عادت اسرائيل مجددا للحديث عن الفصل بين المسارين "الامني" و"السياسي" في ما يتعلق بخطة "خريطة الطريق" التي رسمت خطوطها العريضة اساسا من اجل تجاوز مسألة الفصل. ومن المرجح ان يؤدي التوجه الاسرائيلي الى اجهاض الخطة وهي في مهدها، خصوصا ان الحكومة الاسرائيلية تمتنع حتى الان عن اعلان قبولها رسميا حتى بعد المحادثات الموسعة التي اجراها وليام بيرنز مساعد وزير الخارجية الاميركي، كما تصر على تغيير بنود الخطة بشكل يحررها من تنفيذ التزاماتها ويرغم الفلسطينيين فقط على تنفيذ التزاماتهم. دعت السلطة الفلسطينية الحكومة الاسرائيلية الى الاعلان رسميا عن قبولها خطة "خريطة الطريق" في ضوء التصريحات والاقوال الصادرة عن المسؤولين الاسرائيليين بحضور مساعد وزير الخارجية الاميركي وليام بيرنز الذي يزور المنطقة حاليا، وهي تصريحات تتناقض وجوهر الخطة لجهة المضمون واطار التنفيذ. وأكدت مصادر فلسطينية مطلعة ل"الحياة" ان رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس ابو مازن وجه هذه الدعوة خلال لقائه بيرنز في مكتبه في مدينة البيرة في اول اجتماع له مع مسؤول اميركي بهذا المستوى منذ توليه منصبه الجديد الاسبوع الماضي. واشارت المصادر الى ان ابو مازن اكد لضيفه الاميركي انه لا ينوي لقاء نظيره الاسرائيلي آرييل شارون قبل ان تعلن حكومة الاخير رسميا قبولها خطة "خريطة الطريق". وكانت الاذاعة الاسرائيلية ذكرت ان وزير الدفاع الاسرائيلي شاؤول موفاز سيلتقي عباس ومحمد دحلان قبل وصول باول الى المنطقة. واجرى بيرنز محادثات استمرت ساعة واحدة مع رئيس الوزراء الفلسطيني وبمشاركة الوزراء صائب عريقات وياسر عبد ريه ونبيل قسيس ونبيل شعث بعيدا عن مقر الرئيس ياسر عرفات لتأكيد اصرار واشنطن على مقاطعة الزعيم الفلسطيني رغم موقف الاتحاد الاوروبي المعارض في هذا الشأن. وكان ممثل الاتحاد الاوروبي في الشرق الاوسط ميغيل انخيل موراتيونوس التقى عرفات في مقره قبل ساعة واحدة فقط من اجتماع عباس - بيرنز على بعد عشرات الامتار فقط. وقال بيرنز للصحافيين انه نقل رسالة شفوية من الرئيس جورج بوش الى عباس اكد له فيها "التزامه التحرك بقوة ونشاط باتجاه تحقيق رؤية الدولتين فلسطين واسرائيل من خلال خريطة الطريق كنقطة بداية وانطلاق". واضاف ان على الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي القيام بالتزاماتهما، موضحا ان على الفلسطينيين "محاربة الارهاب والعنف" وان على اسرائيل "اتخاذ خطوات عملية للتخفيف من معاناة الفلسطينيين ووقف النشاطات الاستيطانية". ورفض بيرنز الرد على سؤال في شأن موافقة الحكومة الاسرائيلية على هذه الخطة وموعد اعلان هذه الموافقة رسميا. من جانبه، اكد وزير شؤون المفاوضات صائب عريقات ان الجانب الفلسطيني اكد التزام السلطة تنفيذ "خريطة الطريق"، مشيرا الى دعم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لها في اجتماعها الاخير. واضاف: "حتى الان لم نسمع رد الحكومة الاسرائيلية على الخطة". وزاد: "اكدنا للسيد بيرنز التزامنا تنفيذ بنود الخطة بالتوازي وليس بالتتالي والانتقائية. اللجنة التنفيذية قدمت الرد الفلسطيني الرسمي وعلى اسرائيل ان تقدم ردها كي تتم عملية التنفيذ باستحقاقاتها كافة". والتقى بيرنز في وقت سابق امس رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني احمد قريع في بلدة ابو ديس قضاء القدس. وقال قريع انه اكد للمسؤول الاميركي الموقف الفلسطيني الموحد المؤيد لخطة "خريطة الطريق" رغم التحفظات عليها وطالب بسرعة التنفيذ ووقف ممارسات الاحتلال الاسرائيل وحرية حركة الفلسطينيين. وجاءت زيارة بيرنز الى المنطقة للتمهيد لزيارة وزير الخارجية الاميركي كولن باول التي اعلن عريقات انها ستبدأ الاحد المقبل. وكشف عريقات ل"الحياة" ان وفدا اميركيا موسعا سيرافق باول في رحلته سيبقى في المنطقة للبحث في آليات الرقابة والتنفيذ مع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي. وسيترأس هذا الوفد ديفيد ساترفيلد. وعلمت "الحياة" ان بيرنز نقل رسائل اسرائيلية الى المسؤولين الفلسطينيين، خصوصا ابو مازن حضه فيها على اجراء لقاءات بين الفلسطينيين انفسهم ونظرائهم الاسرائيليين. وكان وزير الدفاع الاسرائيلي شاؤول موفاز اعلن انه سيتلقي وزير الدولة للشؤون الامنية محمد دحلان في الايام القليلة المقبلة. وقالت مصادر اسرائيلية ان دحلان سيلتقي رئيس الطاقم التفاوضي الاسرائيلي للشؤون الامنية عاموس غلعاد الخميس المقبل. موفاز: الامن يجلب السلام ونقل عن موفاز قوله انه يتوقع من الطرف الفلسطيني في هذه اللقاءات ان "يعرض خطة شاملة وواضحة لمنع النشاط الارهابي والخطوات التي سيقوم بها في هذا المجال". وقال في اعقاب اجتماعه مع بيرنز في وقت متقدم مساء الاحد مهددا: "لن نقبل وقف اطلاق نار من دون محاربة الارهاب في آن، والا سنجد انفسنا في وضع تتم فيه اعادة بناء قواعد الارهاب، الامر الذي سيجبرنا مجددا على القيام بعملية سور واق ثانية". وقالت الصحف الاسرائيلية ان موفاز حمل بيرنز رسالة الى المسؤولين الفلسطينيين مفادها ان "اتفاقات اوسلو تمت تحت شعار السلام يجلب الامن ... لكن هذا المبدأ تغير الان: الامن يجلب السلام". وتطابقت تصريحات موفاز مع رئيس وزرائه الذي اكد ايضا ان على الوزارة الفلسطينية الجديدة ان "تحارب الارهاب وتدمر بنيته التحتية وان لا تكتفي بعقد هدنه من الفصائل المعارضة". وكان وزير الخارجية الاسرائيلي سلفان شالوم اكد لبيرنز اول من امس ان اسرائيل لن تنسحب من المدن الفلسطينية اذا تم وقف اطلاق النار من دون تدمير البنية التحتية "للارهاب" لانه سيصعب على اسرائيل مكافحتها في هذه الحالة. وذكرت الصحف الاسرائيلية ان خلافا نشب بين بيرنز وشالوم في شأن شرط الاخير اعلان الفلسطينيين تنازلهم عن حق العودة للاجئين. وقالت انه عندما اصر شالوم على موقفه قال له بيرنز: "هذا امر تتفقان عليه انتم والفلسطينيون". واذا ما عقدت اللقاءات الامنية بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي قبل اعلان اسرائيل موافقتها على الخطة الدولية للسلام، فستكون حكومة شارون نجحت في وضع "خريطة الطريق" في خانة المبادرات السلمية التي سبقتها بتقديمها الموضوع "الامني" حسب الرؤية الاسرائيلية على الموضوع السياسي والمتمثل من وجهة النظر الفلسطينية بالوقف الفوري للتوسع الاستيطاني ورفع الحصار والاغلاق والاجراءات العسكرية الاسرائيلية الحادة ضد الفلسطينيين بما في ذلك انهاء احتلالها الاخير للمدن الفلسطينية. شارون يقاطع وزراء الخارجية الاوروبيين وذكرت صحيفة "يديعوت احرونوت" العبرية ان شارون سيقاطع وزراء الخارجية الاوروبيين "بشكل غير رسمي" اذا ما التقوا الرئيس الفلسطيني خلال زياراتهم للمنطقة. ونسبت الى مصادر في الخارجية الاسرائيلية قولها ان مكتب شارون لم يعلن فرض المقاطعة الرسمية لكن هذه الخطوة هي بمثابة السياسة غير الرسمية. ومن المتوقع ان يصل الى الاراضي الفلسطينية في الايام المقبلة كل من وزير الخارجية الفرنسي دوميننيك دي فيلبان ونظيره اليوناني جورج باباندريو وممثل شؤون الخارجية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا، وجميعهم سيجتمعون وعرفات. واشارت المصادر الى سولانا الذي رد على منعه من الوصول الى "المقاطعة" مقر عرفات في رام الله في نيسان ابريل الماضي اثناء الحصار، رفض مقابلة شارون ردا على هذه الخطوة.