قبل أيام سألت هل يمكن ان يوجد من هو أسوأ من آرييل شارون وأحقر؟ وعلى رغم ما يبدو في السؤال من استحالة، فقد رشحت دانيال بايبس، اليهودي الأميركي العنصري المعادي للسلام وللعرب والمسلمين. ما كنت لأتحدث عن رجل احتقر كل ما يمثل لولا ان الرئيس جورج بوش ضمّه لعضوية مجلس معهد السلام الأميركي، وهو قرار مستهجن مستنكر، لأن بايبس يعارض السلام في الشرق الأوسط، ويقف الى يمين مجرم الحرب شارون، ان كان هذا ممكناً. وأعود الى بايبس اليوم بعد ان قرأت له مقالاً حقيراً آخر يكشف دخائل نفسه المريضة، ويفضح أفكاره على طريقة: من فمك أدينك يا اسرائىل. تحت العنوان "لعنة اللاجئين" كتب دانيال بايبس يقول ان هناك أحجية هي لماذا يختلف اللاجئون الفلسطينيون عن 135 مليون لاجئ آخر من القرن العشرين. ويرد على نفسه فيقول انه بالنسبة الى كل اللاجئين الآخرين يهبط ألم التهجير وخسارة الوطن والفقر بمرور الوقت، سواء كانوا من كوريا الجنوبية أو فيتنام أو باكستان أو اسرائيل أو تركيا أو ألمانيا أو أميركا، فاللاجئون ينصهرون في البلد حيث يقيمون، ولا يعودون لاجئين. ولكن اللاجئين الفلسطينيين ليسوا كذلك، كما يرى بايبس، فهم يظلون لاجئين جيلاً بعد جيل ما يزيد الألم وعدم الرضا. اذا كان لي ان أترجم كلام بايبس، فهو يريد ان يذوب اللاجئون الفلسطينيون في مجتمعات البلدان حيث يقيمون لتحل مشكلة "حق العودة"، ولا يعود هناك فلسطيني يطالب ببيته ووطنه. ويقول بايبس: "ان هناك أسباباً عدة للتناقض بين وضع اللاجئ الفلسطيني وغيره، لكن العنصر الانساني هو الهيكل البيروقراطي للأمم المتحدة". ونقول ان السبب الأول والأخير هو جريمة قيام اسرائيل على أراضي الآخرين، وتهجير أصحاب الأرض والحق كفارة عن جرائم النازيين بحق اليهود. ويكمل الكاتب شارحاً ان في الأممالمتحدة هيئتين لرعاية اللاجئىن هما اللجنة الدولية العليا للاجئىن ووكالة الغوث الدولية للاجئين الفلسطينيين أونروا. واللجنة تصف اللاجئ بأنه "انسان له سبب حقيقي للخوف من الاضطهاد وهو موجود خارج وطنه"، ما يعني ان المتحدرين من لاجئ ليسوا لاجئين، فالكوبي الذي يفر من نظام كاسترو لاجئ، الا ان ابناءه في فلوريدا ليسوا لاجئين، وكذلك الأفغان والايرانيون وغيرهم. أما اونروا التي أُسست سنة 1949 للاجئين الفلسطينيين وحدهم فهي تعنى "بالناس الذين عاشوا في فلسطين بين حزيران يونيو 1946 وأيار مايو 1948" وفقدوا بيوتهم وسبل عيشهم بسبب النزاع العربي - الاسرائىلي، وتعتبر المتحدرين من هؤلاء اللاجئين الأصليين لاجئين أيضاً حتى لو كان أحد الأبوين فقط يحمل صفة لاجئ. مرّة أخرى بايبس يكتب عن أمنياته وأوهام شارون، فهو يريد ان يُغيِّب اللاجئين الفلسطينيين لحل مشكلة اسرائيل، أو جريمتها المستمرّة. ويقول بايبس ان عدد اللاجئين الفلسطينيين سنة 1948 كان 726 ألفاً، ولكن تقديرات أكاديمية أو مطلعة تعتبر هذا العدد مبالغاً فيه، وأن الرقم الحقيقي هو بين 420 ألفاً و539 ألفاً. من قال لبايبس هذا؟ هل هو أحد الصهيونيين القتلة من مؤسسي اسرائيل مثل بن غوريون؟ نستطيع ان نقول ان عدد اللاجئين سنة 1948 كان مليوناً أو اثنين، الا اننا يجب ان نتجنب دائماً الردّ على كذبهم بكذب مقابل لانتفاء الحاجة. ويقول بايبس انه بحسب تعريف اللجنة فعدد اللاجئين الفلسطينيين الآن هو في حدود 200 ألف لا يزالون أحياء، ولكن بحسب تعريف أونروا فعدد اللاجئين هو 25،4 مليون نسمة. بايبس يتهم أونروا بالحكم على هؤلاء اللاجئىن بالتشريد والعدمية، ويقول ان الدول العربية زادت الوضع سوءاً بحشر اللاجئين في مخيمات، فهناك 400 ألف منهم في لبنان ليست لهم حقوق الدرس في مدارس حكومية والعمل والتملّك. مرّة أخرى أترجم كلام هذا الصهيوني المتطرف، فهو يريد ان يذوب اللاجئون الفلسطينيون في البلدان العربية التي استضافتهم ليحل مشكلة اسرائىل، أو جريمتها. والدول العربية يمكن ان تتهم بأشياء كثيرة الا انها في الموضوع الفلسطيني تعاملت معه كما يجب، ومنعت ضياع القضية باستيعاب اللاجئين حتى ينسى الأبناء والأحفاد وطنهم. غير ان بايبس يريد ان يقوم جيل من غير اللاجئين وأن يصبح هؤلاء مواطنين حيث هم وأن يبنوا مستقبلهم، وأفضل شيء لتحقيق ذلك في رأيه هو إغلاق أونروا وترك لجنة اللاجئين الدولية ترعى 200 ألف لاجئ. وقد ترجمت كلام هذا المتطرف مع انني أدرك ان القارئ لا يحتاج الى ترجمة، فالموضوع هو حق العودة، وبما انه مثبت في قرارات الأممالمتحدة، فأعوان اسرائيل يحاولون ان يتحايلوا على القرارات الدولية لدفن جريمة القرن العشرين الحقيقية، فالهولوكوست كان جريمة، ثم ردّ مرتكبوها عليها بجريمة مماثلة، فكفّروا عن ذنوبهم في ترك اليهود يذبحون بتشريد شعب من أرضه وإحلال الناجين من النازية محلهم. بايبس يحتفظ بأشد السم في كلماته للنهاية، فهو يحرض الولاياتالمتحدة على العمل ضد أونروا التي تقدم واشنطن 40 في المئة من موازتها البالغة 306 ملايين دولار. ويزيد ان النائب الجمهوري كريس سميث طلب من مكتب المحاسبة العامة التحقيق في التمويل الأميركي لأونروا، وأن النائب الديموقراطي توم لانتوس طلب اغلاق أونروا وتحويل 200 ألف لاجئ فقط الى لجنة اللاجئين الدولية، ثم يدعو حكومات غربية اخرى الى مشاركة الولاياتالمتحدة في حل مشكلة اللاجئىن الفلسطينيين بحجب الأموال عن أونروا عندما يحين موعد تمديد عملها في حزيران يونيو 2005. بايبس يستطيع ان يحلم كما يريد، الا ان اللاجئىن باقون وسيظلون يطالبون بالعودة الى بلادهم. وأمثال كريس سميث وتوم لانتوس من الاعتذاريين لاسرائيل هم الذين يعرّضون كل يوم مصالح الولاياتالمتحدة للخطر حول العالم بدعم دولة نازية مجرمة. ولو دفعت الولاياتالمتحدة أضعاف ما تدفع ل أونروا وما تدفع يمثل نسبة حصتها من الموازنة فإنها لن تعوّض الفلسطينيين عن قتل ابنائهم بالسلاح الأميركي في ايدي الاسرائىليين، فالجريمة كان يمكن ان توقف منذ زمن بعيد لولا أمثال بايبس وسميث ولانتوس. وهذا الأخير هنغاري يمثل اسرائيل في الكونغرس أكثر مما يمثل البلاد التي احتضنته، والمطلوب هو ان توقف الولاياتالمتحدة كل مساعداتها لدولة الجريمة اسرائيل. كنت أقرأ كلام بايبس وأقرأ تقريراً للشرطة الاسرائىلية عن وجود 13 عصابة منظمة من الاتحاد السوفياتي السابق تنشط في اسرائيل ونشاطها يشمل غسل أموال والرقيق الأبيض والدعارة والتزوير والنصب والاحتيال. ولعل الحل الأسهل لمشكلة اللاجئىن ليس إنكار وجودهم، وإنما اعادة المهاجرين الروس الى روسيا، وبعضهم ليس يهودياً، والبولنديين الى بولندا، والهنغاريين الى هنغاريا، وهكذا، لتخلو مساحة كافية لاستيعاب اللاجئىن الفلسطينيين أصحاب الأرض الحقيقيين، على رغم لعنة بايبس وأمثاله.