يأتي الحصار الذي فرضه السيد مقتدى محمد صادق الصدر في العشرينات من عمره على أحد أبرز المراجع الشيعية في العالم السيد علي السيستاني في منزله في النجف، وانذاره بضرورة مغادرة العراق خلال 48 ساعة، كما أنذر ايضاً اربعة مراجع آخرين هم السيد محمد سعيد الحكيم والشيخ بشير باكستاني الأصل ومحمد اسحق الفياض من جذور افغانية والشيخ بهشتي ايراني الأصل، في اطار حملة بدأت تستهدف المرجعية الشيعية في العراق بهدف التقليل من دورها، خصوصاً في مرحلة ما بعد سقوط النظام العراقي، وبالتالي لا يمكن عزلها عن الصراع المفتعل الذي يهدد هذه المرجعية. وفي معلومات "الحياة" ان أنصار السيد مقتدى الصدر، ومعظمهم من خارج النجف، أخذوا يخططون لإطاحة السيد السيستاني بعد شبهات قوية بأنهم كانوا وراء اغتيال السيد عبد المجيد الخوئي نجل المرجع الشيعي الراحل أبو القاسم الخوئي، على رغم ان مقتل الأخير لا يصبّ في خانة النزاع على المرجعية بمقدار ما يتعلق بالصراع على النفوذ بين الوافدين الى النجف فور سقوط نظام صدام حسين وبين المقيمين فيه. وتقول مصادر شيعية مطلعة في بيروت ان مقتدى الصدر يخطط، بعد سقوط النظام العراقي، للإمساك بورقة المرجعية الشيعية على خلفية الانتقام الجسدي من الذين لم يواسوه باغتيال والده السيد محمد صادق الصدر وشقيقيه على يد نظام صدام حسين وقرروا ان يكونوا على مسافة واحدة من الجناة والمجني عليهم، اعتقاداً منهم بأن القوة التي يتمتع بها السيد محمد صادق الصدر كانت صنيعة النظام العراقي السابق الذي وقف الى جانبه وقدّم له كل أشكال الدعم المعنوي والمادي ليكون حاضراً على الأرض ومنافساً للسيد السيستاني. وفي هذا السياق، قالت مصادر شيعية بارزة ل"الحياة" ان صدام حسين انطلق في دعمه للسيد محمد صادق الصدر، قبل ان يغتاله وبعض أفراد أسرته بواسطة سيارة مفخخة، من أنه سيكون منافساً رئيسياً للسيد السيستاني الذي رفض التعامل مع النظام العراقي وانكفأ لبعض الوقت عن الواجهة لكنه ظلّ يمارس مرجعيته بهدوء... ولفتت الى ان الصدر استمد قوته من مئات الشباب الذين أحضرهم النظام من البرّ العراقي وأسكنهم في النجف في منازل المئات من العائلات التي اضطرت للهجرة من العراق بسبب تعرضها للاضطهاد. وأكدت ان تصفية الصدر تمّت على يد النظام العراقي، شعوراً منه بأنه أصبح يتمتع بحضور لافت في النجف وراح يميز نفسه عن النظام، خصوصاً برفضه لعب دور في صراع بين العرب والعجم في النجف. ثم أنه وجه انتقادات للنظام ما أزعج صدام فأمر بالتخلص منه. وأكدت المصادر أن الصدر لم يكن يوماً أداة يسهل على النظام استخدامها كما يشاء... وقد حرصت مرجعيات شيعية في لبنان، لدى سؤالها عن الصدر، على تنزيهه عن أي ارتباط بالنظام أو السير في ركابه. ورأت المصادر ان شعور مقتدى بالظلم الذي لحق بوالده ولجوء بعضهم الى تصويره كأنه جزء من النظام العراقي ورفضه التقدم من عائلته بالتعزية، كانت وراء تصرفه الانفعالي الذي بدأ بالتخلص من الخوئي ثم مطالبة السيستاني بمغادرة العراق، اضافة الى انه لم يكن على وفاق مع بعض القوى الشيعية المجلس الأعلى ممن لجأت فور اندلاع الحرب الايرانية - العراقية الى طهران وسارعت الى توجيه انتقادات لاذعة لوالده. وقالت ان السيد مقتدى يسعى الى الانتقام حتى ممن لم يدافعوا عن والده في المرحلة التي تلت اغتياله، ومنذ فترة بات شديد الحساسية حيال بعض جهات نافذة في طهران رعت الحملات التي استهدفت والده. ونفت المصادر علمها بأن يكون للسيد مقتدى أي ارتباط بحزب الدعوة في العراق، وقالت ان صلة النسب التي تربطه بالسيد جعفر ابن السيد محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة كونه متزوجاً من شقيقته، جعلت البعض يعتقد بأنه ينتمي الى الحزب ويقيم معه علاقة سياسية. لكنها اعتبرت ان موقفه العدائي للسيستاني متسرّع وينم عن تراكمات ناجمة عن حذر الصدر الشديد من الايرانيين، ما أعطى البعض ذريعة للتعاطي مع ما تشهده النجف على انه صراع بين العرب والفرس، نظراً الى أن السيستاني جاء من منطقة السيستان في ايران. ورداً على سؤال، أوضحت مصادر شيعية في بيروت ان مقتدى الصدر استغلّ الدعم الايراني للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق برئاسة السيد محمد باقر الحكيم وراح يوجّه للأخير انتقادات، بذريعة ان العراقيين الذين لجأوا الى طهران أحسّوا بمعاناة ناجمة عن عدم استيعابهم، اضافة الى التضييق عليهم. وأكدت ان السيد محمد صادق الصدر كان ضحية النظام العراقي وغير مرتبط به وطمح دائماً الى التحرر من وصايته. لكنها في المقابل رأت في التعرّض للسيستاني خدمة لمن يحاول حالياً الاطباق على المرجعية في النجف ومنعها من لعب دور فاعل في معركة إعادة تركيب النظام الجديد. وتصل المصادر الى اعتبار الولاياتالمتحدة في طليعة المستفيدين من الجو غير الطبيعي المسيطر على النجف. وقالت ان واشنطن تحاول اقصاء المرجعية الشيعية لمصلحة قوى تسعى الى فرضها على الشيعة وتؤمّن لها الدعم من العشائر والقبائل التي تدور مع كل الدوائر، ولا تتردد في الانحياز الى الطرف الآخر تحت شعار الحفاظ على دورها ومصالحها. واستخلصت المصادر ان الانذار الموجّه الى السيستاني قد يوظّف لمنع أهل النجف من العودة الى مدينتهم من خلال تخويف المرجعيات الشيعية الأخرى ايضاً بهدف الحد من نشاطها، ما يريح القوى المنفتحة على واشنطن، مؤكدة ان العلاقة بين النجف العراقية وقم الإيرانية لا تقوم على التنافس، واذا كان من تنافس فسيبقى محصوراً بين الأم أي النجف وابنتها قم.