الجوائز المخصصة للأدب الشاب نادرة في العالم العربي، وتدل ندرتها على عدم ايلاء هذا الأدب ما يستحقه من اهتمام ومتابعة. قبل أيام فاز الشاعران الشابان ياسين عدنان المغرب وعلي الشلاه العراق مناصفة بجائزة الشاعر بلند الحيدري التي يمنحها مهرجان أصيلة سنوياً. وقبل أيام أيضاً أصدرت دار الآداب كتباً ثلاثة لثلاثة أدباء فلسطينيين فازوا بجائزة "الكاتب الشاب" التي تمنحها مؤسسة عبدالمحسن قطان للأدباء الفلسطينيين الشباب، والأدباء الفائزون هم: علاء حليحل قاص، ماجد عاطف قاص وبشر شلش شاعر. واستحدثت وزارة الثقافة في سورية أخيراً جائزة للروائيين السوريين الشباب تحمل اسم "جائزة حنا مينه" وستمنح خلال شهر. تثير هذه الجوائز، اضافة الى جائزة "الإصدار العربي الأول" التي تمنحها دائرة الثقافة والاعلام في الشارقة وسواها من الجوائز المحلية قضية "الأدب الشاب" وما يعاني من اهمال أو لا مبالاة في العالم العربي. هنا قراءة في الأعمال الفلسطينية الشابة الفائزة وفي ديوان الشاعر المغربي ياسين عدنان، اضافة الى مقال عن باكورة أولى لشاعرة مصرية شابة. عن دار الآداب صدرت حديثاً مجموعتان قصصيتان هما "متون" لماجد عاطف و"قصص لأوقات الحاجة" لعلاء حليحل، ومجموعة شعرية، هي "حصاد العاصفة" لبشير شلش. والثلاثة كانوا حصلوا على جائزة الكاتب الشاب لعام 2002 التي نظمتها مؤسسة عبدالمحسن القطان التي تأسست عام 1994 في لندن والتي تقدم، ضمن برنامجها الثقافي، منحاً وجوائز سنوية في مجالات عدة وتتولى تشجيع الكتّاب الشباب الفلسطينيين ودعمهم على نشر نتاجاتهم ونصوصهم. لا بد من ان الاصدارات الثلاثة تقترح أكثر من شكل للقراءة وتحمل اشارات مختلفة ومتعددة الى ما يمكن كتابة شابة وجديدة أن تطرحه من انضواء تحت أساليب وعناوين عدة أو من تجنب لتلك الأساليب والعناوين. ولا بد أن كل اصدار، على حدة، يقدم طموحات ذاتية على مستوى التجربة الشخصية لكل كاتب من هؤلاء الثلاثة، خصوصاً ان هذه الاصدارات لا تمثل بداياتهم. انها ليست كتبهم الأولى، لا تعود القصص الى نصوص أولية لماجد عاطف الذي سبق أن نشر مجموعته "الطفو" التي فازت بجائزة المؤسسة نفسها عام 2001 وقبلها نشر مجموعته الأولى "هوامش"، وهذا ينطبق تقريباً على زميله علاء حليحل الذي سبق أن أصدر "السيرك" وهي روايته الأولى، وهذه هي حال الشاعر بشير شلش الذي صدرت له من قبل مجموعتان شعريتان هما "أرق أوسمة مستوحشة ونوارس" و"سماوات واطئة" على رغم أنه أصغر الثلاثة سناً مواليد الجليل 1978. الأرجح ان الانتماء الفلسطيني للثلاثة والتقارب العمري بينهم، إضافة الى فوزهم بالجائزة في العام نفسه، تجعل تناولهم معاً والنظر الى تجاربهم ونصوصهم ممكناً على رغم صعوبته، فبالنسبة لقصص المجموعتين لا يستطيع القارئ ان يتفادى دلالات عدة تتعلق بالسرد القصصي الفلسطيني والعربي عموماً، اضافة الى تأثيرات المكان ومضامين القصص وشخصياتها والأرث الذي تُذكِّر به القصص والشخصيات معاً. وفي الواقع فإن أول ما يلفت الانتباه في قصص علاء حليحل هو انشقاقها الحاد عن التراجيديا الفلسطينية بصورها المختلفة. وقد يظن القارئ، للوهلة الأولى، أن اقامة الكاتب في حيفا تبعده جغرافياً وسياسياً عن المشهد الذي تحتله الحياة الفلسطينية المأسوية، وقد يحلو له التفكير بأن ذلك وحده مبرراً وحجة الانشقاق. وإذا كان هذا الظن مقنعاً بالنسبة لكثيرين فأنّ جزءاً مهماً مما يكتبه حليحل، في رأيي، عائد الى خيارات أسلوبية ومضمونية وشكلانية. قصص ساخرة وإذا كانت الجائزة منحت لمجموعته لأنها تتميز بأنها "ممتعة وطريفة وجريئة"، وتقدم "قصّاً يقوم على علاقات الشخوص بعالمهم اليومي المديني" إلا أن هذا يجب ألا يطغى على الصفة الأكثر أهمية لقصصه وهي السخرية. علاء حليحل يكشف في قصصه عن موهبة لافتة في اختراع الحدث وسرده وتقديم الشخصيات وبناء القصة كما لو أنها حكاية مختصرة أو موقف سريع أو مفارقة عابرة، ولكنه قادر على شحن كل ذلك بسرد ذكي وخفيف. وهذا ما يظهر واضحاً في قصة "الحمار" التي تروي أخباراً عن حمار كان مخلصاً لصاحبه بما يذكر بإخلاص أو وفاء الكلاب الى درجة ان الحمار ينبح في نهاية القصة قبل أن يموت. وكذلك في قصة "أولويز ذات الأجنحة" التي تدور حول شاب تطلب منه صديقته ان يشتري لها علبة فوط نسائية من الصيدلية وهناك يفاجأ بوجود صديق له ويحاول أن يداري حرجه! هذا الجوّ الساخر يطالعنا أيضاً في قصتي "السجادة" و"الحرب". السخرية، للمصادفة، جزء من عالم قصص ماجد عاطف أيضاً ولكنه ينجح في اثارة أكثر من نوع واحد من السخرية. فإلى السخرية الكامنة في العفوية والارتجال في قصص مثل "الحاجز" التي تجري أحداثها في لبنان ويُميّز فيها الفلسطيني على الحواجز من طريقة لفظه لكلمة بندورة، أو مثل "اسدال جفن" عن طفل يسأل أباه، الذي يستمع الى أغنية لأم كلثوم، عما إذا كان أحد قد ضربها لأن غناءها بالنسبة اليه كان يشبه العياط البكاء!! إضافة الى هذا يبدو ماجد عاطف أكثر تورطاً في الموضوع الفلسطيني، ولكنه لا يوفِّر هذا الموضوع من سخريته ولذعته السردية، خصوصاً بعد التطورات الدراماتيكية التي آلت اليها "القضية" بعد اتفاقات أوسلو ومراوحة الحل العادل في مستنقع الاقتراحات والوعود التي لم تُنفذ حتى الآن. المخيلة والحياة الموضوع الفلسطيني هنا، والمؤلف يعيش في رام الله، لا بد أنه يضغط أكثر على المخيلة ويحضر أكثر من القصص طالما أنه حاضر في الحياة اليومية نفسها. ولكن هذا الحضور يكتفي بواقعيته ومطابقته التقريبية لما يحدث فعلاً، وبهذا المعنى فإننا لا نجد في قصص عاطف غناء ونشيداً وشهداء وقذائف وحجارة، أو أي مفردات تذكر بنفوذ سردي قوي للهمّ الفلسطيني بصورته الدارجة أو، بالأحرى، التي كانت دارجة. لم يعد الفلسطيني في هذه القصص، وفي قصص أو تجارب مؤلفين آخرين بالطبع، شهيداً أو في سبيله الى الاستشهاد، لم يعد الوطن هو الشغل الشاغل أو المضمون الأساسي للكتابة والسرد والحدث والأبطال. أظن ان فيصل دراج هو الذي قال مرة ان البطل في القصة الفلسطينية هو إمّا شهيد أو مشروع شهيد، والأرجح ان قصص علاء حليحل وماجد عاطف تمثل نماذج وأصداء ايجابية لهذا القول النقدي وهي تنضاف، بالتأكيد، الى نصوص وقصص أخرى جرّب كتابها أن يُظهروا الفلسطيني في حياته العادية شبيهاً الى حد ما بالناس في تنوع أنماطهم ووظائفهم وأساليب عيشهم... الخ. ومن منطلق التجربة الجديدة والشابة نفسها يمكن قراءة مجموعة الشاعر بشير شلش التي يكشف فيها عن متانة بنائية واضحة وعن موهبة لافتة في كتابة القصيدة بضربة أسلوبية واحدة، خصوصاً أن كتابته القصائد القصيرة تساعده على النجاح في ذلك. أما الصفة الأكثر بروزاً في قصائد بشير شلش فهي انشغاله بفصاحة الكلمة وأقصد بذلك قوتها ووقعها ونبرتها. الكلمات في هذه القصائد غالباً ما تكون مجلوبة من عالم الفناء والانشاد والتصويت الالقائي المعتمد بدوره على موسيقى متخيلة ومسبقة وصارمة أحياناً. وعلى رغم ان الشاعر لا يرهق نفسه كثيراً بالوزن والايقاع إلا أن في كتابته شيئاً يُذكر، بوضوح وقوة، بقصيدة التفعيلة وخصوصاً في تجاربها الفلسطينية. وبهذا المعنى يبدو بشير شلش وكأنه لم يعثر بعد على جملته الأثيرة والمفضلة أو أن ازدواجيته الشعرية تمثل خياراً أو لغة يصعب تجنّبها والهرب منها. فالشاعر يجب أن تعلو لغته على الواقع حتى حين يصفه بل انها تعلو كثيراً الى أن يغيب خيط المعنى وتتحول الكتابة الى رفرفة لغوية لعبارة مجنحة كما في قصيدته الأولى مثلاً: "في البدء/ كانت الجهات جروحاً في سرّة الأرض، والأجساد/ تواقيع الريح على رقعة العدم/ كانت الجمهرات والدم/ الذي سال من إبط غيمة/ ليروي رماد السلالة". وفي المقابل يمكن القارئ ان يجد عبارة ممسوكة ومعنى واضحاً يتماوج في صور وتكوينات شفافة على رغم ان الشاعر لا يتخلّى تماماً عن هوايته في التحليق أحياناً، وهذا ما نراه في قصائد عدة مثل "اسبريسو" و"دروب مطرية" و"مواجهة النافذة" حيث يمكننا أن نقرأ: "ثلاثة كراسٍ من القش/ في مواجهة النافذة/ يجلس الرجل على الوسطى/ وعلى جانبيه الغياب والحزن/ ينخران مفاصل الخشب/ ثم تغيم السماء الصغيرة بعد شرفته/ فجأة/ وتمطر على العشب/ دونما سبب". من الواضح ان هناك فرقاً واضحاً، وعلى مستويات عدة، بين الصورتين، والأرجح أن هذا عائد الى تعلّق الشاعر باللعب على عالمين أو مناخين ما زالا متداخلين ومختلطين، عالم الكتابة وعالم الانشاد!