بطريقته المعهودة حل شيخ الازهر الدكتور محمد سيد طنطاوي الأزمة التي تفجرت بسبب فتوى كان اصدرها عضو في هيئة الفتوى التابعة للأزهر وحرم فيها الاعتراف بمجلس الحكم الانتقالي في العراق. وتنصل طنطاوي من الفتوى مؤكداً أنها "لا تخص إلا صاحبها"، وشدد على أنها "لا تمثل الأزهر"، ولم يكتف بذلك وإنما أصدر قراراً بإيقاف الشيخ نبوي محمد العش الذي كان وقع على الفتوى ووضع عليها خاتم الازهر وأحاله على التحقيق، وهو ما اشارت اليه "الحياة" أمس. ودرج طنطاوي في قضايا مثيرة للجدل يكون الأزهر طرفاً فيها على أن ينأى بنفسه عن مواجهة ردود فعل غاضبة من بعض الجهات كما حدث عند بداية الحرب الاميركية - البريطانية ضد العراق حين أصدر "مجمع البحوث الاسلامية" بياناً وصف فيه الحرب بأنها "صليبية" ما أغضب دولاً أوروبية ودوائر رسمية مصرية، فاضطر طنطاوي إلى إصدار بيان ينفي فيه أن يكون الأزهر قصد الاساءة الى الدين المسيحي وأي دولة أوروبية. واعتاد الناس تبرؤ طنطاوي من القضايا الخلافية لإحالتها على المختصين بأمورها كما حدث عند الخلاف على شرعية تنظيم الاسرة وختان الاناث، إذ افتى بأن كل هذه الأمور يحددها الاطباء المختصون وليس الازهر. وهو فعل ذلك بالأمس فأحال بت شؤون العراق الى العراقيين انفسهم، وبعدما نفى مسؤولية الازهر عن الفتوى "المشكلة" قال "من الأولى للعلماء العراقيين أن يقولوا رأيهم في ذلك الشأن فهم أدرى بأمورهم منا"، واضاف: "لو سألني العراقيون أنفسهم عن الحكم الشرعي للمجلس العراقي الحالي لقلت لهم اسألوا العلماء العراقيين". غير أن طنطاوي آثر ان يفجّر قضية أخرى عبر تصريحاته التي نقلتها وكالة انباء الشرق الاوسط شبه الرسمية حين خاض في الحديث عن دور الأزهر خارج مصر، اذ قال: "إنني شيخ الازهر لمصر ولا يصح أن ازايد على شيوخ العراق واصدار فتاوى خاصة بهم"، مؤكداً أنه "ليس من حق أي عالم مصري أن يتحدث في شأن أي دولة"، وهي المرة الاولى التي يصدر فيها عن شيخ الازهر منذ تأسيسه قبل أكثر من ألف سنة رأي يحصر دور الازهر داخل مصر فقط. اذ ظل شيوخُه وعلماؤه وكذلك المؤسسات الرسمية حريصين على تأكيد الدور الفاعل لتلك المؤسسة الدينية. وبدا ان موقف طنطاوي أثار جدلاً جديداً بين علماء الازهر انفسهم اذ قال استاذ الفقه في جامعة الازهر الدكتور صبري عبد الرؤوف ل "الحياة": "لا يوجد إنسان على وجه الأرض لا يعرف ما حدث للعراق ولشعبه من مؤامرات تمت من أجل القضاء على هذه الدولة الاسلامية العريقة. لذلك نقول إنه يحرم التعامل مع هذه الحكومة ولا يجوز لأي دولة أن تتعاون إلا مع حكومة شعبية تتولى مقاليد الحكم عن طريق الانتخاب الحر والارادة الشعبية العراقية اما غير ذلك فلا تعامل ولا مساندة ولا مساعدة". أما خبراء السياسة فرأوا أن الأزمة فتحت مجالا لمناقشة دور الازهر في معالجة القضايا السياسية. وقال استاذ القانون الدولي الدكتور عبد الله الاشعل ل"الحياة": "يجب أن ينأى الأزهر عن القضايا السياسية وألا يتدخل بالفتوى الدينية باتخاذ مواقف لها طابع سياسي. وقد أدى تدخل الازهر الى النيل من استقلاله وتجرده، ومن طبيعة وظيفته ومكانته لدرجة ان السلطة السياسية في مصر اتخذت منه موقفاً من الناحية التاريخية إما بالسيطرة عليه وتحييده أو باستغلاله في دعم خطها السياسي وهذا يتناقض تماماً مع وظيفة الأزهر كسلطة دينية معنوية لأن الأزهر لا يناظر الفاتيكان".