ربما أدّى قرار الحكومة الاسرائىلية الافراج عن مئات من الفلسطينيين المعتقلين الأسبوع المقبل الى إطالة أمد الهدنة، الاّ أنه لن يضمن استمرارها حتى نهاية الاشهر الثلاثة المتّفق عليها أو تمديدها بعد ذلك. الولاياتالمتحدة واسرائيل تعترفان بأن الهدنة أدّت الى تحسين الوضع الأمني في شكل ملحوظ، الا أنهما تصرّان على تفكيك البنية التحتية "للارهاب"، أي ضرب "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، ما سيؤدي الى حرب أهلية فلسطينية لن يقبل أي طرف فلسطيني خوضها أو تحمّل مسؤوليتها. أبو مازن سمع من الأميركيين كلاماً طيباً، الاّ ان الاجراءات التي قد تساعده على كسب تأييد شعبي فلسطيني لسياسته بقيت ضمن أضيق نطاق ممكن. واسرائىل تعهّدت بإطلاق مئات السجناء، إلا ان كل قرار آخر لها ضربة للعملية السلمية. الحكومة الاسرائىلية قررت توسيع مستوطنة، في غزة، ووزير الاسكان الاسرائىلي الجديد ايفي ايتان أعلن تحويل أموال لبناء بيوت كثيرة في القدسالشرقية لاستيعاب ألوف اليهود الجدد فيها. وكان الرئيس بوش يستقبل آرييل شارون عندما أكملت اسرائيل المرحلة الأولى من الجدار الأمني، وطولها 123 كيلومتراً، إضافة الى نحو 18 كيلومتراً حول القدس، ونفقاتها بليون شيقل. جورج بوش يعارض الجدار، وكذلك وزير الخارجية كولن باول، ومستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس، وقد طلبوا كلهم من شارون وقف بنائه لأنه سيدمّر السلام، طالما انه يقوم في أراضي الفلسطينيين ويعزل القرى بعضها عن بعض، والمزارعين عن أراضيهم، ويقتطع عند إكماله حوالى 40 في المئة من أراضي الضفة الغربية ما يعني استحالة الاتفاق مع الفلسطينيين. كيف يستطيع سفّاح مثل شارون، متهم وولديه في اسرائيل بالفساد، ومطلوب حول العالم بجرائم حرب، ان يتحدّى الولاياتالمتحدة؟ عضو الكونغرس توم ديلاي، رئيس الغالبية الجمهورية، أعطاني الجواب، فقد كنت أقرأ تفاصيل محاضرة ألقاها في الكنيست، وجمعت كل ما هو عنصري ومنحط وعدواني في السياسة الأميركية. ديلاي قال انه "اسرائيلي في قلبه"، وأراه اسرائيلياً في جيبه، فكثيرون من المشترعين الأميركيين باعوا أرواحهم وبلادهم للوبي اليهودي، وهم مقابل تبرعات اليهود الأميركيين لحملاتهم الانتخابية يؤيدون دولة نازية مجرمة لم تترك للولايات المتحدة صديقاً حقيقياً بين 1200 مليون عربي ومسلم وكل من يدّعي صداقة الولاياتالمتحدة يفعل ذلك مرغماً. وديلاي يزيد الى تواطؤه مع اسرائيل ضد الفلسطينيين، والعرب والمسلمين حقارة أفكاره الخاطئة عن المسيحية، فهو من حركة المسيحيين الصهيونيين، وهم تبشيريون قلبوا الدين رأساً على عقب. المسيحية هي الكنائس الارثوذكسية الشرقية، والكنيسة الكاثوليكية، وهي البروتستانتية اللوثرية والكالفينية، أما "الايفانجيلية" المعمدانية التبشيرية التي يؤمن بها أمثال ديلاي في "حزام التوراة" من الولايات الجنوبية في الولاياتالمتحدة، فلا أجد ما أصفها به سوى أنها خروج على المسيحية، أي ما يعادل الخوارج في الإسلام. هذا "الخارجي" قال ان "اسرائيل ليست المشكلة، بل الحل"، وأن عدو الفلسطينيين ليس اسرائيل بل ياسر عرفات. وقال أخونا صائب عريقات ان كلام ديلاي "لا يساعد غرض السلام"، غير ان صائب عريقات مسؤول مضطر ان يراعي الظروف، وأنا لا أمثل سوى نفسي ولا أحتاج الى أن أراعي مبشراً أميركياً، فأقول ان ديلاي هو عدو الفلسطينيين مع آرييل شارون، وعلى يديه دماء كل ضحية من الفلسطينيين والاسرائىليين. لأن تشجيعه إرهاب الحكومة الاسرائىلية هو الذي يمنع قيام سلام بين الطرفين، فهو يقنع المتطرفين الاسرائىليين بقدرتهم على مواصلة تطرّفهم. ديلاي انتقد خريطة السلام، وقلّل من أهمية هدنة الأيام التسعين، مع ان الأولى هي فرصة السلام الوحيدة المتوافرة، أما الثانية فهي التي أوقفت العمليات الانتحارية / الاستشهادية وموت مزيد من الاسرائىليين فيها. أقول ان سياسة ديلاي سيئة ومفهومه الديني خاطئ، وأسوأ منهما انه من قاعدة جورج بوش الانتخابية، والرئيس الأميركي كأي سياسي مضطر الى مراعاة مواقف قاعدته الانتخابية. مرّة أخرى، بوش وباول ورايس يعارضون الجدار الأمني، ويتحداهم السفّاح شارون بمساعدة أمثال ديلاي، ويموت مزيد من الفلسطينيين والاسرائىليين بفضل التطرف السياسي والديني لناس يجمعون بين الجريمة والغباء، وعلى أيديهم دماء الضحايا كما هي على أيدي القتلة أنفسهم.