"جائزة كين للكتابة الأفريقية" 15 ألف دولار في سنتها الثانية فقط، لكنها نجحت في ترسيخ نفسها حدثاً سنوياً دولياً في عالم الأدب. وارتفع عدد الكتاب الذين تقدموا اليها هذه السنة الى 120 كاتباً من 28 دولة أفريقية، مقارنة ب87 كاتباً من 20 دولة السنة الماضية. ولا بد أن عدد المتقدمين سيزيد باضطراد خلال السنين المقبلة. وتأمل الأوساط الأدبية أن يكون للجائزة تأثير على أفريقيا يشابه تأثير جائزة بوكر البريطانية وبوكر الروسية على الأدبين البريطاني والروسي، من حيث اطلاق مواهب جيل جديد من الكتاب وإثارة اهتمام عدد متزايد من القراء. وكان رئيس لجنة التحكيم دان جاكوبسن أعلن اسم الفائز بها هذه السنة في حفلة عشاء في مكتبة بودليان في جامعة أكسفورد في 23 الشهر الماضي، وهو النيجيري هيلون هابيلا، الذي يتسلمها رسمياً في معرض كتاب نيروبي في الشهر المقبل. من شروط التقدم للجائزة ان يكون النص ما بين ثلاثة آلاف الى 15 ألف كلمة، وأن يكون قد نشر بالانكليزية، سواء كانت لغته الأصلية أو انه ترجم اليها. ونال هابيلا الجائزة على قصته "قصائد غرام" من مجموعته الأولى للقصص القصيرة. واختارته اللجنة من بين قائمة التصفية التي ضمت قصة "السلحفاة" للتونسي حسونة مصباحي، و"علاقة غرامية" للصومالي نور الدين، و"وليمة سلينا" للموزمبيقية ليليا موبلي، و"الأميرة الروسية" للموزمبيقي ميا كووتو. وقال القصصي والروائي جاكوبسن أن "القصص الخمس تختلف تماماً في ما بينها وأدت الى خلافات حادة في الرأي بين المحكمين". وولد جاكوبسن في 1929 في جنوب أفريقيا وغادرها ليسكن لندن لأنه لم يرغب في العيش تحت نظام الفصل العنصري. عرف هابيلا في نيجيريا قبل فوزه بجائزة كين بأنه شاعر، وحصل على جوائز شعرية رئيسية. قصته "قصائد غرام" تدور في سجن نيجيري في 1997 أثناء الديكتاتورية العسكرية، وتروي عن مدير سجن قاسي الطباع يكتشف ان احد السجناء شاعر. ويطلب مدير السجن من الشاعر كتابة قصائد يقدمها الى حبيبته مدعياً انها من تأليفه. وبعد ان يستهلك الشاعر كل ما عنده في هذا المجال يبدأ بسرقة قصائد غرام شهيرة يعطيها لمدير السجن. وقال جاكوبسن ل"الحياة": "أحببت قصة هابيلا لعمق مشاعرها والتنويع في نبرتها. وكان من المثير، أخذها في الاعتبار الظروف القاسية التي تتحدث عنها، أن اجد في القصة ذلك المقدار الكبير من المفارقة والسخرية والغضب والألم وكيفية تماوج تلك المشاعر". كما أعرب جاكوبسن عن "الاعجاب الشديد" بقصة حسونة مصباحي القوية "السلحفاة"، عن نشأة صبي في قرية تونسية فقيرة وتعرضه دوما للضرب من قبل عائلته. وقال جاكوبسن: "أثر عليّ بعمق مزاوجتها بين الألم والحيوية البالغة". الفائزة بالجائزة السنة الماضية كانت الكاتبة السودانية المصرية ليلى أبو العلا. وقالت معلقة على القصة نفسها: "السلحفاة قصة ممتازة وهي من بين أفضل القصص القصيرة التي قرأت منذ زمن طويل. تأثيرها الأعمق عليّ جاء من روح الصفح لدى البطل، الذي يبقى وفياً لعائلته على رغم كل ما حصل". أنشئت "جائزة كين للكتابة الأفريقية" لذكرى السير مايكل كين، الرئيس السابق لشركة بوكر الكبرى. وكان رئيس مهرجان "أفريقيا 1995" للفنون الذي أقيم في أوروبا. وكان السير مايكل طيلة 25 سنة رئيس لجنة ادارة جائزة بوكر. وتأسست جائزة في بوكر في 1968 ومقدارها 21 ألف جنيه استرليني، وهي الجائزة الأدبية الأهم في بريطانيا على رغم انها ليست الأكبر مالياً. وتأسست جائزة بوكر الروسية في 1992. وكان السير مايكل كين قبيل وفاته في 1999يسعى لتحقيق فكرة اقامة جائزة أفريقيا تعبيراً عن التقدير المتزايد لقيم وغنى وتنوع الكتابة هناك. وتحققت الفكرة على يد زوجته ايما نيكلسن، النائبة البريطانية في البرلمان الأوروبي عن الحزب الديموقراطي الليبرالي، وعدد من اصدقائه. وتحظى الجائزة برعاية ثلاثة من الفائزين الأفارقة بجائزة نوبل، هم المصري نجيب محفوظ والنيجيري وولي سوينكا والجنوب أفريقية نادين غورديمر. بعد الاعلان عن الفائز بالجائزة هذه السنة بقي الكتّاب هابيلا ومصباحي ومومبلي في لندن بضعة أيام ميا كوتو لم يأت الى انكلترا، فيما عاد نور الدين فرح بعد حفلة العشاء في أكسفورد الى كيب تاون حيث يسكن. وقامت اذاعة "بي بي سي" في خدمتيها المحلية والعالمية وعدد من صحف ومجلات بريطانيا بمقابلات مستفيضة مع جاكوبسن والكتّاب الثلاثة، كما كانت هناك حفلة للتوقيع على الكتب في مكتبة "ووترستون" الشهيرة، وقراءات لأعمال الثلاثة في "المركز الأفريقي" وأيضاً معهد الدراسات الانكليزية في جامعة لندن. كما تعرف الكتّاب على ناشرين ووكلاء نشر بريطانيين. تفتح "جائزة كين" آفاقاً جديدة أمام الكتاب الأفارقة. ولم يكن هابيلا، محرر الفنون في صحيفة "فانغارد" النيجيرية، غادر بلده قبل توجهه الى لندن لحضور الاحتفال باعلان الفوز. وسيعود الى بريطانيا في تشرين الأول اكتوبر المقبل، حيث يحضر ستة مهرجانات أدبية برفقة ثلاثة كتّاب من أفريقيا، وذلك في رحلة ينظمها المركز الأفريقي. وهو يفكر الآن بالدراسة في بريطانيا للحصول على درجة الماجستير في الأدب. يقول هابيلا: "اعتقد انها خطوة مفيدة لي كمؤلف. فالكتابة بمثابة سوق، بل انها صناعة متكاملة. اذ لا بد للكتاب من قرّاء، وأن يصدره ناشر، ويراجعه ناقد، ويشتريه شخص. كل هذا غير موجود في بلدي". ويلاحظ الفرق بين جيله والجيل السابق من الكتاب الأفارقة: "كان الأمر سهلاً لهم، لأن الناشرين كانوا يلحون في طلب مؤلفاتهم. لكن وضعنا يختلف. فعلى رغم ان لناشرين مثل هاينيمان وماكميلان ولونغمان مكاتب في أفريقيا فهم لا ينشرون سوى الكتب الدراسية المقررة. الناس الآن لا يقرأون الاّ ما يضطرون لقراءته". ويضيف ان نجاح كاتب أفريقي في بريطانيا يساعد على نجاحه في بلده. اختيار حسونة مصباحي لقائمة التصفية لجائزة كين جذب اليه انتباه قراء الانكليزية للمرة الأولى. يكتب مصباحي بالعربية، وقصته "السلحفاة" من ترجمة بيتر كلارك ونشرت للمرة الأولى في عدد خريف 1999 من مجلة "بانيبال". وفي العدد الحالي من المجلة مقتطفات من رواية مصباحي "هلوسات ترشيش"، وهي ايضاً من ترجمة بيتر كلارك. يقيم مصباحي في ميونيخ منذ 16 سنة، ونشر بالعربية، وأيضاً بترجمات الى الألمانية، أربع مجموعات من القصص القصيرة، وكتاب رحلات وعدداً من النصوص غير الأدبية. ونال النص الألماني ل"هلوسات ترشيش" جائزة ميونيخ للرواية. ويرجح ان الرواية وغيرها من كتابات مصباحي ستجد طريقها الى الانكليزية بعد اختياره لقائمة التصفية للجائزة الحالية. واجه جاكوبسن مراراً خلال مقابلاته الاعلامية أسئلة عن المشكلة التي قد تثيرها الترجمة: هل يمكن فعلاً المفاضلة بين قصص مكتوبة اصلاً بالانكليزية، مثل قصص هابيلا وفرح وتلك المترجمة اليها، مثل قصص مصباحي ومومبلي وكووتو؟ يقول جاكوبسن في هذا المجال: "يقرأ المرء الترجمات بذهنية تختلف قليلاً عن قراءة نص أصلي، لكن ليس من ضير في الترجمة. الترجمة شريان الحياة للأدب وللثقافة والمجتمع عموماً". من الأمثلة الانجيل نفسه. تتحدث ايما نيكلسن عن اقامة جوائز اخرى باسم بوكر مختصة بالكتابات الأفريقية بالفرنسية والعربية وغيرها من اللغات، مثلما تفرعت عن جائزة بوكر للانكليزية جائزة بالاسم نفسه للأدب الروسي. يسأل كثيرون رئيس لجنة التحكيم جاكوبسن عن الاتجاهات الرئيسية في الأدب الأفريقي التي رصدها نتيجة قراءة النصوص الخمسين المقدمة الى اللجنة. وهو يجيب عادة: "اشك بعمق في مفاهيم مثل الاتجاهات والتيارات في الأدب. كيف يمكن تحديد اتجاه ما أو حتى دزينة من الاتجاهات في افريقيا عندما ننظر الى تلك القارة بحجمها الهائل وتنوع لغاتها وشعوبها وتفاوت درجات التطور والتخلف فيها، والتناقضات بين الفقر المدقع والثراء الفاحش، والانقسامات السياسية والاثنية وما أدت اليه من حروب؟" بدلاً من ذلك يرحب جاكوبسن ب"تنوع واستقلال الأصوات الفردية" كما تمثلت في الكتابات المقدمة الى جائزة كين. ولماذا تختص جائزة كين بالقصص القصيرة فيما تقدم جائزتا بوكر الانكليزية والروسية الى الروايات؟ يقول منظمو جائزة كين ان السبب هو ان القصص القصيرة تمثل استمرارية التقليد الأفريقي الشفاهي في سرد القصص. يقول جاكوبسن: "علينا أن نكون واقعيين ونضع في الحساب ظروف المنطقة التي تغطيها الجائزة. وعندما نفكر بالصعوبات والفقر أمام سكان أفريقيا يبدو لي ان من المعقول تماماً ان نختار الشكل الأدبي الأسهل على النشر والتداول والقراءة". وفي الندوة في معهد الدراسات الانكليزية أكد الدكتور روبرت فريزر من الجامعة المفتوحة على ان "القصة القصيرة صنف أدبي متميز يتطلب من كاتبه، في أوجه معينة، اكثر مما تتطلبه الرواية". وقال ان الجوائز الأدبية من نوع كين تعطي دفعة كبيرة للأدب، تأليفاً وقراءة، لكنه حذر في الوقت نفسه من انها قد تؤدي الى نسيان الاجيال السابقة من المؤلفين. من الأمثلة على ذلك، بحسب فريزر، ازدهار الكتابات الجديدة في الهند بعد حصول سلمان رشدي على جائزة بوكر في1981 على رواية "اطفال منتصف الليل"، الا ان ذلك ترافق مع اهمال الكتاب الهنود الأقدم. يسعى منظمو جائزة كين الى وسائل اضافية لدعم الكتّاب الأفارقة. ويقول مدير الجائزة نك ايلان: "نشعر ان علينا القيام بشيء ما لمساعدة عملية الكتابة في أفريقيا، ونخطط حالياً لاقامة سلسلة من ورش الكتابة هناك". وتقول النائبة نكلسن أن جائزة كين هي الوحيدة من بين الجوائز الرئيسية التي لا ترعاها واحدة من الشركات الدولية الكبرى. وحظت الجائزة هذه السنة برعاية عدد من الشركات مثل "الخطوط الجوية الكينية" و"أو. آر. ميديا". وتضيف نكلسن: "علينا مع نمو وتطور الجائزة أن نجد المزيد من الأطراف المساندة والراعية". * كاتبة بريطانية.