتقيم فيه الحفلات الخاصة. وتقول الهام ان الوضع بالنسبة اليها كان جيداً، الى ان جاء يوم كانت تقيم فيه احدى حفلاتها مع أصدقائها، فدهمتهم شرطة الاخلاق واعتقلتهم ونقلتهم الى احد مراكزها، وهناك بقيت لمدة ثلاثة ايام استطاعت فيها تدبير امر هربها مع اصحابها. وهذه الحادثة لم تدفعها لاعادة النظر في تصرفاتها، قد يكون السبب قلة الخبرة في الحياة، فما كان منها الا ان عادت الى سابق عادتها في اقامة الحفلات، ما دفع شرطة الاخلاق لمعاودة مداهمة المنزل واعتقالها، وقد وصلت الى سجن "ايفين" لاحتسائها الويسكي، اضافة الى ضبط الحشيش في المنزل". علم والداها بالأمر، فما كان منهما الا ان قالا لها: "لقد وفرنا لك كل شيء، واعطيناك ما تريدين من اموال وامكانات لئلا تتدخلي في شؤوننا". هنا ادركت الهام ان والديها تخليا عنها، خصوصاً ان والدها كانت له عشيقة، ووالدتها كذلك، من دون ان يخفي اي منهما الأمر عن الآخر، فما كان منها الا ان اتهمتهما بقتل جارة كانت تسكن بالقرب من منزلهم، ما ادى الى التحقيق معهما وتعرضهما للتعذيب "الى درجة انني عندما قابلت والدتي اشفقت على حالها فاعترفت بأنني كذبت على المحققين، ما ادى الى توجيه الاتهام لي بالقتل، كل ذلك بسبب عدم رغبتي بالعودة الى المنزل". الجذور الاجتماعية للظاهرة على رغم ان عدداً قليلاً من النساء والفتيات في ايران ممن يعشن في مجتمعات مدينية لديهن فرصة المشاركة في الفعاليات والمناسبات الاجتماعية، الا ان غالبيتهن المطلقة لا يتمتعن بالامن خلال وجودهن خارج المنزل، حتى ليمكن القول، وبقليل من الجرأة ان ليس هناك اية امرأة او فتاة تخرج من المنزل لا تتعرض للكثير من المضايقات والتلطيشات الكثيرة الى درجة دفعت خبراء اجتماعيين الى مقارنة هذه الظاهرة بمثيلتها في مرحلة ما قبل الثورة، ليصلوا الى نتيجة ان الظاهرة الآن لا تحتمل المقارنة لأنها اكثر اتساعاً وانتشاراً وخطورة. واول الاختلافات ان الرجال والشبان، خصوصاً في المدن، لا يفرقون بين عزباء ومتزوجة، وثانياً انهم لا يميزون بين الصغيرات والشابات والكبيرات من النساء، ثالثاً لا يفرقون بين امرأة عفيفة وغير عفيفة ويختبرون امكان الوصول الى اي منهن، ورابعاً، ان الاماكن العامة او الخاصة لا تمنع منع التعدي عليهن، فهناك دائماً رجل يكمن لأي امرأة قد تعبر امامه. اما اسباب الظاهرة فيعيدها البعض الى عوامل عدة منها: الفصل بين الذكور والاناث في العلاقات الاجتماعية والانسانية منذ سني الطفولة مروراً بسن الشباب وصولاً الى الكهولة. وهو ما يساعد على بناء شخصية الفرد الايراني في شكل يقوم على بعد الشهوة والطمع بامتلاك ما هو ممنوع او محرم، وهي مسألة لا تقتصر فقط على الرجال بل تشمل النساء ايضاً. ومن هنا تأتي العادة الاجتماعية في حال وفاة اي شاب لم يتزوج على وصفه بأنه "خام" على رغم امكان ان يكون قد خاض تجارب نسائية في حياته بعيداً من الزواج، وعلى رغم ان كثيراً من الرجال والنساء على حد سواء ذهبوا الى القبر وفي قلوبهم احلام وآمال لم يحققوها لكنهم لا يوصفون بأنهم خام، اضافة الى ان التمييز الجنسي دخل في دائرة الموت ايضاً، فمن المستبعد، لا بل من المستهجن، ان توصف اي فتاة تموت من غير زواج بأنها "خام". الى جانب ذلك، فإن السوية الاخلاقية تمنع الاختلاط او الحديث بين الشاب والفتاة، على اعتبار انه يشكل كسراً للاعراف وقبيحاً وخادشاً للاذواق، وهو ما يجعل ساحة التجربة الاجتماعية امام الناشئة والشباب ضيقة ومحدودة، ما يؤدي الى خلق ميول لكسر هذه الحواجز وانتهاز اي فرصة. وكذلك، فإن انفتاح الحدود الجغرافية من طريق الاقمار الاصطناعية "الستلايت" والانترنت يساهم في ايجاد شخصيتين اجتماعيتين لدى الفرد الايراني، وينتهي بايجاد انفصام بينهما.