في الوقت الذي يتابع فيه الفلسطينيون بقلق بالغ تصاعد وتيرة اجراءات الاحتلال الاسرائيلي على الارض والحشود العسكرية الاسرائيلية في محيط قطاع غزة، وسط دعوات المسؤولين الاسرائيليين العسكريين والسياسيين الى تنفيذ عملية برية واسعة النطاق فيه، بدا الاستياء الشديد واضحا في الشارع الفلسطيني ازاء الخلافات على مواقع القوى في القيادة الفلسطينية التي بدورها حاولت التخفيف من حدة هذه الخلافات. وكشفت مصادر فلسطينية في المجلس التشريعي ان عددا من النواب ينوي طرح "حل جذري ونهائي يطوي صفحة الخلاف القائم للتفرغ للعدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني". في غضون ذلك، برزت مؤشرات تدل على خضوع الاتحاد الاوروبي، الذي تترأس دورته الحالية ايطاليا، للاملاءات الاسرائيلية، إذ سيمتنع مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد خافيير سولانا عن زيارة مناطق السلطة ولقاء الرئيس ياسر عرفات، في اطار الزيارة التي يبدأها اليوم في المنطقة ويلتقي خلالها رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون ووزير خارجيته سيلفان شالوم، وذلك في اجراء هو الاول منذ اندلاع الانتفاضة، ويأتي في الوقت الذي صعدت الادارة الاميركية لهجتها ضد الرئيس الفلسطيني، اذ قال نائب وزير الخارجية الاميركي ريتشارد ارميتاج ان على عرفات ان يقرر نهائيا "ترك الحلبة السياسية". ولاقت هذه التصريحات صدى لها في اقوال المستشار الاعلامي لشارون آفي بازنر الذي اعتبر ان "عرفات خارج اللعبة السياسية بشكل كامل". كشفت مصادر في كتلة "فتح" في المجلس التشريعي الفلسطيني أنها بصدد طرح اقتراح على كل من الرئيس ياسر عرفات ورئيس وزرائه محمود عباس ابو مازن يتضمن انشاء "مجلس امن قومي" بعضوية عرفات وعباس ووزير الداخلية المرشح نصر يوسف ووزير الشؤون الامنية محمد دحلان وآخرين يشكلون جميعا مرجعية واحدة للاجهزة الامنية وللقرار الامني الفلسطيني. وأكد النائبان محمد الحوراني وقدورة فارس ل"الحياة" ان عدداً من اعضاء المجلس التشريعي يؤيدون هذا الاقتراح الذي يرى فيه كثيرون حلا "للاشكالية القائمة" التي يجب "ان تحل بسرعة لأن الوضع الذي انشأته اسرائيل بعدوانها خطير جداً". لا تصويت على الثقة بالحكومة وأكد الحوراني انه لا توجد حتى الآن، حسب المعلومات المتوافرة لديه، نية لدى المجلس التشريعي التصويت على الثقة في الحكومة الفلسطينية خلال جلسته المتوقع عقدها الاثنين المقبل بناء على طلب من رئيس الحكومة لعرض انجازات حكومته واخفاقاتها بعد مضي مئة يوم على تشكيلها. وقالت مصادر قريبة من "ابومازن" ان الاخير لم يطالب أبداً بنزع الصلاحيات الامنية من يد الرئيس الفلسطيني "وهو لا يريد ذلك اصلاً… وانما وضع آلية عملية ومباشرة لقيام الاجهزة الامنية بالمهمات المنوطة بها وفقاً لسياسة الحكومة التي اقرها المجلس التشريعي الفلسطيني من دون الدخول في متاهات". وأشارت مصادر فلسطينية الى ان من بين الاقتراحات المطروحة تعيين "نائب" للقائد العام لقوات الامن الفلسطينية الرئيس الفلسطيني ممثلا باللواء نصر يوسف الذي اقرت اللجنة المركزية لحركة "فتح" ترشيحه لمنصب وزير الداخلية. وفي الوقت الذي ذكرت فيه مصادر اسرائيلية ان الولاياتالمتحدة تبذل جهوداً لارجاء عقد جلسة "التشريعي" لتلافي التصويت على حكومة "ابو مازن"، دعا وزير الاعلام الفلسطيني نبيل عمرو الى "ضرورة التصويت"، وقال ل"الحياة" انه لا توجد حلول وسط "فإما ان تأخذ هذه الحكومة دعماً كاملاً لكل حرف من برنامجها، وإما ان تغادر. لن نبذل اي جهد من اجل البقاء". واستبعدت مصادر فلسطينية مطلعة ان يقدم عباس على الاستقالة من منصبه او المطالبة بالتصويت على حكومته، مشيرة الى انه يدرك الوضع الخطير الذي تمر فيه القضية الفلسطينية، خصوصا في ظل تصريحات الحكومة الاسرائيلية الأخيرة بأنها "لن تتعامل مع أي حكومة فلسطينية جديدة تخضع لإمرة عرفات في حال سقوط حكومة عباس". وأوضحت المصادر ان "العلاقة بين الرجلين متينة وعميقة ولا يوجد صراع بينهما وانهما على اتصال دائم ومستمر على مدار الساعة، حتى اثناء وجود عباس في غزة". وزادت: "الرجلان يفهم كل منهما الآخر بشكل كامل ويريدان وضع حد لهذه الزوبعة". تطابق اميركي - اسرائيلي ازاء عرفات وعن الموقف الاميركي المتجدد المعارض للرئيس الفلسطيني والذي اعقب دعوة وزير الخارجية الاميركي كولن باول للرئيس عرفات ل"مساعدة ابو مازن"، اشارت مصادر في مكتب عباس إلى ان المهم الآن عند رئيس الوزراء هو الرئيس عرفات. وكان نائب وزير الخارجية الاميركي ريتشارد ارميتاج قال ان "على عرفات ان يقرر نهائيا ترك الحلبة السياسية"، وكال المديح في التصريحات ذاتها لرئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون الذي قال انه يتحلى بالمسؤولية "وضبط النفس"! وتزامنت تصريحات المسؤول الاميركي مع تصريحات اسرائيلية مماثلة وردت على لسان آفي بازنر، المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء الاسرائيلي الذي قال ان اسرائيل "لا تعير اهتماما لدعوات عرفات للفصائل الفلسطينية بالتزام الهدنة". واضاف ان "عرفات بات خارج اللعبة السياسية نهائياً… وعرفات حض، منذ بدء الهدنة السابقة، الفصائل على القيام بعمليات عسكرية لاضعاف ابو مازن وللنيل من مكانة وزير الشؤون الامنية دحلان". وكشفت الصحف الاسرائيلية امس ان "وحدة خاصة" من الجيش الاسرائيلي كانت على استعداد ليلة وقوع عملية القدس الاخيرة للتحرك الى داخل "المقاطعة"، مقر الرئيس عرفات في رام الله، لإبعاده، الا ان هذا لم يتم بعد ان علمت اسرائيل ان عرفات لم يكن يعلم بالعملية وانه "ثار غضباً على من نفذها". تراجع أوروبي الى ذلك، سجل الاتحاد الاوروبي "تراجعا" في موقفه السابق الرافض للشروط الاسرائيلية التي تحظر لقاء مسؤولين وديبلوماسيين اجانب مع نظرائهم الاسرائيليين اذا قاموا بزيارة الرئيس عرفات الذي تفرض اسرائيل مقاطعة سياسية عليه. اذ اعلن ان مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا سيلتقي شارون ووزير خارجيته اليوم وانه سيمتنع بذلك عن لقاء الرئيس الفلسطيني في رام الله، وذلك للمرة الاولى منذ اندلاع الانتفاضة قبل 3 سنوات. وذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية ان سولانا يريد ان يلتقي مسؤولين اسرائيليين رفيعي المستوى في محاولة منه لاعادة الدور الاوروبي في الساحة الشرق الاوسطية، وانه سيقوم بزيارة اخرى في وقت لاحق لمناطق السلطة الفلسطينية. واشارت مصادر اسرائيلية الى ان التغير في الموقف الاوروبي قد يكون مرده ترؤس ايطاليا ورئيس حكومتها سيلفيو بيرلوسكوني، الصديق الصدوق لشارون، الدورة الحالية للاتحاد الاوروبي. واشارت الى ان المبعوث الاوروبي الخاص الجديد للشرق الاوسط مارك اوتي موجود في اسرائيل حاليا وامتنع بدوره عن لقاء عرفات على رغم ان سلفه انخيل موراتينوس كان يزور عرفات بشكل شبه يومي.