سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
شباب موصومون بالتطرف أو بالمراهقة السياسية مقبولون ما داموا لم ينشروا الفوضى . فترة "النشاط الصيفي" في الجامعات المصرية تشهد صراعاً بين "شرائط التطرف" و"النشاط المسرحي" !!
حتى خمس سنوات مضت كانت فترة النشاط الصيفي في الجامعات المصرية لا تتعدى كونها محطات قصيرة لتقابل طلبة الجامعات داخل الحرم الجامعي، إلا أنها تغيرت هذه الأيام، ومع تغيرها ظهرت بعض السمات التي كان متعارف عليها فقط في أيام الدراسة، منها نزعات التطرف لدى بعض الطلاب التي تعدت كونها فكراً واتجاهاً إلى كونها سلوكاً بدأ بالفعل ينتشر بوضوح خلال فترة النشاط الصيفي، وظهور فكرة "النشاط الصيفي" في الجامعات كان إعداد وتخريج كوادر شبابية جديدة في مجال الرياضة والأدب والشعر، إضافة إلى خلق مكان متسع للطلبة للتقابل من دون تكاليف تقريباً، وهو ما يجنبهم، بحسب ما رآه المسؤولون، الوقوع في براثن أصدقاء السوء ورفاق التطرف الديني. وفي مواجهة النشاط الحكومي الذي تقوده وزارة الشباب بدأ يظهر نشاط المتطرفين بدءاً من شرائط الكاسيت التي تحمل دعوات صريحة للانضمام إلى مجموعة معينة، مروراً بالأسطوانات المضغوطة التي تحمل تصورات بعضهم، الخاطئة عن الجنة والنار والثواب والعقاب والحلال والحرام، وانتهاء بالعنف البدني تجاه الطلبة، المخالفين لهم في الرأي. فمنذ أيام قام طالب بضرب زميلته لأنها كانت تجلس إلى جوار زميل لها في فناء الجامعة، وعرف الطلبة آخر اسمه ناصر دائماً ما يمر في منتصف اليوم يحذر زملاءه وزميلاته من الجلوس إلى جوار بعضهم بعضاً أو حتى تبادل الحديث في أي أمر يتعلق بالنشاطات الثقافية على أساس أنها أمور ليست شرعية ولا سند لها في الدين. وفي الفترة الأخيرة ضج شباب العطلة الصيفية، بشرائط الكاسيت من عينة "أختي المؤمنة لا تكوني قذرة"، و"هلموا بنا نُصلح ما أفسدناه"، و"أختي البارة لا تخرجي من بيتك"، و"حذارِ من الاختلاط". هاني محمود الشافعي قال ل"الحياة": "تصيبنا هذه الشرائط التي يوزعها بعضهم علينا بالإحباط والخجل، لأن الذي يستمع إليها يشعر وكأننا نعيث في الأرض فسادًا، مع أن هذا ليس صحيحاً، وكل ما هنالك أننا نتخذ من النشاط الصيفي للجامعة بديلاً من النوادي الرياضية أو الاجتماعية التي لا نستطيع أن نتحمل كلفتها التي تصل إلى الآلاف من الجنيهات لكنهم لا يفكرون بهذه الطريقة، ويطاردوننا بنصائحهم وشرائط الكاسيت على أساس أننا خطأة، مع أننا لسنا كذلك". أما سهى عبد الواحد فتقول: "أعتقد بأن كل شخص حرّ في ما يقوم به من تصرفات، ولسنا مسؤولين عن محاسبة بعضنا بعضاً، لكن الغريب في الأمر أن كثيراً من الشرائط التي يوزعونها علينا أو التي نسمعها أحياناً في الشارع تحمل كثيراً من المغالطات الدينية والعقائدية، ولا نعرف من أين أتوا بهذه القصص التي ما أنزل الله بها من سلطان". وتكمل: "سألت مرة إحدى زميلاتي التي أعطتني شريط كاسيت اسمه "كلنا في النار" لماذا هذا التشاؤم؟ ومن قال إن كل البشر في النار؟ فقالت: إنه عندما امتنع عن ارتياد الجامعة في غير العلم فإنني لن أكون في النار، وكانت تقصد أن مجرد ارتيادي للجامعة للجلوس مع صديقاتي ضلال يجب أن أقلع عنه، وهي مقتنعة بما تقول، لكن لا يمكن لأحد أن يسألها من أين أتت بهذه المعلومات، ولا مَن أدخل في رأسها هذا الكلام". النشاط المسرحي والأدبي إحدى أهم سمات الفترة الصيفية، ولو أنه كان هناك بطء شديد في هذا النشاط الذي كان ينتج مسرحية واحدة يعرضها الطلبة لأنفسهم آخر الموسم الدراسي، ليشاهدها الأهل والأصدقاء فقط، تطور هذا الوضع للأفضل وقام عدد من كليات جامعة القاهرة بعرض أكثر من مسرحية في الموسم الواحد، ومثلهم فعل طلاب جامعة حلوان، واستطاعت كلية التجارة تقديم ثلاثة عروض، كتبها ومثلها وأخرجها شباب في ما يعد طفرة في هذا المجال، إلا أن رياح التطرف أتت بما لا تشتهي سفن الطلبة، إذ تحولت دفة المتطرفين إلى هذه الأنشطة، ولم تأخذ المواجهة حتى الآن شكلاً حاداً، ولم تخرج عن حوادث سرقة ملابس الممثلين من المخازن من مجهولين، أو أن يفاجأ الطلبة أن ديكور المسرح دمِّر أو تعرّض لمحاولات إفساده. يقول شريف طلبة 19 سنة ل"الحياة": "على رغم أن هناك متطرفين فكرياً وهذا موجود في أي جامعة في العالم ليس في مصر فقط، إلا أن كثيراً مما ينسب إلى هؤلاء من أعمال ليس صحيحاً، وسرقة الملابس المسرحية في العام الماضي من المخازن كانت إشاعة نسبت إلى المتطرفين، لأن الملابس أصابها التلف نتيجة التخزين ولم تخرج من المخازن بفعل فاعل". ولا يعتبر طالب الحقوق نفسه مدافعاً عن زملائه الموصومين بالتطرف إنما يدافع عن "الصورة العامة"، على حد قوله، ويضيف: "الجامعة صورة مصغرة للمجتمع، وتنتشر فيها الإشاعة كالبرق ولا تعرف مدى صحتها من كذبها، وكثير من الطلبة يرددون ما يسمعونه من دون التأكد من الحقيقة لذلك نصاب في النهاية بالتخبط بين ما نسمعه من جهة وما نسمعه من جهة أخرى". ويقول شريف هندي صالح 18 عاماً: "لا ننكر أن هناك تطرفاً بين الطلبة، والتطرف ليس بعض السلوكيات المتزمتة فقط، إنما التطرف أيضاً يمكن أن يكون في السلوكيات المنفتحة من دون ضابط، والجامعة منذ نشأتها لا تخلو من الاثنين، لكنني لست مع تكبير صورة واحدة من الاثنين على أساس أنها السائدة، لأن هذا يعطي للمتلقي معلومات عن وضع ليس صحياً على الاطلاق، وإذا كانت شرائط الكاسيت تحمل بعض الأفكار المتطرفة فهذا لا يعني أن كل طلبة الجامعة يروجون هذه الشرائط وينصتون إليها باهتمام". وقال أستاذ الاجتماع الدكتور علي فهمي ل"الحياة": "إن بداية الأزمات تنبع من عدم الوقوف الفعلي على حقيقة وضع ما، خصوصاً في ما يتعلق بالتوجهات الفكرية للشباب الجامعي"، ويضيف: "كأساتذة جامعة دائماً ما نؤكد للطلبة أنهم أحرارٌ في كل ما يعتقدونه حتى لو كان خطأ، لكن من دون أن تتعدى أفكارهم عقولهم فتمتد إلى أيديهم، بمعنى أنه إذا كان الطالب حراً في توجهه الفكري أو السياسي فهذا لا يعني أبداً أن يفرضه بالقوة على آخرين، وإذا كانت الدولة تكفل الحريات خصوصاً الفكرية منها داخل الحرم الجامعي، فإنها لا تبيح نشر الفوضى السلوكية أو الفكرية". ويتابع الدكتور فهمي: "طالب الجامعة ما زال في مرحلة التكوين كإنسان، وله الحق في أن يتردد على مختلف التيارات ليعيش بنفسه تجارب مختلفة، حتى يصل في النهاية للاستقرار على توجه معين، ونحن نساند في هذا حتى لو اختلفنا معه في الرأي، وأذكر أن لنا تجارب طويلة مع كثير من الذين يسمونهم المتطرفين، فقد خضنا معهم مناقشات طويلة لأن من حقنا عليهم أن نعطيهم رؤانا الحياتية ومن حقهم أن يقبلوها أو يرفضوها". وينهي فهمي كلامه مؤكداً أن صوغ عبارات عن التطرف في الجامعة في شكل يجعلهم كالمارد الجبار ليس من قبيل المصلحة لأن الأمر ليس كذلك، كل ما هنالك أن هناك بعض "المراهقين فكرياً أو عقائدياً"، وهؤلاء موجودون في الجامعة وخارج الجامعة، وفي بلدان أخرى كثيرة وما داموا لم يتعدوا حدود الجدل إلى حدود الفوضى فهم مقبولون منا ومن زملائهم حتى يستقروا على الصواب، وإلى أن يتخرجوا من كلياتهم وترتفع مسؤولياتنا عنهم".