نهج إنساني راسخ    "تطريز البشت".. 30 سيدة في الأحساء يتعلمن أسرار الحرفة التراثية    «الخارجية» تدين استهداف موكب رئيس الصومال    رينارد: مرتدات الصين تقلقني    ولي العهد يجتمع مع رئيس الوزراء الباكستاني ويستعرضان العلاقات التاريخية وآفاق التعاون الثنائي    مشروع "إفطار الصائم" في بيش يستهدف أكثر من 800 صائم يوميًا من الجاليات المسلمة    بتوجيهات الملك وولي العهد.. وصول التوءم الطفيلي المصري إلى الرياض    "الصحة" تعلن نتائج النسخة الأولى من الدوري السعودي للمشي دوري "امش 30"    27% من تداولات الأسهم للمستثمرين الأجانب    ‏⁧‫#نائب_أمير_منطقة_جازان‬⁩ يستقبل مدير فرع هيئة حقوق الإنسان بجازان المعيَّن حديثًا    الأخضر يختتم استعداداته لمواجهة الصين ضمن تصفيات كأس العالم    أخضر الشاطئية يفتتح مشواره الآسيوي بمواجهة الصين    كيف أفسد ترمب صفقة المقاتلات على الولايات المتحدة    نائب أمير جازان يقلّد مساعد قائد حرس الحدود بالمنطقة رتبته الجديدة    جامعة خالد تُطلق معرضها القرآني الرمضاني الأول    مصاحف بطريقة برايل هدية من السعودية لتونس    بعد محادثة ترمب مع بوتن وزيلينسكي ما السيناريوهات المحتملة لوقف النار    حرائق الغابات والأعاصير تهدد وسط الولايات المتحدة    برامج ( ارفى ) التوعوية عن التصلب تصل لمليون و800 الف شخص    رمضان في العالم صلوات وتراويح وبهجة    القوات الخاصة لأمن الطرق.. أمان وتنظيم لرحلة إيمانية ميسرة    ممتاز الطائرة : مواجهة حاسمة تجمع الاتحاد والنصر .. والخليج يلاقي الهلال    رمضان في جازان.. تراث وتنافس وألعاب شعبية    شركة الغربية تحتفل بتخريج المشاركين في برنامج القيادة التنفيذية بالتعاون مع أمانة جدة    الأخضر للعودة بعبور محطة التنين    مكافآت طلاب عسير 28 من كل شهر ميلادي    2611 بلاغا وحالة إسعافية بجازان    250 ألف ريال غرامات على الشاحنات الأجنبية المخالفة    مطالبات تحت المجهر.. توسع المجاردة ونطاق عمراني لبارق    7800 مستفيد من المناشط الدعوية بمسجد قباء    جامعة الملك سعود تُطلق مبادرة لاستقطاب طلبة الدراسات العليا المتميزين    مدرب الصين: أعرف منتخب السعودية جيدًا.. وقادرون على الخروج من الرياض بنتيجة إيجابية    ضبط 5 أشخاص في الباحة لترويجهم الحشيش والإمفيتامين    باول: من السابق لأوانه قياس تأثير رسوم ترامب الجمركية على التضخم    خالد بن سعود يستقبل قائد حرس الحدود بتبوك.. ويطلع على تقرير "هدف"    دمت خفاقاً.. يا علمنا السعودي    نائب أمير مكة يرأس اجتماع «مركزية الحج».. ويدشن الدائري الثاني    مسجد بني حرام في المدينة.. تطوير وتجديد    نائب أمير جازان يكرّم الفائزين بجائزة "منافس"    ترامب: أجريت اتصالاً "جيداً للغاية" مع زيلينسكي    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وصول التوءم الطفيلي المصري إلى الرياض    رئيس الوزراء الباكستاني يصل إلى جدة    "الأرصاد": أمطار رعدية غزيرة وسيول متوقعة على عدة مناطق بالمملكة    استقطاب كبرى الشركات اليابانية في الترفيه    الخوف من الكتب    الاتحاد يعبر القادسية الكويتي في نصف نهائي غرب آسيا لكرة السلة    الغياب الجماعي للطلاب.. رؤية تربوية ونفسية    "الحياة الفطرية": لا صحة لإطلاق ذئاب عربية في شقراء    فيتش: تحسن محدود لمؤشرات البنوك    رأس الاجتماع السنوي لأمراء المناطق.. وزير الداخلية: التوجيهات الكريمة تقضي بحفظ الأمن وتيسير أمور المواطنين والمقيمين والزائرين    إدانة عربية واسعة ومطالبة بحماية الشعب الفلسطيني    توافق مع لبنان وتحقيق شفاف ب «تجاوزات الساحل».. سوريا.. اتفاق حدودي ودعم أوروبي لتعزيز الاستقرار الإقليمي    وزير الداخلية يرأس الاجتماع السنوي ال32 لأمراء المناطق    المملكة تدين وتستنكر الهجوم الذي استهدف موكب رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية    نائب أمير منطقة جازان يكرّم الفائزين في مسابقة الملك سلمان المحلية لحفظ القرآن الكريم    قطاع ومستشفى بلّسمر يُنفّذ حملة "صم بصحة"    دعوات ومقاعد خاصة لمصابي الحد الجنوبي في أجاويد 3    محافظ الطوال يشارك في الإفطار الرمضاني الجماعي للمحافظة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كرزاي لإيران أم تفاهم مع أميركا ؟
نشر في الحياة يوم 09 - 10 - 2003

هل وجدت الولايات المتحدة أخيراً ضالتها في شخصية حسن الخميني، حفيد آية الله الخميني، لتحوله الى كرزاي لإيران؟ يأتي هذا السؤال بعد الزيارة التي أداها هذا الأخير لأميركا وبالتحديد لمؤسسة "أميركان انتربرايز" ذات التأثير في التخطيط للسياسات الأميركية البعيدة المدى، وكذلك لتناغم تصريحاته مع ما تنشده الولايات المتحدة من تغيير للنظام الإسلامي في إيران.
في البداية نلاحظ أن تداخل الأمور واشتداد المواجهة بين أميركا وإيران بلغ مستوى لم يبلغه في أي وقت مضى، ما ينبئ بوقوع أحداث مهمة في المستقبل القريب، فساحات المواجهة هي، بحسب الأهمية: الملف النووي، العراق، أفغانستان، القضية الفلسطينية، لبنان، بحر قزوين وآسيا الوسطى، القاعدة، الخليج والنفط....
وأعلنت الولايات المتحدة أخيراً أنها استبعدت نهائياً فكرة استخدام القوة ضد إيران، ما يؤكد حصول تغيير جذري في استراتيجيتها المعتمدة مع هذا البلد، وربما أسقطت أميركا أخيراً، كذلك، فكرة استبدال النظام الإسلامي الحالي بآخر علماني على النمط الغربي، لتقبل في المقابل بحل وسط يتمثل في نموذج لنظام إسلامي ديموقراطي، متفتح على الحضارة الغربية، فيكون قريباً لطروحات الإصلاحيين من جهة وملبياً مصالح الولايات المتحدة من جهة أخرى. وستحاول أميركا، على الأرجح، اختبار هذا النوع من الحكم في العراق ليكون في ما بعد نموذجاً لدول أخرى في الشرق الأوسط.
وتعود هذه التحولات في الرؤية الأميركية للمواجهة مع إيران، على الأرجح الى السببين الآتيين:
1 - الوضع في العراق:
فوجئت الولايات المتحدة بعد غزوها العراق وتنحيتها الرئيس العراقي، بكيفية رد فعل العراقيين على الاحتلال، فقد طغت الفرحة بسقوط صدام على الترحيب بالأميركيين بل لم تدم هذه الفرحة طويلاً، وتحول الوجود الأميركي الى عار وخزي في نظر العراقيين، لا يبرره سوى الخشية من إمكان عودة صدام للحكم. فالجميع الآن يطالب برحيل الأميركيين وترك الأمور للعراقيين لاختيار ما يناسبهم من أنواع الحكم. كما فوجئت أميركا كذلك بمدى تمسك العراقيين بدينهم، على رغم بقائهم عهوداً سحيقة تحت حكم العلمانيين وحتى الشيوعيين. ولعل الأمل الأخير المتبقي للشعب العراقي، بعد أن جرب أنواعاً عدة من الحكم، هو في إقامة نظام إسلامي يقترب من النظام الإسلامي في إيران من دون أن يكون بالضرورة صورة طبق الأصل، لخصوصيات كل بلد. ومنذ اليوم الأول لانهيار الحكم في العراق، شاهد الجميع شعار الشيعة "حوزتنا تقودنا"، ما خلط، بلا شك، حسابات ادارة بوش. إذاً، وقعت الإدارة الأميركية في مأزق، وبين أمرين كلاهما مر، فإما أن تستجيب لإرادة الشعب العراقي بما سينتج عنها من مخاطر وانفلات للأمور، تصب حتماً في مصلحة إيران، وإما اشتداد المقاومة وازدياد خسائرها وتزايد العداء لها، حتى من أصدقائها. وهذا بالضبط ما حذر منه الرئيسان المصري والفرنسي قبل وقوع الحرب، وإن كانا لم يهتما في المقابل بما عاناه ويعانيه الشعب العراقي. ولا يتردد الرئيس مبارك عندما يذكر الآن انه نصح بوش بإقامة نظام عسكري بعد تنحية صدام، ما يعني تأجيل الديموقراطية، وانه أجابه بأنه لا يبدل ديكتاتوراً بديكتاتور. وفي واقعنا الجديد، أصبح الرؤساء العرب يعرفون مصلحة اميركا أكثر منها.
لا شك في أن من بين الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة تتجنب تسليم تسيير الأمور للأمم المتحدة، خشيتها من التأثير الإيراني المتنامي في العراق، إذ على رغم حرب الثماني سنوات، بقيت الروابط العرقية والدينية بين الشعبين قوية، والآن، وبعد مضي أكثر من خمسة عشر عاماً على تلك الحرب، يشعر الشعبان، أكثر من أي وقت مضى، بحاجة أحدهما الى الآخر، وهذا أمر عادي. فألمانيا وفرنسا عادتا لتصبحا صديقتين مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية، على رغم الدماء التي سالت بينهما، ومثلما حملت ألمانيا هتلر المسؤولية لوحده، يعتبر معظم العراقيين الآن أن صدام كان مسؤولاً لوحده عما جرى مع إيران. وتحاول أميركا جاهدة إيجاد ما أمكن من الأسباب لإدامة القطيعة بين إيران والعراق، وجعل العراق حاجزاً يقطع الطريق أمام قيام محور إيران - العراق - سورية، يهدد اسرائيل ويضعف الأردن. هذا الأخير يُبرز الآن وكأنه الأقرب الى قلوب العراقيين، على رغم عدم صحة هذا الرأي، وذلك لفتح الطريق أمام اقامة العلاقات بين العراق وإسرائيل، وربما لهذا السبب تنفق الولايات المتحدة الآن مئات البلايين من الدولارات على العراق.
خسرت إيران حلقة مهمة للتواصل مع العراق، بفقدانها محمد باقر الحكيم الذي ما إن شرع في الكشف عن مواقفه من القضايا المهمة كالاحتلال الأميركي والعلاقة مع إسرائيل، حتى اغتيل في عملية بشعة في النجف. وفي الواقع ان الولايات المتحدة كانت هي الأخرى في حاجة لشخصيات في مثل شعبية باقر الحكيم لكي تسهم في توحيد كلمة الشعب العراقي.
ومثلما استعملت الولايات المتحدة العراق لمحاربة ايران في السابق، جاء الآن دور ايران لاستعمال الأراضي العراقية لمحاربة الجيش الأميركي، وربما لهذا السبب نرى تملص الجنود الأميركيين من المناطق الشيعية في الجنوب العراقي تحسباً لأي مواجهة يمكن أن تطرأ.
2 - السبب الثاني لتغيير السياسة الأميركية تجاه إيران هو عدم وجود شخصيات بديلة من خارج النظام، تكون مقنعة وتتمتع بقدر كاف من الصدقية والكفاية لتسيير بلد بهذا الحجم.
فأميركا لا تراهن على النظام الملكي السابق الذي تورط في فساد وفضائح كثيرة، تُعرض في متاحف إيران، وهذا ما يجعل قبول الإيرانيين بعودته الى الحكم مستحيلاً.
وحركة "مجاهدين خلق" المدرجة على قوائم المنظمات الإرهابية لدى أميركا وأوروبا لم يبق لها أي تأثير في الشأن الإيراني، ربما سوى أعمال التجسس، وذلك منذ سقوط صدام ومداهمة مقرها الرئيس في ضواحي باريس، والتي جاءت نتيجة لتوقيع عقود اقتصادية مجزية بين باريس وطهران.
أما عن الشخصيات الإيرانية الليبرالية التي تعيش في الغرب، والمعجبة بالنموذج الغربي، فهي مقسمة الى قسمين: القسم الأول، من يرفض المغامرات الأميركية في إيران من حيث المبدأ، ويرجع ذلك الى الوطنية المفرطة والاستقلالية المعروفة لدى الإيرانيين عموماً. والقسم الثاني، والذي ينساق لما يريد الأميركيون، لكنه يفتقد الشعبية اللازمة في البلاد، وربما للتحقق من ذلك، يمكننا انتظار ما سيحققه أحمد الجلبي الذي عاد الى العراق على متن طائرة أميركية، بعد غربة طويلة في أميركا وبريطانيا.
فهل ستعود الولايات المتحدة الى إيران من الباب الذي خرجت منه؟ لا شك في أنه اختيار سوريالي، لن يختلف في نتيجته الفاشلة عن الاختيارات السابقة، وذلك للأسباب الآتية:
1 - ما تمتع به الإمام الخميني الراحل من تقدير داخل إيران وخارجها، لا يعود الى شخصه، بل لما أتت به الثورة التي كان يترأسها، خصوصاً إعادة ثروات البلاد لأبناء الشعب. فهو يستحق النقد في أمور كثيرة، ومن هنا يعتبر حفيده مواطناً عادياً ليس أكثر. وحتى في فقه الشيعة، لا يكون ابن الإمام إماماً بالضرورة. ولعل الأميركيين رأوا تجربة العراقيين مع مقتدى نجل الإمام الصدر، فأرادوا تكرارها في إيران.
2 - ما دعا اليه حسن الخميني من تغيير في إيران تجاوز الحدود المعقولة بكثير، فالرجل يدعو صراحة، وبحسب ما نسبت إليه الصحافة، الى تدخل عسكري أميركي في إيران، ويؤكد أن إيران تحاول امتلاك القنبلة النووية، وتحدث الاضطرابات في العراق، وتدعم الإرهاب المتمثل في "حزب الله" و"حماس" وغيرهما، كما انه يعترف بأن جده كان مخطئاً، وانه مع إبعاد الدين عن السياسة، وانه معجب بالديموقراطية والحرية الغربية.
الخلاصة، ان إذا أرادت أميركا إحداث بعض التغييرات في سياسات إيران فعليها أن تكون صبورة، ربما لعشرين سنة، مع تقديمها بعض التنازلات هي الأخرى، وخصوصاً في ما يتعلق بإسرائيل، إذ أن أكبر اختلاف بين البلدين يتعلق بهذا الموضوع، حيث لا تعترف إيران صراحة بحق إسرائيل في الوجود، على رغم تصريحات خاتمي الذي قال ان ايران تقبل بما يقبل به الفلسطينيون. وعلى أميركا التيقن من أن كلما زادت في ضغوطها كلما ازداد تحصن الإيرانيين وتآزرهم وربما قمعهم الحريات. والملاحظ الآن ان الولايات المتحدة، على عكس ما فعلته مع العراق، تحاول التخفي وراء المنظمات الدولية، كالوكالة الدولية للطاقة الذرية والأمم المتحدة، لتتجه نحو العقوبات الاقتصادية والحصار، وربما لهذا السبب أسرعت بجنودها الى العراق. أما احتلالها إيران فسيتحول حتماً الى كابوس مرعب لها. لقد نضجت التجربة الإيرانية واكتسبت رصيداً لا بأس به من الثقة بالنفس، نتيجة السياسة البراغماتية والنقاش الديموقراطي بين مختلف مكونات المجتمع الإيراني، وبرز هذا جلياً أثناء مناقشة مسألة توقيع إيران على البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
* كاتب تونسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.