تشكل ظاهرة "فتيات الشوارع" او ما يصطلح على تسميته في ايران "الفتيات الهاربات" من منازلهن طبعاً، احدى اكبر المعضلات الاجتماعية حرجاً وإحراجاً داخل المجتمع الايراني الميال نحو المحافظة والتقليدية في الكثير من علاقاته وعلائقه الاجتماعية والانسانية، لما تسببه تلك الفتيات من تهديم لصورته امام الاخر - الاجنبي بكل انتماءاته وتنوعاته. فمعظم هؤلاء لا بل الغالبية المطلقة منهن يدخلن في دائرة الفساد والدعارة بعد مدة قصيرة من مغادرة منزل الاهل او الهرب منه تحت ضغط الحاجة الى المأكل والملبس والسكن ما يوقعهن فريسة تحت انياب وحوش اللذة او الباحثين عنها. والمجتمع الايراني شرقي في تركيبته، ذكوري في طابعه، لذلك فهو يحمّل الفتاة مسؤولية ما آلت اليه حياتها بالدرجة الاولى. وحتى الذي يفتضح امر علاقته بواحدة من تلك الفتيات ويتعرض للتوقيف، لا يجد وسيلة للتخلص مما يواجهه الا توجيه التهمة إليها بعد ان يستنفد كل ما يختزنه من شهوانية وبعد ان يكون قضى منها وطراً. ويرى بعض الدراسات الحديثة التي تسعى الى تلمس اسباب هذه الظاهرة وعلل تفشيها في المجتمع الايراني ان ليس من الصعب القول ان السبب الرئيس في الفحشاء في ايران ناتج عن عامل الفقر. إذ يعيش ثلث سكان ايران تحت خط الفقر المطلق والثلث الآخر في محيط الفقر. اما الثلث الباقي فيتمتع بنوع من الرفاهية التي تتخللها مظاهر الغنى الفاحش. وتأييداً لهذا الكلام، خرجت دراسة اجتماعية ميدانية بنتيجة ان 54 في المئة من فتيات الشوارع لديهن اب عاطل عن العمل، وان 46 في المئة منهن ينتمين الى عائلات احد افرادها صاحب سوابق جنائية، وان 71 في المئة حرمن من علاقة عاطفية مع الوالدين، وان 3،38 في المئة ينتمين الى طبقات اجتماعية دنيا. من خلال هذه الارقام والنسب يتبين ان السبب الاول والاخير لتفشي هذه الظاهرة هو العامل الاقتصادي الذي يشكل التحدي الاكبر لأي حكومة ايرانية حالية او مستقبلية، وهو ما يجعل الاحصاءات تتحدث عن وجود نحو 400 حالة خروج او هرب من المنزل شهرياً، وان الكثيرات من الهاربات ينخرطن في دائرة عصابات الفساد ومافيات الدعارة المنظمة او ينضممن الى قطار فتيات الشوارع. ويؤكد إمام مسجد مدينة ساوه، وهي المدينة التي وفرت تاريخياً لحسن الصباح المادة المقاتلة داخل مجموعات الحشاشين، ان لديه تقارير موثقة عن 400 حالة فرار من المنزل يومياً، ويؤكد ان كل تلك الفتيات يدخلن بيوت الدعارة، وهذا دليل، كما يقول على توجه واضح نحو الفساد الاجتماعي. وتشير تقارير مراكز حماية الفتيات الفارات الى ان متوسط اعمارهن يراوح بين تسع سنوات و17 سنة، وان الفتيات اللواتي مررن على هذه المراكز يشجعن الفتيات الاخريات على الفرار من المنزل. وأصبح من المتعارف عليه داخل المجتمع الايراني الترادف بين مصطلح "هرب الفتاة" والدعارة، ذلك ان مراكز حماية افراد هذه الظاهرة ليس بامكانها استيعاب الاعداد الكبيرة منهن، ومن تدخل اليها تبقى فيها لمدة قصيرة وبعد خروجها تلتحق بجيش بيوت الدعارة. ينافسن المخدرات في نقل الإيدز غالبية فتيات الشوارع اللواتي يوقفن مصابات بفيروس الايدز، ويعتبرن الاكثر خطورة في نقل العدوى للآخرين. وتختلف الاعداد الحقيقية للمصابين بهذا الفيروس بشكل كبير عن الارقام التي تعطيها الدائرة الاجتماعية في قوات الشرطة او تلك التي تعطيها وزارة الصحة التي اشارت آخر التقارير الصادرة عنها وأعدها رئيس مركز مكافحة الامراض في الوزارة الدكتور محمد مهدي كويا، ان ايران تقع في اكثر المناطق خطورة لجهة انتشار مرض الايدز، وان عدد المصابين بالفيروس يبلغ 4846 في كل ايران، وان 678 منهم دخل في المراحل النهائية فيما مات 623 شخصاً. وعلى رغم انخفاض اعداد المصابين بهذا الفيروس خلال السنة الايرانية الماضية من 1298 الى 1166، الا ان هذه الاعداد تبقى في اطار الحالات التي اعلن عنها او قام اصحابها بمراجعة المراكز الطبية، اي ان هناك اعداداً اخرى ما تزال تمثل قنابل متنقلة داخل المجتمع لم يعلن عنها او لم تسجل لتلقي العلاج. ويزيد الوضع سوءاً عدم تقبل المجتمع للصراحة المطلوبة في هذا المجال وما يسببه ذلك من نظرة سلبية لمن يصاب به، لذلك فإن الاعداد التخمينية للمصابين ترواح بين 22 و23 الف مصاب، في حين اشارت تقارير غير رسمية الى ان هذا العدد يتجاوز 30 الفاً. وبلغت نسبة انتقال المرض عن طريق العلاقات الجنسية تسعة في المئة، فيما تشكل المخدرات والابر نسبة 65 في المئة من اسباب انتقاله. اما في طهران فتنعكس الصورة الى حد ما، اذ بدأت ظاهرة الدعارة وفتيات الشوارع تنافس بجدية ظاهرة الادمان على المخدرات، وفاقت اعدادهن اعداد المدمنين. ظاهرة اخرى ترتبط وتتفرع من معضلة الدعارة وفتيات الشوارع، وهي قضية تصدير اعداد كبيرة من الفتيات الى الخارج، خصوصاً دول الخليج من طريق عصابات ومافيات التهريب، كما تشهد على ذلك بيوت الدعارة في تركيا ايضاً. ولا يشكل التعامل المرحلي والموقت مع هذه الظاهرة، بإجماع الكثير من الخبراء الاجتماعيين الايرانيين العلاج الفعال لهذه الظاهرة المؤلمة. ويرى هؤلاء ان الحل يكمن اولاً في معالجة الازمة الاقتصادية الخانقة التي بدأت تزعزع اركان العائلات الايرانية. ولكن على رغم ذلك فإن قوات الشرطة ومعها أفراد من قوات التعبئة "الباسيج" بدأت عملية اعتقال هؤلاء الفتيات وجمعهن من شوارع طهران. واعلن رئيس الشعبة 29 في المحاكم العامة والمسؤول عن هذا الملف القاضي بناهي انه القي القبض على 50 فتاة غالبيتهن من ذوات السوابق. واشار اللواء صدوقي المسؤول عن دائرة مكافحة المفاسد الاجتماعية في قوات الشرطة ان التعاطي مع هذه القضية يتم في جدية كبيرة وان اعداداً منهن دخلن السجن بعد صدور احكام في حقهن. وأشار ايضاً الى عمليات اعتقال سابقة الا انها هذه المرة تتم بجدية وسرعة كبيرتين. وأكد ان في امكان الشرطة اعتقال فتيات الشوارع في مدينة طهران خلال مدة لا تتجاوز 24 ساعة، الا ان المشكلة التي تواجه ذلك هي مراكز حمايتهن بعد الاعتقال. وفي المقابل، وتدليلاً على مدى ما تشكله هذه الظاهرة من ازمة لدى الدولة، عقدت جلسة مشتركة بين اعضاء من قيادة الشرطة واللجنة الثقافية في البرلمان للبحث في سبل معالجتها. من جهة اخرى اشارت مديرة مراكز حماية الفتيات الفارات زهرة زارع الى ان 70 في المئة من هؤلاء الفتيات يأتين الى طهران من المحافظات والقرى. في حين ان المراكز التي تشرف عليها تجد صعوبة في استقبال الفتيات اللاتي تعرضن "للاذى الشديد" وهو تعبير يدل على احتراف مهنة الدعارة وعدم وجود امكانية تجعل الفتاة تتخلى عنها. الحل في بيوت "العفاف"؟ وترى زارع ان تشكيل بيوت "العفاف" لا يحل المشكلة بل يجعلها اكثر تركيزاً. اما صاحب مشروع "بيوت العفاف" اكبر تاجيك راد فيرى ان تشكيل مثل هذه البيوت يساعد على التقليل من الفساد في المجتمع بنسبة 50 في المئة. ويضيف ان المسؤولين اختاروا الصمت عن هذه الظاهرة في حين تزداد عمليات تصدير الفتيات الى الخارج عبر تجارة الرقيق الابيض، وأكد انه لم يتم تنفيذ مشروع "بيوت العفاف" الذي استقبله الشباب بكثير من الحماسة "لما كنا نواجه معضلة الفساد والدعارة المتنقلة من منزل الى منزل". وأشار الى ان نسبة الفتيات الفارات من المنزل ازدادت في طهران بنسبة 15 في المئة، "لذلك فان اي عمل يساعد على التقليل من الفساد يعد انجازاً كبيراً". وأضاف ان "بيوت العفاف" تساعد على المحافظة الجنسية وتنظيم نساء الشوارع وتقطع الطريق عليهن. وأشار تاجيك راد الى ان الفتيات اللواتي يلبسن الثياب المثيرة يساعدن على اثارة الشباب واغرائه ويعجلن بانفجاره لذلك فهن يعرّضن امن المجتمع للخطر ويجب التعامل بجدية مع هذا الوضع على ان يبدأ العمل على التوعية من المراحل المدرسية وامكان العمل لمنع اتساع هذه الظاهرة في المستقبل. في هذا الوقت عادت شوارع بعض المدن الايرانية، خصوصاً العاصمة طهران، لتشهد حضوراً واضحاً لدوريات شرطة الاخلاق في الاماكن الاكثر ازدحاماً التي تشهد حضوراً شبابياً مكثفاً من الجنسين. الا ان اللافت فيها هذه المرة انها دوريات مختلطة من الجنسين ايضاً، موزعين على سيارتين: "مرسيدس الغانس" وتقل ثلاثة شرطيين و"فولكس فاغن" وتقل شرطيتين تقتصر مهمتهما على توجيه بعض الارشادات للفتيات العابرات في الشوارع، بكثير من الادب ومراعاة الشعور والحقوق. والفتيات اللواتي يتعرضن لهذه "الملاحظات" هن اللواتي لا يلتزمن بوضع الحجاب في شكل لائق. ولا يتدخل رجال الشرطة المرافقين الا في حال تعرضت الشرطيات لخطر امني او استدعى الوضع الذي يواجهنه حماية. ويبدو ان دخول الشرطيات دائرة العمل يأتي استكمالاً لما اعلن عنه في السابق عن تخريج نحو 400 فتاة من كلية الشرطة للعمل في مساندة القوات الاخرى من الرجال الذين تمنع عليه الاحكام الشرعية وبعض القوانين التعاطي مع متهمين ومعتقلين من النساء والفتيات والتحقيق معهن. ويشمل هذا القرار العديد من المدن الايرانية كمحافظة كيلان التي اعلن قائد الشرطة فيها عن دخول 400 فتاة مدربة الى الشرطة للعمل في اقسام التحقيق الجنائي والسير، فيما اعلن رئيس مركز محاربة المفاسد الاجتماعية في مدينة اروميه غرب عن بدء محاربة ظاهرة الحجاب السيئ، على اربعة مراحل تبدأ بالاعلام والدعاية وبعدها التنسيق مع المسؤولين الثقافيين ومن ثم المرحلة النهائية التي تتمحور حول مواجهة المذنبين خصوصاً في الاماكن التي تشهد ازدحاما بشرياً. واضاف ان الدوريات الخاصة المؤلفة من نساء قامت بتوجيه انذارات تتعلق برعاية الحجاب الكامل لنحو 3400 امرأة. من جهة اخرى، عاد الحديث في بعض الاوساط الشعبية عن عودة ظاهرة الحواجز الليلية التي يقيمها عناصر من "الباسيج" في شوارع المناطق الشمالية لمدينة طهران التي تعمد الى ايقاف وتفتيش السيارات التي يستقلها شبان يستمعون الى موسيقى غير مرخصة لمطربين ايرانيين في الخارج. وتتركز عمليات التوقيف على السيارات التي تقل الشبان، في حين تتعرض السيارات التي تقل فتيات الى جانب شبان الى التحقيق والتفتيش وبعض الاحيان التوقيف. وفي مدينة شيراز جنوب لاحظ المواطنون ظاهرة لافتة في وسط المدينة تتلخص بأن مجموعة من النساء المحجبات اللاتي يضعن نقاباً على وجوههن، نصبن خيمة تنبعث منها الادعية والاناشيد الدينية. وتقوم النساء بالحديث مع كل فتاة او امرأة لا ترتدي حجابها بشكل صحيح، او ترتدي ملابس فيها شيء من الاغراء الى جانب وضع بعض المساحيق التجميلية، وذلك عبر دعوتها الى داخل الخيمة والحديث معها بشكل لائق ومؤدب، من باب الارشاد والهداية التي تتضمن توزيع كتيبات تتضمن احكاماً تتعلق بعواقب سماع الموسيقى وعدم الاحتشام. ويقول المسؤولون في مدينة شيراز ان هذا العمل يخضع لاشراف ادارة ومؤسسات مكافحة ظاهرة الفساد في المدينة، وهي تختلف عن الظاهرة التي شهدتها مدينة اصفهان قبل اكثر من ستة اشهر حين عمدت مجموعة من النساء المقنعات للخروج الى الشوراع والتعرض بالضرب والشتم للفتيات والنساء اللواتي لا يراعين الحجاب الاسلامي. وأثارت تلك الظاهرة موجة من الاعتراض الشديد بين المسؤولين ووصلت اصداؤها الى العاصمة طهران ما دفع الشرطة في المدينة الى التدخل ووضع حد لها، باعتبار انها ظاهرة فردية لا علاقة للشرطة بها، وقد تؤدي الى ترك اثر سلبي في موقع هذه المدينة السياحية بالدرجة الاولى. بالأرقام... أشارت مجلة "بكاه" التي تصدر في مدينة قم عن "مركز الاعلام الاسلامي" في دراسة اجرتها عن الدعارة، الى ان اعمار فتيات هذه التجارة تبدأ من سن التاسعة. وقالت ان نسبة العاملات في هذا الميدان لا تتجاوز الاثنين في المئة، من إجمالي الفتيات الايرانيات. أما نسبة من هن بين سن تسع سنوات و12 سنة، فتبلغ 2 في المئة. الى جانب هذه الارقام ، فان الدائرة الاجتماعية في قوات الشرطة اشارت الى ان هذه القوات ألقت القبض على 2738 فتاة هاربة خلال السنوات الخمس الماضية. وأشارت ايضاً الى ان ظاهرة الهرب من المنازل ازدادت بنسبة 300 في المئة خلال سنوات 1997 الى 1999، فيما عادت لتدنى خلال سنتي 2000 و2001. وقالت ان الباعث على فرار 5.42 في المئة منهن هو البقاء الى جانب الحبيب او الصديق، وان 66 في المئة منهن بقين في منزل هذا الصديق، فيما 5.82 في المئة منهن يجهلن العواقب الوخيمة للهرب، وان 70 في المئة منهن لم يصلن الى الاهداف والآمال التي تركن المنزل من اجلها. تقارير اخرى اشارت الى انه تم تحديد نحو 84 ألف امرأة يعملن في بيوت الدعارة في مدينة طهران، وانه تم التعرف على 150 بيتاً للدعارة في المناطق الشمالية لهذه المدينة ، فيما يلقى القبض على عدد يتراوح بين 50 الى 60 فتاة من فتيات الشوارع يومياً.