يلتهم خروفا في 30 دقيقة    15 مليار دولار لشراء Google Chrome    أقوى 10 أجهزة كمبيوتر فائقة في العالم    تنافس شبابي يبرز هوية جازان الثقافية    لماذا رفعت «موديز» تصنيف السعودية المستقبلي إلى «مستقر» ؟    إصابة طبيب في قصف إسرائيلي استهدف مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة    مسودة "كوب29" النهائية تقترح 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة    «اليونيسف» تحذر: مستقبل الأطفال في خطر    3 أهلاويين مهددون بالإيقاف    اختبارات الدور الثاني للطلاب المكملين.. اليوم    "مركز الأرصاد" يصدر تنبيهًا من أمطار غزيرة على منطقة الباحة    "الداخلية" تختتم المعرض التوعوي لتعزيز السلامة المرورية بالمدينة    «الغرف»: تشكيل أول لجنة من نوعها ل«الطاقة» والبتروكيماويات    افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    وزير الثقافة: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية بالمجالات كافة    المدينة: ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف ومواقع تاريخية    «مجمع إرادة»: ارتباط وثيق بين «السكري» والصحة النفسية    رصد أول إصابة بجدري الماء في اليمن    600 شركة بولندية وسلوفاكية ترغب بالاستثمار في المملكة    آل غالب وآل دغمش يتلقون التعازي في فقيدهم    أمراء ومسؤولون يواسون أسرة آل كامل وآل يماني في فقيدتهم    المملكة تعزز التعاون لمكافحة الفساد والجريمة واسترداد الأصول    نائب وزير التجارة تبحث تعزيز الشراكة السعودية – البريطانية    «واتساب» يتيح التفريغ النصي للرسائل الصوتية    بحضور سمو وزير الثقافة.. «الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    تحفيزًا للإبداع في مختلف المسارات.. فتح التسجيل في الجائزة السنوية للمنتدى السعودي للإعلام    فعاليات متنوعة    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    القِبلة    111 رياضيًا يتنافسون في بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    30 عاماً تحوّل الرياض إلى مركز طبي عالمي في فصل التوائم    الأكريلاميد.. «بعبع» الأطعمة المقلية والمحمصة    خسارة إندونيسيا: من هنا يبدأ التحدي    مشكلات المنتخب    تأثير اللاعب الأجنبي    فرع وزارة الصحة بجازان يطلق حزمة من البرامج التوعوية بالمنطقة    «النيابة» تدشن غرفة استنطاق الأطفال    «صواب» تشارك في البرنامج التوعوي بأضرار المخدرات بجازان    القبض على مقيم لاعتدائه بسلاح أبيض على آخر وسرقة مبلغ مالي بالرياض    الخليج يُذيق الهلال الخسارة الأولى في دوري روشن للمحترفين    مستقبل جديد للخدمات اللوجستية.. شراكات كبرى في مؤتمر سلاسل الإمداد    "تقني‬ ‫جازان" يعلن مواعيد التسجيل في برامج الكليات والمعاهد للفصل الثاني 1446ه    الأساس الفلسفي للنظم السياسية الحديثة.. !    1.7 مليون ريال متوسط أسعار الفلل بالمملكة والرياض تتجاوز المتوسط    معتمر فيتنامي: برنامج خادم الحرمين حقّق حلمي    سالم والشبان الزرق    الجمعان ل«عكاظ»: فوجئت بعرض النصر    الحريق والفتح يتصدران دوري البلياردو    المدى السعودي بلا مدى    إبر التنحيف وأثرها على الاقتصاد    فيصل بن مشعل يستقبل وفداً شورياً.. ويفتتح مؤتمر القصيم الدولي للجراحة    وزير التعليم يزور جامعة الأمير محمد بن فهد ويشيد بمنجزاتها الأكاديمية والبحثية    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الحياة" تدخل أحياء المدمنين و أسواقهم في إيران . طهران تستهلك خمسة أطنان من الأفيون يومياً والمافيات توصل المواد المخدرة الى داخل السجون
نشر في الحياة يوم 04 - 10 - 2000

يعيش المجتمع الإيراني حالة مخاض قد تكون عسيرة لا يعلم أحد ماذا ستنبت إذا لم توضع لها أطر حل سليمة، تستطيع استيعاب المستجد الإنساني والثقافي.
ولعل أحد أبرز هذه العناوين هو عنوان العائلة من تشكلها الأكثر اتساعاً الى النواة، إذ ان العائلة الطهرانية على وجه الخصوص، بدأت تنحو باتجاه خفض عددها الى الأربعة في الأكثر، مترافقة مع حالة من الجفاف وعدم الحميمية في علاقاتها. كل ذلك يساعد على نمو الاضطرابات الاجتماعية وتجعل من ظاهرة الإدمان على المخدرات وما يرافقها من تداعيات أكثر بروزاً واتساعاً.
وفضلاً عن أن الأزمة الاقتصادية وما نشأ عنها من اختلالات، في البناء الاجتماعي والطبقي للمجتمع الإيراني، تعتبر من أهم أسباب اتساع ظاهرة الإدمان. الى جانب ان الفقراء الذين تبتلعهم المخدرات يتحولون الى آفة فعلية تفترش أرصفة الطرقات.
الأغنياء يستطيعون الوصول الى ما يريدون من أصناف المخدرات من دون عناء يذكر، نظراً لاستعداد الموزعين الصغار الى خدمتهم بإخلاص وأمانة لإيصال جميع ما يحتاجون اليه من دون عناء التنقل والانتقال والتفتيش.
فالميسور من المدمنين، يقف بسيارته، ويحمل ثمن البضاعة، على زاوية احدى الساحات، ريثما يأتي البائع إليه، فيما يضطر الفقير الى التمرغ على أرصفة الطرقات في الأحياء الفقيرة. خادشاً في مظهره مناعة أهل المحلة التي يرتادها.
الزمان: عصر يوم الجمعة الثاني والعشرين من أيلول/ سبتمبر.
المكان: أحد الأحياء الجنوبية للعاصمة الإيرانية طهران - بالقرب من المركز التجاري الرئيسي البازار.
قلت لصاحبي الذي رافقني في الجولة. دعنا نذهب أولاً الى المحلة الأقرب علنا نحظى بصور تكفينا شر القتال، وكنت في حيرة من أمري، فاليوم هو الجمعة، أي يوم العطلة، وطهران تبدو شبه خاوية، فكيف يمكن أن نحظى ونوفق بما نحن بصدده. تغلبنا على هذا الخوف وخرجنا، وعندما اقتربنا من المنطقة، تركنا السيارة في مكان يبعد قليلاً عن المكان المقصود.
في أحد الأماكن، وأمام احدى الطرق الفرعية، قال مرافقي، لندخل من هنا، ففي الأزقة يوجد عالم مختلف تماماً.
دخلنا أزقة مسقوفة ومتعرجة، تزدحم فيها الأصوات والأجساد والأبخرة المتصاعدة من عربات اللحم المشوي،حتى تصل الى تلك الأسقف المتداعية، كنا نشق طريقنا بين الأجسام المتصارعة على العبور، وكانت الجموع خليطاً يغلب عليه مدمنون يسعون لبيع ما وقعت عليه أيديهم، وآخرون جاءوا لتحين فرص شراء حاجيات ثمينة أجبر الادمان صاحبها على بيعها. ولعل بعض المشاهد تشكل شاهداً ودليلاً على ان الحاجة لقليل من المال لدى هؤلاء تدفعهم الى بيع أي شيء يقع تحت أيديهم، خصوصاً وان بعض أصناف المخدرات تعتبر في ايران الأرخص في العالم، فهنا شاب يحمل سترته بيده يصرخ بأعلى صوت، وقد زاغت عيناه، علّ أحداً يشتري ما لديه ليذهب ويسد رمقه وينطفئ. أو آخر، وقد فرش أمامه عدداً من أنواع الأدوية التي تستعمل كمسكنات لآلام الرأس الرخيصة وبعضها ممنوع على الصيدليات بيعه إلا بعد ابراز وصفة الطبيب مع رقمه الطبي. مثل Ace Taminophen Codoen، وذاك الذي وضع أمامه حذاء ممزقاً التقطه من احدى "المزابل" وجاء به ليبيعه على أمل أن يحصل على قوته من المخدر.
هذه المشاهد وغيرها كانت العدسة تسارع لتلتقط ما تستطيع منها، الى أن وجدنا نفسينا، صديقي وأنا، داخل حلقة من الرجال ينظرون بحنق وبأنفاس متسارعة، سدوا علينا الطريق، أحدهم وقد جاوز الخمسين من العمر، اشتعل رأسه ولحيته شيباً، شرع يصرخ بوجهي لماذا تلتقط صوراً في هذه المنطقة. أجاب مرافقي "إنه صحافي غير ايراني"، عندها شرع يتحدث بالإنكليزية طالباً الفيلم وإلا عمد الى كسر الكاميرا. وفشلت محاولات ثنيه عن عمله، الى ان توتر الجو وساد شعور في أن الجميع على استعداد لبدء عملية ضرب مبرح. عندها أخرجت الفيلم من الكاميرا وأعطيته للرجل المسن، فهدأت النفوس وانفض الجمع، وتابعنا سيرنا ترافقنا النظرات الحانقة والغاضبة.
في الشارع، وتحت أنوار العصر، بعد الخروج من ظلمة الأزقة المسقوفة والعابقة بالدخان والأبخرة والاجساد، عقدنا العزم على عدم الذهاب الى المكان الآخر الذي يقع في شرق المدينة لأنه يعد أكثر خطورة. تابعنا سيرنا، الى ان وصلنا الى مكان لا يبعد أكثر من نصف ساعة مشياً. فطلب مرافقي عند مدخل الزقاق، عدم اظهار الكاميرا، حتى تكتب لنا النجاة، مؤكداً ان هذا المكان لا يرتاده إلا المدمنين في عطلة نهاية الأسبوع.
ظاهرة الادمان التي تضرب في المجتمع الإيراني، دفعت المسؤولين في ايران، الى دق ناقوس الخطر واعتبار ان هناك حرباً مدروسة على هذه الدولة لاسقاطها من الداخل، مستذكرين "حرب الأفيون" الصينية التي حولت الصين الى دولة مُستعمَرَة، والشعب الصيني الى شعب مخدر.
وتلك المخاوف من مستقبل مظلم، دفعت رئيس الجمهورية السيد محمد خاتمي الى اعتبار الحرب على المواد المخدرة حرباً من الدرجة الأولى، واعتبار ان ايران تستطيع ايقاف طرق نقل هذه المواد بصورة تامة في حال شاركتها في الحرب الدول المجاورة.
بعض الآراء ترى ان دخول الأفيون الترياك أو الترياق بالتعبير الإيراني الفارسي الى ايران يعود الى مرحلة التوسع المغولي وحملاته باتجاه المنطقة. وقد ازداد استعماله على صورة طعام، أي داخلاً في كثير من التركيبات الغذائية، في بداية المرحلة الصفوية، وكانت الاستفادة منه تتم بصورة طبيعية، واتسعت مجالات استعماله في المرحلة القاجارية. ومع التطورات السياسية والاجتماعية المتلاحقة بعد انتهاء المرحلة القاجارية في بدايات القرن الحالي ووصول العائلة البهلوية الى الملك رضا خان، والشاه، كانت عمليات الاشراف على دخول وتوزيع المواد المخدرة تتم تحت اشراف شقيقة الشاه أشرف التي كانت تشكل رأس الهرم في مافيات المواد المخدرة.
وإذا كانت عمليات تهريب وتوزيع المخدرات تتم برضى وسكوت الدولة في السابق، فإن الدولة الإيرانية بعد الثورة قد جعلت من أهم أهدافها محاربة هذه الآفة الفتاكة، لذلك شكلت لجنة للقيام بالتخطيط ووضع برامج لهذا الأمر تضم 14 ممثلاً من مختلف الوزارات والهيئات. ويرى فلاح ان عمل هذه اللجنة بدأ يعطي بعض ثماره منذ نحو سنتين. غير ان الأرقام والواقع يشيران الى وجود أزمة فعلية ومشكلة اجتماعية خطيرة على صعيد الارتفاع في اعداد المدمنين من مختلف الأعمار، خصوصاً في صفوف طلاب المدارس.
ان أكثر المدمنين هم من الأشخاص البالغين وتتفاوت أعمارهم بين العشرين والأربعين سنة، في حين يشكل الرجال النسبة الأكبر منهم أي نحو 95 في المئة فيما تشكل النساء نحو 5 في المئة، لكن السيد فلاح يرى ان المتوسط العمري للمدمنين قد انخفض من 35 سنة في العام الفائت الى 30 سنة هذا العام، ويرى كذلك ان السوق الإيراني بدأ يشهد منذ فترة أنواعاً جديدة من المخدرات مثل الهيرويين، والكوكايين والحشيش والمواد الكيميائية والحبوب، بعد ان كان محصوراً بالأفيون.
ان اتساع الرقعة الجغرافية لإيران نحو 65،1 مليون كيلو متر مربع ووقوعها ضمن منطقة "الهلال الذهبي" لانتاج الأفيون الى جانب أفغانستان وباكستان، جعلها أرضاً مهيأة لاستهلاك قسم كبير من انتاج هذه المنطقة اضافة الى كونها أحد المعابر الأساسية لانتقاله الى المستهلك الأوروبي، فانتشر مدمنوها في طول البلاد وعرضها، وتركّز معظمهم في المحافظات الشرقية والغربية القريبة من حدود هاتين الدولتين، في حين ان محافظات أذربيجان الشرقية والغربية وكردستان تقل فيها هذه النسبة.
ويرى فلاح ان نسبة المدمنين في ايران مرتفعة أكثر من بعض الدول التي لم تعلن الحرب على المخدرات، لا بل تسعى الى قوننتها، مقارنة مع ظاهرة الإدمان على الكحول المتفشية فيها، التي تقارب الصفر في ايران.
في المقابل فإن عمليات ضبط مواد مخدرة، في ايران، أثناء في ليلة واحدة بلغت نحو 200 كيلو هيرويين وستة أطنان من الأفيون، أي ما يعادل 90 في المئة من المواد المكتشفة في فرنسا في سنة كاملة. هذا إذا عرفنا، كما يقول فلاح ان معدل انتاج المواد المخدرة طوال العشرين سنة الماضية على المستوى العالمي قد تضاعف ثلاث مرات، وازداد انتاج المواد المخدرة الكيميائية نحو تسع مرات، وان عدد المدمنين على المواد الأفيونية قد بلغ نحو 200 مليون شخص في العالم.
هذا وأعلن مكتب مكافحة المخدرات التابع للأمم المتحدة في تقرير له عن أعمال سنة 1999 ان نحو 80 في المئة من عمليات ضبط المخدرات على المستوى العالمي كانت في ايران، الأمر الذي دفع الرئيس خاتمي الى القول أثناء لقائه مندوبة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ساراكو أوغاتا التي زارت ايران بخصوص اللاجئين الأفغان، ان ايران قامت بنحو 1445 عملية ضبط مخدرات، صادرت خلالها نحو 253 طناً من الأنواع المخدرة. وان هذه العمليات تكلف ايران خسائر مادية وانسانية في ظل عدم اقدام الأمم المتحدة على تقديم أي مساعدة جدية في هذا المجال. علماً ان حماية ومراقبة الحدود مع أفغانستان وباكستان يتولاها الجيش الإيراني.
وقد بدأ الجيش منذ 2 أيلول/ سبتمبر تسليم مواقعه لقوات الأمن العام وحرس الحدود والشرطة التي ستكون مهمتها محاربة عمليات التهريب والمهربين.
أرقام واحصاءات
عندما أعلن حجة الإسلام محمد علي زم رئيس المنظمة الثقافية والفنية التابعة لبلدية طهران في 4 تموز/ يوليو المنصرم، أن معدل الإدمان على المخدرات في طهران وخصوصاً في المدارس في ارتفاع مستمر، فإن معدل ما تستهلكه مدينة طهران يومياً من هذه المواد يقارب الخمسة أطنان، أثار هذا الإعلان موجة استياء كبيرة لدى التيار الديني، خصوصاً أنه تعرض في حديثه الى ان هذه الظاهرة تترافق مع انصراف الجيل الشاب عن أداء وظائفه الدينية وترك الصلاة التي قدرها زم، بنسبة 73 في المئة، في حين ان التردد بين الصلاة وعدمها بنسبة 17 في المئة، وانخفض معدل سن الفساد من سنة 27 الى 20 سنة. وارتفع معدل الانتحار بنسبة 9،1 في المئة، وفي الاجمال ان معدل الفحشاء والمنكرات على مستوى طهران قد ارتفع بما يزيد عن 5،63 في المئة، أي نحو ستة أضعاف.
وتشير الإحصاءات الرسمية التي جرت العام الماضي الى وجود نحو مليون ومئتي ألف مدمن فعلي في ايران، وان نحو 700 ألف شخص الى 800 ألف يتعاطون المخدرات في شكل متقطع أو للتسلية والتجريب، وان أعدادهم في تصاعد مستمر، في حين أعلن المكتب الاستشاري والتخطيط التربوي في وزارة التربية والتعليم أنه تم تشخيص نحو 780 ألف حالة ادمان بين طلاب المدارس في صفوف مختلفة ويتعرضون لممارسات واستغلال جنسي ويستعملون في توزيع المخدرات، وذلك خلال العام الدراسي الأسبق.
ويقول غلام رضا أنصاري رئيس منظمة البيئة ان عدد المنتحرين بسبب المواد المخدرة بلغ نحو الألف شخص، وان عدد المساجين بسبب المخدرات طوال عشرين سنة الماضية بلغ نحو مليون وسبعمئة ألف شخص.
أما رئيس مؤسسة السجون الإيرانية السيد بختياري نجاد فأعلن في مؤتمر صحافي عقده في مدينة بوشهر في التاسع والعشرين من 29 أيلول سبتمبر ان عدد المساجين في السجون الإيرانية قد بلغ 153 ألف سجين، يشكل المدانون منهم بتهمة التعاطي أو الاتجار بالمخدرات نحو الثلثين، أي 88 ألف شخص. وان عددهم كان في شهر شباط من العام الحالي 93 ألف شخص، وذلك قبل صدور العفو الخاص الذي أصدره قائد الثورة السيد علي خامنئي.
ويضيف بختياري نجاد، ان هناك صعوبة في وقف عمليات تهريب المخدرات الى داخل السجون، لأن المساجين يستعملون أجسادهم كمخبأ لدى عودتهم من اجازاتهم، أو من خلال اللقاءات الخاصة التي توفرها ادارات السجون لهم مع زوجاتهم، أو عبر خلطها أو تعبئتها في الفواكه والأطعمة. فضلاً عن تواطؤ بعض حراس السجون معهم ومشيراً الى أنه ضبطت كمية 5،38 كيلو غراماً من المخدرات بعد حملة تفتيش 308 سجناء في سجن مدينة يزد، معلناً ان الإدارة في صدد وضع أجهزة مراقبة للحد من هذه الظاهرة، وقد بدأ اختبارها، وسوف تعمم بحال أثبتت نجاحها.
غير ان الخسائر الإيرانية لا تقف فقط على المستوى الاجتماعي والقوى الشبابية الذي تشير أرقامه الى مقاربته حافة الخطر، بل تتعداه الى خسائر مادية وانسانية على مستوى مواجهة عصابات ومافيات التهريب، خصوصاً وان ايران، ومن أجل مواجهة الحرب عليها، أعلنت حرباً في المقابل من دون هوادة، تتحمل أعباءها منفردة من دون دعم دولي سوى بالكلام، وقد عبر عن هذا الواقع المرير مساعد وزير الخارجية في دائرة المسائل الاجتماعية الدولية السيد علي محمد الموسوي وقال ان الخسائر البشرية التي دفعتها ايران على هذا الصعيد بلغت حتى الآن نحو 3000 عنصر من القوى الأمنية، وانها دفعت في السنة الفائتة فقط 193 عنصراً.
أما في الجانب المادي فقد أنفقت ايران ملايين الدولارات لمواجهة عمليات التهريب على الحدود الشرقية مع أفغانستان وباكستان وصرفت مبالغ كبيرة على انشاء 212 مركز مراقبة، و22 حاجزاً اسمنتياً، وحفر 290 كيلومتراً من الخنادق بعمق 4 أمتار وبعرض 5 أمتار، واحداث سواتر ترابية بطول 659 كيلومتراً فضلاً عن اقامة أسلاك شائكة بطول 78 كيلومتراً. وان هذه الإجراءات الباهظة وان كانت قد ساعدت في خفض عمليات التهريب الا انها لم تستطع منعها بشكل تام.
يرى السيد علي محمد الموسوي، ان السبب الرئيسي في هذه المشكلة التي تعيشها ايران هو وقوعها على حدود أكبر دولة منتجة للأفيون في العالم، وهذا رأي يوافق عليه جميع المسؤولين في ايران، إذ يقول ان انتاج أفغانستان من المواد المخدرة قد تضاعف عن العام الماضي وبلغ 2600 طن، وان 90 في المئة من أفيون العالم ينتج في هذا البلد ويتخذ من ايران ودول آسيا الوسطى معابر للوصول الى السوق الأوروبي. وتقدر قيمة سوق المخدرات الدولي المالية بنحو 400 مليار دولار وتأتي في المركز الثاني بعد تجارة النفط، وتتساوى مع تجارة الأسلحة وتتفوق على صناعة السيارات.
أما الأمر الثاني فهو ايراني داخلي، يسعى الى محاولة فهم وإدراك الأسباب التي تدفع الشباب الإيراني على الإدمان وذلك من أجل معالجتها ووقف هذا الانحدار المتسارع في وسط هذه الشريحة. لذلك يرى العميد شريفي مدير دائرة مكافحة المخدرات في القوى الأمنية، أنه لا بد من معالجة الأسباب الاقتصادية وأزمة البطالة المتفشية التي تصل نسبتها الى 20 في المئة وكذلك التضخم بحيث بدأت العملة الإيرانية تفقد قدرتها الشرائية في ظل تدن كبير في الأجور، اضافة الى وجود نواقص في القانون الذي يفرض على القوى الأمنية التعاطي مع المدمنين على أنهم مرضى وليسوا مجرمين، وهذا ما أكده كذلك السيد محمد فلاح بناء على القانون الساري منذ أيلول الماضي.
ويرى بعض الخبراء في هذا الشأن، ان اكثر الدول التي تحارب المخدرات وتقع على طرق التهريب، قد وضعت حلولاً لمنع انتشاره ضمن حدودها وذلك باعتماد أسلوب استلام حمولات المخدرات من المهربين على الحدود، واعادة تسليمها على الجهة الثانية من الحدود. غير انه يرى عدم امكان نجاح ذلك بشكل كامل لأن لا أحد يمكنه تصور حجم العائدات المالية ودورتها من هذه التجارة.
في الختام، ان زراعة الخشخاش أو الأفيون ذات تاريخ قديم وعريق في مناطق أفغانستان الشرقية والجنوبية، لكن هذه الزراعة ازدادت في السنوات الأخيرة. وبالتالي فإن عمليات التهريب ازدادت، ما جعل معظم الحمولات المهربة الى أوروبا من أفغانستان وباكستان تتكون من المواد الأولية أي الأفيون أو المورفين بشكل أساسي. لأن صناعة الهيرويين وتقنياتها لم تكن قد وصلت الى منطقة الهلال الذهبي بعد. لذلك فإن معظم الحمولات المكتشفة في ايران كانت بشكل أساسي تتألف من المورفين، إلا أنه أصبح الآن في أفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى معامل لتصنيع الهيرويين، جعلت من المهربين الأوروبيين يقومون بعمليات تهريب معكوسة باتجاه هذه الدول من أجل التصنيع.
لذلك يرى محمد فلاح ان المواجهة مع هذه العصابات والمافيات تزداد صعوبة كل يوم، لأن أفرادها يستخدمون أحدث التقنيات التكنولوجية في الاتصال والانتقال، وان الميزانيات التي تضعها الدول لمكافحة المخدرات لا تصل الى قدرات المهربين.
لقاء مع أحد المدمنين... على الرصيف
شاب في مقتبل العمر، يلبس قبعة تخفي معظم رأسه، يمشي صائحاً بالمارة طالباً منهم مساعدته لإجراء عملية جراحية بحاجة اليها، يقول انه يبلغ من العمر 28 سنة، في حين يوحي مظهره أنه تجاوز الأربعين، وعندما يقال له ذلك يعلق بابتسامة ملؤها الحسرة، "طبيعي فقد دمرت المخدرات جسدي"، وقال أثناء الحوار أنه كان يمارس الفنون القتالية، وكغيره من المدمنين يقول انه عاطل من العمل، وانه جاء الى هذه المنطقة بحثاً عن عمل، وانه لا يعاني من أي مرض.
ما النوع الذي تتعاطاه؟
- كنت أتعاطى في بعض الأحيان الهيرويين ولكنني تركته.
هل ما زلت تتعاطى؟
- فقط في الأعراس والحفلات، الى جانب المشروب.
متى اقلعت عن التعاطي؟
- منذ نحو شهر.
كم سنة أدمنت عليه؟
- ثماني سنوات تقريباً.
لماذا تركت؟
- لقد تعبت منه، وأصابني القرف من نفسي، والحالة النفسية التي أوجدها المحيطون بي وأشعروني أنني السبب في المصائب التي تحل بهم.
متى أصبحت مدمناً؟
- سنة 1992 عند انتهاء الخدمة العسكرية أي قبل أن أتم العشرين سنة.
كم حقنة تأخذ في اليوم؟
- كما هو معلوم، فإن تعاطي الهيرويين تصاعدي، اليوم واحدة وغداً اثنتين.
ما هو عملك السابق؟
- عملي السابق مزين حلاق.
والآن؟
- مزين، ولكن فعلياً عاطل من العمل.
أين تقيم الآن؟
- في غابة بوستان في ضواحي طهران. كنت في السابق أعمل حارساً فيها، والآن أصدقائي هناك، أذهب وأبيت عندهم، ليس لدي منزل.
أليس لديك عائلة؟
- لدي عائلة.
لماذا لا تذهب اليها؟
- لدي تصميم على ذلك، وأنا أتحين الفرصة بعد هذه المدة لأقوم بذلك بعد كل الذي سببته لهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.