تخطى مغني المقام العراقي حسين الأعظمي في غنائه في مهرجان "الفحيص الثالث عشر" غرب عمان أحزان بلاده ومآسيها. فهو واعضاء فرقته تحملوا مشقة السفر الى الأردن تلبية لدعوة من ادارة المهرجان، قاصدين تحويل حزنهم الى فرح يبثونه في نفوس جمهور المهرجان اردنيين وعرباً. فالقيمون على المهرجان ومديره نضال مضاعين اصروا على مشاركة "العراق الذي يتعرض للابادة"، بحسب ما قال أبو صلاح، أحد المنظمين. بدا التراث العراقي القديم حاضراً في شدة على المسرح. وبدا كل شيء قديماً الا المعدات التي استخدمت في الصوت وديكور المسرح الزاهي الألوان. أما العراقيون أعضاء الفرقة الثمانية فكانوا متقدمين نسبياً في السن، ولبسوا زيهم التقليدي واحضروا آلات موسيقية قديمة منها القانون والعود والجوزة، اضافة الى الآلات الايقاعية. وكان بينهم عازفان شهيران وماهران هما عازف العود علي الامام وعازف الطبلة سامي عبد الأحد، اضافة الى الأعظمي الذي يعتبر من أشهر قراء المقام العراقي نظراً الى تجديده في ألوانه الغنائية، محافظاً في الوقت نفسه على سماته الاساسية. لم تبدأ حفلة الطرب العراقية المقامية كالحفلات العادية بموسيقى وتأخر المغني عن العازفين وغير ذلك من اساليب يراد منها ابراز أهمية المغني تصنعاً، بل طاف ثلاثة عازفين، اثنان يعزفان الايقاع والثالث على المزمار، امام الحضور عازفين معلنين بدء الحفلة. ثم حضر كل اعضاء الفرقة والأعظمي معهم الى المسرح حيث راحوا يدوزنون آلاتهم في نحو خمس دقائق قبل ان ينطلقوا في عزف المقامات الشرقية من البيات الى الحجاز والرصد والصبا والجمال وغيرها، التي غنى الأعظمي على لحنها مقامات وقصائد فصيحة وعامية آتية من التراث العراقي. والمقام العراقي نوع من الموسيقى يتناغم فيه الشعر الفصيح مع العامي لينسجا معاً نمطاً موسيقياً يستند في توليفته الى الموسيقى الشرقية. نقل الأعظمي وفرقته غناء وعزفاً الحاضرين الى الزمن العباسي من خلال ادائهم قصائد قديمة شعراً ولحناً. وتمكن الأعظمي ذو الصوت الشجي والقوي من ان يحزن الجمهور في ادائه قصيدة في لحنها حزن كربلائي وفيها أيضاً فرح وسرور. وكان بذلك يشبه الفارابي الذي عزف في مجلس على آلة يرجح انها السنتور فأضحك الحاضرين ثم عزف فأبكاهم ثم عزف فنونهم ورحل. وكان الأعظمي استهل الغناء بمقام الرصد مغنياً "قيل به الهم انجلى/ في مقام الرصد حلا/ ليل جميل زاهر/ والبدر فيه حاضر/ والطير والأزاهر/ لاعبة فوق الغصون". واستحضر افي غنائه الشاعر وضاح اليمن الذي دفنه الخليفة حياً بعدما أحب احدى نسائه مغنياً قصيدته الشهيرة التي روى فيها قصة غرامه تلميحاً: "قالت لا تلج دارنا ان ابانا رجل غائر/ قلت فاني طالب غرة وسيفي صارم باكر/ قالت فان البحر بيننا قلت فاني سابح ماهر/ قالت فان القصر دوننا قلت فان فوق ظاهر/ قالت حولي اخوة سبعة قلت اني قاتل قاهر". وخلال ادائه القصائد، هتف شبان اردنيون طالبين لحن "النشوبي". وهو لحن ايقاعي راقص معروف في الأردن. وكذلك قدمت الفرقة العراقية من أجواء ناظم الغزالي أغاني عدة منها "يا ام العيون السود" و"طالعة من بيت أبوها"، اضافة الي قصيدة "سمراء من قوم عيسى" التي اخذ لحنها في مطلع القرن العشرين من أحد الألحان الدينية للملا عثمان الموصلي.