تسجل فرقة الكندي رقماً قياسياً في عدد الحفلات التي من الممكن ان تحييها فرقة عربية غنائية خارج العالم العربي. فخلال هذا العام مثلاً ستحيي الفرقة ثلاثين حفلة في فرنسا ولندن ودبلن واستونيا ونيويورك والبرازيل وسواها. والفرقة التي أسسها الفرنسي جوليان برنار فايس أو جوليان جلال الدين فايس بعد اعتناقه الإسلام، تقدم في برامجها الأناشيد الدينية والابتهالات والقصائد العادية والقدود والموشحات والقصائد الصوفية والمقامات العراقية... وهي لا تقتصر على منشدٍ أو مغنٍ معين. تحت اسم "فرقة الكندي" غنى ويغني صبري مدلل، حمزة شكور، حسين الأعظمي، عمر سرميني وسواهم. وهو الأمر نفسه للعازفين اذ يعزف بعضهم مع مغنين آخرين. يعزف على العود محمد قدري دلال، وعلى الناي زياد قاضي امين، وعلى الدف عادل شمس الدين، وعلى الجوزة محمد حسين كمر، وعلى البزق جوليان فايس. وسواء اختلفنا ام اتفقنا مع آراء مدير الفرقة، فإن للفرقة حضورها اللافت في اوروبا. هنا حوار مع مدير "فرقة الكندي" ومؤسسها العازف الفرنسي على البزق جوليان جلال الدين فايس: على أي آلة موسيقية كنت تعزف في بداياتك، وهل أصدرت أعمالاً موسيقية وكيف اهتديت الى الموسيقى العربية؟ - كنت أعزف على الغيتار الكلاسيكي، لم أصدر عملاً موسيقياً. في العام 1976 زرت الوزير فاروق حسني وكان حينذاك مدير المركز الثقافي المصري في باريس. وسمعت في مكتبه أسطوانة لمنير بشير، وكان أن وقعت في فخ الموسيقى العربية. عام 1977 سافرت الى القاهرة ودرست القانون عن كمال عبدالله، وحسن العزبي رئيس فرقة الإذاعة والتلفزيون في تونس، وإيليا الأشقر. ثم ذهبت الى اسطنبول ودرست أيضاً على يد اكتنوماي، ومحمد السبسبي في بيروت، وعلي واعظ. ثم توقفت عن العزف على الغيتار تماماً. وأشير هنا الى أن كل المعلمين الذين تدربت عليهم لم يعودوا أحياء الآن. كنتيجة مباشرة لوقوعك في "فخ الموسيقى العربية" إثر سماعك منير بشير كان من المفترض ان تتعلم العزف على العود وليس على البزق. بماذا تعلل ذلك؟ - في الأصل كنت غيتارياً. ومن السهل علي العزف على العود. وأنا اخترت البزق لأن العزف عليه أصعب من العزف على العود. يلاحظ ان "فرقة الكندي" تعتمد أسلوب "اللمة" الموسيقية. مغن من هنا وعازف من هناك، وتارة نجد مغنين سوريين وتارة مغنين عراقيين وأحياناً يغني تحت الاسم نفسه مغنون من بلدان عربية اخرى. هل تحدثنا عن تكوين هذه الفرقة ولماذا هذا الالتباس؟ وما هي ظروف تأسيسها؟ وأي فرقة هي "الكندي"؟ - عام 1986عينت مديراً للجامعة الصيفية الأوروعربية وبوصفي مديراً نظمت مهرجانات موسيقية وثقافية. وعملت في هذه الفترة مع محمد سعادة الناياتي ورئيس فرقة الراشدية في تونس. وأعطيت اسم الكندي للفرقة ولم أطلق عليها تسمية مستمدة من اسم المغني الذي يعزف فيها. الفكرة الأساسية عندي هي احترام العازف. لا أسمح للمغني بأن يعمل ما يريد. البرنامج هو الأهم وأنا أختاره بحسب مقاييسي الجمالية. ما هي المقاييس الجمالية التي تعتمدها في تشكيل البرنامج؟ - يجب ألا تتجاوز المقدمة اكثر من عشر دقائق. أسمح للجمهور أن يتذوق العزف المنفرد لا أدخل الكمان في الأغاني لأن الكمان آلة أجنبية. العراقيون هم الذين رفضوا التأثير الموسيقي الغربي وحافظوا على الموسيقى العربية. الكمان سحق كل الآلات الوترية. فمجموعة الكندي هي فلسفة جمالية وموسيقية. يعزف على "الجوزة" العراقي محكد كمر وعلى العود محمد قدري دلال وعلى الناي زياد قاضي امين من سورية، وعلى النقارات والرق عادل شمس الدين من مصر ويغني صبري مدلل وحمزة شكور من سورية وحسين الأعظمي من العراق. نفهم من كلامك أنك تستقدم عازفين ومغنين وتطلق عليهم التسمية ذاتها دائماً. ولعل كل من ذكرتهم مغنون وعازفون معروفون من دون الغناء تحت اسم فرقة الكندي؟ - فرقة الكندي عمل جماعي وليس استراحة صيفية للأطفال، أو وكالة أسفار لتقدم خدمات بسيطة جداً. كلامك صحيح وهذا تعقيد الموسيقى المعقدة، فلسفة فرقة الكندي ان تمشي نحو المسائل المعقدة. ما هي هذه المسائل المعقدة؟ - في البرنامج المقبل عندي 45 إيقاعاً، أطلب من المغني ان يغني قصائد كثيرة وما لا يتعود عليه الجمهور فمثلاً... البرنامج العادي يتضمن تقاسيم على العود مدتها عشر دقائق، ثم يجيء السماعي ومدته 8 دقائق، ثم الموشح وهكذا. لا أعير اي اهتمام للتجديد، أريد القديم في كل شيء. لماذا تكتب اسمك دائماً في صدارة الكتيبات المطبوعة في الحفلات، على مسارح اوروبية، فيما يتم تهميش المغنين والعازفين الآخرين، كصبري مدلل، عمر سرميني... الخ ما تعليلك لذلك؟ - المسرح هو الذي يختار. تقضي شطراً من أيام السنة في حلب. لماذا اخترتها دون غيرها من المدن للعيش؟ - من أجل التراث اخترت حلب. اشتريت بيتاً في حلب لكي أبقى على صلة مع العرب والموسيقى العربية. يحضر حفلات فرقتك رسميون عرب في شكل لافت، ألا تعتبر ان هذا تقليد لم يبق موجوداً إلا ضمن أجواء ضيقة جداً، وأصبح من نوادر الماضي؟ - رغب بعض الرسميين العرب في إعطائي جنسية عربية نظراً للخدمات الجليلة التي أقدمها للموسيقى العربية. لكن ذلك يشكل لي شهادة على أن عزفي يروق لهم وشهادة قبول عزف اجنبي للموسيقى العربية بينهم. ويعتبرونني جسراً يصل بين الثقافة العربية والثقافة الأوروبية. لذلك يحضرون حفلاتي. يرسل بعض المغنين والعازفين رسائل "مرائية" الى السياسيين في العالم العربي. ما الداعي الى استدعاء السياسي امام جمهور أوروبي لا يتقن في معظمه اللغة العربية، وضمن الحفلة؟ - لا يساعدني الرسميون على المستوى الاقتصادي، ولكن عندما يوجه او يقدم بعض المغنين التحيات والبيعة لحكامهم أحترم ذلك. وقد تكون للسلوك ارتباطات وظيفية، لكنني احترمه. لماذا لم تصدر عملاً موسيقياً يضم معزوفات لك وحدك، فكل الاسطوانات التي صدرت تحت اسم فرقة الكندي احتوت على تقاسيم لك، إضافة الى أغانٍ وأناشيد للمغنين الآخرين؟ - في كل اسطواناتي ضمنتها تقاسيم على البزق. لا يوجد لي عمل مطبوع أعزف فيه وحيداً. كل الأسطوانات التي سمعتها عزفاً على القانون كانت تحاكي عبدالفتاح منسي وعبدو صالح. أرغب في العزف مع موسيقيين عرب في القمة. بعض العازفين المنفردين لم يشاركوا مع أي مطرب. الموسيقى يجب ان تكون في خدمة الغناء. منير بشير أفضل عازف لأنه قضى سنوات طويلة مع المغنين في العراق. خطأي انني فرنسي. يتهمونني بأنني لا أعرف العزف جيداً على البزق والسبب هو فرنسيّتي. أنظر نظرة ارستقراطية الى الموسيقى وأريد ان أكسب عقلي السعادة بعزف أشياء غير معروفة. لا أهتم كثيراً بالمغنين العرب لأنهم يغنون اغاني هزيلة وضعيفة. كل الأناشيد والأغاني التي تقدمها "الفرقة" تتم الإشارة إليها على أنها أغانٍ صوفية. ويتم الخلط بين الأغاني الدينية والابتهالات العادية، وبين القدود والموشحات، وبين القصائد الصوفية التي قلما يتم غناؤها. هل شعار الصوفية وذكر اسماء تاريخية كأسامة بن منقذ وصلاح الدين الأيوبي لأسباب دعائية فقط؟ - هناك مخيلة للأوروبيين مثل الأفلام الخرافية تداعبها أفكار عن حرب الصليبيين. أما أنا فليس عندي أي عواطف من ذلك. كذلك الأمر بالنسبة للتصوف. الجمهور الغربي ينجذب بقوة الى كل ما هو صوفي، ويحب ان يسمع غناء المنشدين الدينيين. الزاوية والأذكار والموالد، مذاهب موسيقية دينية تراثية وكان مصدرها تركيا وإيران وهي تتماشى مع الموسيقى الروحية البيزنطية. وفي سياق الأغاني والابتهالات والموشحات تأتي القصيدة الصوفية. كتبت سابقاً في الصحافة، هل كنت تكتب عن الموسيقى أم عن شيء آخر؟ - كتبت مقالات في "سيانس بوليتيك" و"ليبراسيون" و"نيوفيل ليترير" وسواها... عن الأوضاع السياسية في بلدان شمال افريقيا.