هل هناك صلة بين رفض المرجع الشيعي الإمام السيستاني اللقاء مع الأميركيين، ورفض "فتوى الأزهر" التي تنصل منها الشيخ طنطاوي الاعتراف بمجلس الحكم العراقي لأنه يمثل قوة الاحتلال؟ وهل هناك صلة بين قتل السيد عبدالمجيد الخوئي والسيد محمد باقر الحكيم، وصولاً الى محاولة اغتيال السيد محمد سعيد الحكيم؟ اشكالية النظرة الى الوجود الاميركي في العراق، والتعامل معه، ومعاملته بقبول مصلحي مشروط، مطروحة منذ اليوم الأول، لكن يبدو انها تتفاعل في العمق. والأكيد ان قوة الاحتلال التي لم تتهيأ لما هو أبسط من ذلك الخدمات الاساسية فضلاً عن الأمن أبعد ما تكون عن الإحاطة بهذه المسألة وتعقيداتها. ولا شك انها ستمضي في التبسيط معتبرة انها لا تزال في حربها على الارهاب، وكل شيء يحل بالقوة العسكرية. بعد التفجير القاتل في النجف أمس، وقبله تفجيرا مقر الأممالمتحدة والسفارة الأردنية، أصبح واضحاً ان قوة الاحتلال تعاني عجزاً مزدوجاً، قوامه الرئيسي انها لم تدرك بعد درجة من السيطرة تمكنها من استباق مثل هذه التطورات التي تصعب معالجتها على انها مجرد أحداث أمنية وانما ينبغي التعامل مع انعكاساتها السياسية الخطيرة. لم تتوصل الولاياتالمتحدة بعد الى إزالة الأضرار السياسية الفادحة التي تسبب بها تفجير مقر الأممالمتحدة. وها هي الآن بعد التفجير الجديد في النجف أمام تحدٍ آخر لا تبدو انها مقبلة على مواجهته بخيارات صائبة. اذ لا يكفي ان يتباكى "الحاكم" بول بريمر في مؤتمراته الصحافية لأن هناك "قوى خارجية" تتدخل في العراق. لا بد من ان يعترف، وان تعترف واشنطن ايضاً، بأمرين محددين: الأول، ان هناك وضعاً أمنياً - سياسياً لم يجر تشخيصه بشكل واضح. والثاني، انه اذا كانت هناك "قوى خارجية" فعلاً فينبغي البحث عن مسؤولية الادارة الاميركية في "استدعاء" هذه القوى، وبالتالي لا بد من مراجعة شاملة للأداء الاميركي عراقياً واقليمياً. تكمن خطورة التفجير في النجف في انها انذار حاسم في اتجاهين: إما ان الصراع الشيعي - الشيعي انتقل الى مرحلة تصعيد لا رجعة فيها، وإما ان هناك احتمالاً - ولو غير مؤكد - بأن ثمة قوى تسعى الى اشعال فتنة طائفية ومذهبية. وكلا الاحتمالين خطير جداً للعراق والعراقيين، فهم باقون هنا، أما قوة الاحتلال فمصيرها ان ترحل في نهاية المطاف، بصيغة أو بأخرى. وبين العراقيين من لا يستبعد احتمالاً ثالثاً هو ان تكون قوة الاحتلال نفسها وراء ما تشهده النجف خصوصاً، لأنها تعاملت وتتعامل مع الفئات الشيعية المرتبطة بالمرجعيات بالشكوك والاتهامات المسبقة. وقد تكون وجدت ان في مصلحتها افتعال صراع شيعي - شيعي تبقيه تحت سقف الاحتلال، أملاً في انبثاق قوة شيعية موحدة ومعروفة القيادة ليصار عندئذ الى التعامل معها بعد تطويعها. لا شك ان من استهدف السيد محمد باقر الحكيم استهدف ايضاً شخصية قدمت الى العراق المحتل من ايران، ولا تزال لها صلاتها وروابطها مع طهران. اذاً، كان للتفجير هدف هو ايران، وعلاقتها مع القوى الشيعية المختلفة في العراق، وتدل قراءة سريعة للأحداث داخل العراق وخارجه الى وجود مواجهة مترابطة بين الجدل على السلاح النووي المفترض لدى ايران، وبين اعتقالات مفاجئة في بريطانيا وبلجيكا وبين تصعيد لفظي متواصل من جانب الولاياتالمتحدة واسرائيل وبين تطورات على أرض العراق. لا حاجة الى فتاوى تعطي رفض الاحتلال بعداً دينياً، فهو مرفوض حتى بالمنطق العلماني. في المقابل لم يدرك الاميركيون، والمؤكد انهم لا يريدون ان يدركوا، أنهم بعد الاحتلال بحاجة الى الكثير من المبادرات الطيبة والقليل من الغطرسة لإظهار هذا الاحتلال على انه "خير وبركة" للمنطقة وشعوبها. الواضح انهم راضون عن احتلالهم لأنه قدم "خدمة استراتيجية" لاسرائيل، التي تطالب بالمزيد، أي بتمدد الاحتلال اقليمياً. لا عجب، اذاً، في ان يلقى هذا الاحتلال رفضاً ومقاومة لا يزالان في بدايتهما.