هل لاحظ القارئ ان الولاياتالمتحدة انسحبت من مؤتمر ديربان قبل اسرائيل؟ الموقف الأميركي في المؤتمر المناهض للعنصرية اكد لي مرة اخرى أن بعض الأميركيين، وتحديداً بعض اليهود الأميركيين الذين يؤيدون اسرائيل تأييداً اعمى مطلقاً، اسوأ كثيراً من الإسرائيليين، فبين هؤلاء يوجد معتدلون يمكن العيش معهم. في ديربان قاد عضو الكونغرس توم لانتوس الذي ترأس وفداً من 140 شخصاً، الحملة للدفاع عن اسرائيل. وعندما عجز عن تخفيف غضب العالم كله على الجرائم الإسرائيلية، اتصل بوزير الخارجية كولن باول هاتفياً ليطلب الانسحاب، ثم قاد الانسحاب الأميركي في اليوم التالي. ولانتوس هذا هنغاري وصل الى الولاياتالمتحدة وقد بلغ العشرين، وضاع ولاؤه. وهو ليس وحيداً أو نادراً في تمثيل اسرائيل في الكونغرس، فأزيد الى ما سبق عضو الكونغرس شيلي بيركلي، وهي ديموقراطية من نيفادا، جاءت اخيراً الى منطقتنا مع 14 عضواً ديموقراطياً آخر من انصار إسرائيل في رحلة نظمها اللوبي اليهودي، وقالت للدكتور صائب عريقات ان إسرائيل "بلادنا"، أي بلادها، وقد "كسبنا الحرب"، واعتبرت الفلسطينيين من نوع غنائم الحرب... أية حرب؟ لا أعرف. هذا النوع من السياسي الكريه الذي يبيع بلده لمصلحة بلد آخر، هو من أحقر أنواع البشر. وأنا أتهم امثال هؤلاء بالمسؤولية عن موت الفلسطينيين والإسرائيليين في صراع لا ينتهي، لأنهم يشجعون المعتدي. طبعاً هؤلاء ليسوا وحدهم من اعداء العرب في الولاياتالمتحدة، فهناك من اليهود الأميركيين انصار إسرائيل كثيرون خارج الكونغرس، وقد رأينا بعض ما فاضت به نفوس هؤلاء من احقاد وعقد منذ بدء انتفاضة الأقصى. وربما يذكر القارئ عدد الباحثين في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الذين كتبوا في الصحف الأميركية خالطين بالسم بالدسم دفاعاً عن اسرائيل. وقد أشرت الى بعضهم في هذه الزاوية خلال الأسابيع الأخيرة. اليوم أزيد باحثاً يهودياً اميركياً آخر من معهد واشنطن هو ديفيد شينكر الذي كتب مقالاً غريباً عن التحريض في "لوس انجليس تايمز" هذا الأسبوع، يربط بين تصريحات فلسطينية وحوادث إرهابية، وهو عمل سهل وخبيث لأن التصريحات كل يوم، وكذلك العمليات، فلا أسهل من ان تفسر واحدة بالأخرى. ومثل على فجور الكاتب قوله: "عندما اعطى عرفات الضوء الأخضر الأسطوري لحماس، وقعت عمليات انتحارية عدة سنة 1997. والعارفون يقولون ان عرفات لم يعط امراً صريحاً، فالواقع أن الأمر جاء على شكل حملة كلامية على إسرائيل، كانت إشارة واضحة لبدء العمليات. وشنت حماس عمليات اسفرت عن قتل 23 إسرائيلياً". يبدو هذا الكلام للقارئ العربي في منتهى الغباء، فمن يصدق ان عرفات يهاجم إسرائيل، فتقوم حماس بعمليات انتحارية تجاوباً معه. غير ان الكلام موجه الى الأميركيين، وهؤلاء ربما صدقوا ما قرأوا، لأنهم لا يعرفون عن الرئيس الفلسطيني وحماس سوى ما يجدون في جرائدهم، أنا أعرف قادة حماس شخصياً، وأقول ان قرار العمليات قائم، ومربوط فقط بالقدرة على التنفيذ، سواء تكلم أبو عمار أو صمت. أزعم ان ديفيد شينكر اعتذاري اسرائيلي آخر يحاول ان "يغطي السموات بالقبوات"، فالمسألة واضحة كعين الشمس، وهناك احتلال وحشي، والإسرائيليون يقتلون المدنيين كل يوم بمن فيهم النساء والأطفال، ويحتلون ارض الفلسطينيين ويدمرون بيوتهم. ولا يحتاج ضحية هذا العدوان الى اي تحريض ليقتل اي اسرائيلي يستطيع الوصول إليه. في المقابل، هناك إسرائيليون افضل ألف مرة من امثال هؤلاء اليهود الأميركيين المتطرفين. وإذا كان القارئ العربي يعرف كثيراً عن مجرم الحرب آرييل شارون، والمجرمين الآخرين في حكومته مثل اوزي لانداو ورحبعام زئيفي وافيغدور ليبرمان، فهو يجب ألا ينسى يوسي ساريد ويوسي بيلين وكثيرين آخرين يمكن عقد السلام معهم. غير ان الأسماء السابقة معروفة، وأنا أقرأ الصحف الإسرائيلية كل يوم، وأجد انه فيما ينفث بعض اليهود الأميركيين سمومه بوقاحة، تنشر الصحف الإسرائيلية اخباراً وتعليقات عن قضية أليك رون، قائد المنطقة الشمالية الذي قتل رجاله 13 من المتظاهرين الفلسطينيين في تشرين الأول اكتوبر من السنة الماضية. وقد انتقدت الصحف الإسرائيلية دفاعه عن نفسه، وقالت ان هناك مسؤولين عن القتل معه، ثم انتقدت تبرئة وزير العدل ماثيو شتريت له قبل المحاكمة. ولكن لو قرأنا ما يقول اليهود الأميركيون عن المحاكمة لربما وجدنا انهم لا يقولون شيئاً مهماً، أو يحاولون ان يقنعوا قراءهم بأن الضحايا "انتحروا". ونعرف اليوم ان اليهود الأميركيين شنوا حملة على محطة "سي ان ان" لتقول ان جيلو ضاحية للقدس، لا مستوطنة. وخضعت المحطة للضغط في النهاية، غير ان يوري افنيري كتب في "معاريف" ان جيلو مستوطنة بنيت على 2700 دونم من اراضي الفلسطينيين في بيت جالا وبيت صفافا، صادرتها الحكومة الإسرائيلية قبل 31 سنة. هل يحتاج فلسطيني قتل ابنه أو دمر بيته، ويرى اليهود امامه وقد بنوا على أرضه الى تحريض؟ لا أرد، ولكن أستعين بكلام 62 مراهقاً إسرائيلياً تراوح اعمارهم بين 16 عاماً و18 عاماً، بعثوا برسالة الى شارون يرفضون فيها الخدمة في الجيش الإسرائيلي لأنه يمارس سياسة عنصرية وعدواناً على سكان الأراضي المحتلة. ويقول طلاب إسرائيليون هذا، ولكن عندما قاله العالم في ديربان، انسحب الوفد الأميركي الذي ترأسه هنغاري دخل "الكنيست" الأميركي، من دون ان يكون عنده اي ولاء للبلد الذي احتضنه ورعاه.