أصر أُلستير كامبل، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير، على أنه لم يؤثر على الصيغة التي قدمت بها الحكومة ملف أسلحة الدمار الشامل العراقية، خصوصاً لجهة جعلها أكثر إثارة من خلال القول إن العراق قادر على تجهيز سلاحه الكيماوي والبيولوجي في غضون 45 دقيقة. وأوضح كامبل، أثناء تقديم شهادته أمس أمام لجنة هاتون المكلفة التحقيق في الظروف التي أدت إلى انتحار الدكتور ديفيد كيلي، أن كبار المسؤولين في الاستخبارات البريطانية يتحملون مسؤولية مصداقية ملف أسلحة الدمار الشامل ومضمونه. وأكد أنه لم يتدخل لا هو ولا أي شخص آخر في مقر رئاسة الوزراء في التقرير لجعله أكثر إثارة وفي شكل يشجع الناس على تأييد الحكومة البريطانية في لجوئها إلى الحرب. وتعتبر شهادة كامبل في القضية أمس من الشهادات المهمة التي من شأنها توضيح ما جرى من تطورات أدت إلى انتحار كيلي، أو ما حصل من اجتماعات أدت إلى صدور ملف أسلحة الدمار الشامل بالصورة التي قُدم بها إلى الرأي العام في أيلول سبتمبر الماضي. واستمعت لجنة التحقيق، التي تعقد جلساتها داخل القاعة رقم 73 في المحكمة العليا بوسط لندن، إلى شهادات وتقارير أكدت أن ملف الأسلحة وضع قبل وقت بعيد من ذلك وأن مسودات له أعدت قبل التوصل إلى الصيغة النهائية التي خرج بها. وأبلغ كامبل اللورد هاتون واللجنة أن جون سكارلت، رئيس اللجنة المشتركة للاستخبارات، أراد أن يكون "صاحب" الملف المتعلق بالعراق. كما أطلعهم على ملاحظات سجلها في مفكرته عن لقاء عقده مع سكارلت في 11 أيلول الماضي يقول له فيه: "كلما كانت اللغة في التقرير جامدة وجافة كلما كانت أفضل. قلّل من الإنشاء. هذه هي المسألة المهمة… لأنني أعتقد بأن اللغة في أجزاء من التقرير كانت متنوعة، وكلما كانت المعلومات مصدرها التقارير الاستخباراتية كلما كان ذلك أفضل". وجاء في تقرير أندرو غيليغان، مراسل محطة "هيئة الإذاعة البريطانية" بي بي سي أن التعديلات في ملف الأسلحة العراقية حصلت قبل أسابيع عدة من تقديمه للنشر. وتعرض كامبل لسؤال آخر محدد من محامي اللجنة جيمس دنغمنز جاء فيه: "من أين أتت فكرة الخمس وأربعين دقيقة"، فرد بالقول: "أعرف أنها جاءت من اللجنة المشتركة للاستخبارات، ولكنني لا أعرف ما هي المعلومات التي استندت إليها أو مصدرها". واعترف كامبل أمام اللجنة بأن مسودات عدة للملف أعدت من قبل. لكن ما جاء في تقرير سكارلت من معلومات يعني أن كل ما سبق ذلك لم يكن هناك حاجة إليه، الأمر الذي يعني حتماً أن سكارلت هو المسؤول. وركز غيليغان في تقريره على أن الحكومة ربما تعرف أن بعض ما جاء في التقرير في شأن الأسلحة العراقية كان غير صحيح، وأن بعض المسؤولين في الاستخبارات البريطانية كانوا غير راضين عن ذلك، لكن كامبل أبلغ اللجنة أمس أن مسؤولي الاستخبارات كانوا سيعدين بما جاء في التقرير. ولمح كامبل إلى أن اللقاء الذي عقد في التاسع من أيلول 2002 في مقر رئاسة الوزراء وانضم إليه سكارلت وثلاثة من كبار المسؤولين في أجهزة الاستخبارات البريطانية، وأنهم عبروا أثناءه عن عدم رضاهم لتقريرين، نشر أحدهما في صحيفة "ذي فايننشال تايمز" والآخر في صحيفة "دايلي تلغراف"، لأنهما نسبا لمشاركين في الاجتماع دوراً في صوغ ملف أسلحة الدمار العراقية. وأكد كامبل أن ما جاء في التقريرين الصحافيين ونسب إلى مصادر استخباراتية لم يعكس رأي الوكالات المعنية ولا كبار المسؤولين فيها. وكانت تظاهرة استقبلت كامبل لدى وصوله إلى المحكمة العليا بانتقادات تراوحت بين مطالبته، ورئيس وزرائه، بالاستقالة واتهامهما بالقتل، وذهبت إحدى المتظاهرات بعيداً عندما رمت يافطة كانت تلوح بها على رأس كامبل اثناء دخوله مقر المحكمة العليا. وكان لافتاً حرص المستشار الإعلامي لبلير على عدم الإدلاء بأي تعليق قبل جلوسه داخل المحكمة. وكشفت وثائق قدمت إلى لجنة هاتون بأن بعضها أعيد صوغه بعد مناقشته مع رئيس الوزراء، فيما تحدثت رسائل بريد إلكترونية لدى لجنة التحقيق عن اجتماعات عقدت في الخامس والتاسع من أيلول الماضي لمناقشة ملف الأسلحة العراقية، وأن قصة ال45 دقيقة أثيرت على وجه التحديد في اجتماع التاسع من أيلول عندما ظهرت مسودة تقرير أعد في اليوم التالي. يذكر أن اللجنة المختصة بالعراق كانت تضم في عضويتها، إلى جانب كامبل، كلاً من جون سكارلت رئيس لجنة الاستخبارات في وزارة الدفاع ورئيسي جهازي الاستخبارات البريطانية الداخلية والخارجية. وأقر مارتن هيوارد نائب رئيس لجنة الدفاع لشؤون الاستخبارات في وزارة الدفاع البريطانية أثناء الإدلاء بشهادته الأسبوع الماضي بأن الجملة المتعلقة ب"ال45 دقيقة" أُعدت لجعل التقرير أقوى. كما بينت رسائل البريد الإلكتروني التي قدمت للجنة التحقيق أن مكتب رئيس الوزراء طوني بلير أصيب بالصدمة بعد أن أذاع غيليغان تقريره، وبعث كبار الموظفين في مقر رئاسة الوزراء برسائل إلى بلير لوضعه في صورة التطورات، كما اهتم بالأمر أيضاً جوناثان باول مسؤول شؤون الموظفين في رئاسة الحكومة والسير ديفيد ماننغ مستشار بلير للشؤون الخارجية وجون سكارليت مستشاره للشؤون الأمنية، وكذلك لاليزا مننغهام بولر رئيسة الاستخبارات الداخلية البريطانية. وما يزيد من صعوبة موقف جيف هون وزير الدفاع في هذه المرحلة هو التخبط الذي بدا على كبار مسؤولي الحكومة إثر الإدلاء بشهاداتهم، إذ بعدما نفوا ممارسة ضغوط على كيلي ما أدى إلى انتحاره، أقروا في شهاداتهم بأنهم اجتمعوا معه مرات، وهددوه بالمحاسبة ووعدوه بتلقي إنذارات خطية عن تجاوزه للصلاحيات الممنوحة له ومنعه من مزاولة بعض النشاطات المكلف بها بعدما اتهم بأنه أدلى بمعلومات تخالف القواعد المسموح له باتباعها مع وسائل الإعلام. وأياً تكن التوجهات هذا الأسبوع، فإن شهادات كامبل أمس ستتبعها شهادات لصحافيين من بينهم توم بالدوين مراسل التايمز، وجيمس بليتز مراسل صحيفة الفايننشال تايمز، ونيكولاس رفورد مراسل الصاندي تايمز، إضافة إلى ريتشارد نورتون تيلور من صحيفة الغارديان، ستكشف حجم الصدقية التي تتمتع بها "بي بي سي" كوسيلة إعلامية هي من بين الأبرز في العالم، إضافة الى سمعة الاستخبارات البريطانية التي حاولت حكومة بلير استخدامها لغايات سياسية وإعلامية.