كثيراً ما تفرض مجتمعاتنا الشرقية العربية طوقاً من الخجل في الحديث عما يتعلق بالجنس وتعتبره من الكلام غير المباح. وغالباً ما يؤدي الامر الى رد فعل عكسي لدى كثير من شباب الجيل الجديد، ما ينتج احياناً نوعاً من "الاباحية" في كلام الحلقات الضيقة من الأصدقاء. وتظهر الوسائل العشوائية ذات الأثر السيئ، بدءاً من الكتب المهربة من اوروبا، مروراً بالافلام، وصولاً الى ما يماثل ذلك من مواقع تجارية على شبكة الانترنت. تلك هي بعض الامور التي يستحضرها الدكتور حسان المالح، اختصاصي الطب النفسي في جدة، عند الحديث عن ضرورة الثقافة الجنسية في مجتمعاتنا العربية والاسلامية. ويرى ضرورة التطرق إليها من دون الشعور بالحرج أو الخوف، خصوصاً من الأهل. وتعتبر الصحة الجنسية فرعاً من الثقافة الصحية العامة، وترتبط بالثقافة الاجتماعية السائدة، وتُشَكِّل جزءاً من تنمية الوعي النفسي. ومن خبرته يرى ان هذا المجال تشوهه الكثير من المعلومات المغلوطة، وحتى الخرافات. ويسهم هذا الجو غير العلمي، بشكل أو بآخر، في نشوء العديد من الاضطرابات الجنسية والنفسية والاجتماعية. ويرفض الرأي القائل ان المعلومات العلمية عن الجنس تتعارض مع الدين. "كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة كيف يأتون نساءهم، وماذا يقولون عند الجماع، والفقه الإسلامي يتناول القضايا الجنسية بصراحة ووضوح وبشكل علمي، أخلاقي، وتربوي". يعتبر المالح ان المعلومات الجنسية الصحيحة تسهم في معرفة الإنسان لنفسه ومكوناته ورغباته، وبالتالي تسهل عليه السيطرة عليها والعمل على ضبطها، لا سيما مع توافر ظروف تربوية، أخلاقية ودينية مناسبة. وينبه الى وجود خلاف علمي عن السن المناسبة لبدء الثقافة الجنسية العلمية. فالبعض يطرح تقديم مثل هذه المعلومات في سن مبكرة، والبعض الأخر يقترح سناً أكبر، إلا أن الجميع يتفق على ضرورة تقديم المعلومة بصورة مبسطة علمية مناسبة، وبلغة هادئة منطقية بعيدة من الإثارة، أو الابتذال ضمن إطار ما يعرف باسم "حقائق الحياة". وينصح الأهل بضرورة الإجابة عن اسئلة أطفالهم عن الأمور الجنسية بشكل طبيعي، أو إعطائهم معلومات مضللة. وبحسب رأيه، فان الدراسات العلمية تبين ان علاج الاضطرابات النفسية الجنسية يعتمد في جزء كبير منه على اعطاء معلومات طبية عن الوظائف الجنسية الطبيعية للإنسان، وأيضاً عن تعديل أفكار المريض عن مفهوم الاضطراب الجنسي. ويتم هذا الامر على شكل جلسات علاجية تثقيفية. ويقدم "قائمة" اولية للموضوعات التي يمكن تناولها في الصحة الجنسية، مثل "الجوانب التشريحية لجسم الإنسان، بما فيه الأعضاء التناسلية" و"البلوغ ومظاهره" و"الحمل والولادة" و"الانحرافات النفسية جنسياً" وما الى ذلك. ويقر بوجود صعوبة في التطرق الى بعض المواضيع مثل الإيذاء الجنسي للأطفال من الأهل أو المعارف، ما يوجب الحذر في تقديم المعلومة. ويشير الى أن المكتبات العربية أصبحت غنية بمؤلفات جادة في قضايا الصحة التناسلية. وتتناولها من منظور علمي وديني. وتصلح مادة يعطيها الآباء للأبناء من دون حرج. "كبت هذه المشاعر لديهم يجعلهم يتجهون إلى الأفلام والصور الإباحية من خلال السينما والفيديو والأقراص المدمجة والانترنت التي تنمي الخيالات المتطرفة والشاذة". الشباب يشكو غياب المصادر سألت "الحياة" مجموعة من الشبان والفتيات عن مصادر ثقافتهم الجنسية. واحتل الأصدقاء من كلا الجنسين المرتبة الأولى. ويعطي هؤلاء "نصائح مجربة" تقتفيها بقية المجموعة! هذا ما أكدته سناء 21 سنة "على رغم اختلاف بنات اليوم عن السابق إلا أن المصارحة المطلقة بيننا وبين الأمهات والآباء ما زالت معدومة... لا أتصور نفسي أجلس أمام والدتي لأسأل عن معلومة جنسية سمعتها من صديقاتي... أنا أتجنب ذلك لأنها تعتبره من باب الوقاحة... حتى بيننا كأخوات لا يوجد تبادل أحاديث في هذا الجانب، فالثقة معدومة... نعم صديقاتي هن ملاذي في مثل هذه الامور". وتؤكد نورا 26 سنة أن المعلومات الجنسية، ولو كانت علمية، فهي حساسة للغاية لا يمكن التحدث فيها بسهولة مع الأهل. "يمكن أن أتطرق لمثل هذه النوعية من الموضوعات مع أختي الكبيرة، لكن لا أتصور أبداً أن ألجأ لوالدتي... هناك سوء فهم كبير... وكشباب نحن نجهل المعلومات الاساسية عن التكوين الجسدي لدينا... لا يحدثنا احد عن أقل التغيرات النفسية والجنسية المتعلقة بالنمو الطبيعي... في مرحلة الدراسة الثانوية كانت لدي فكرة مشوهة ومرعبة عن هذه المواضيع... إلا أن هذه الفكرة اتضحت بعد لجوئي الى أختي وزوجة أخي". يجتمع طارق نجيب 23 سنة مع أصحابه كل يوم خميس، يوم الإجازة الرسمية من الدراسة، ليشاهدوا بعض "المواقع المعروفة" على الانترنت. "يسافر كثير من أصدقائي الى الخارج ويقرأون في المجلات عن تلك المواقع الالكترونية... نحن نتبادل المعلومات في ما بيننا... لا يخلو الامر من النزوات... احياناً يصبح الممنوع مرغوباً به... كشباب لنا بعض المتطلبات التي لا يمكن مناقشتها مع الأهل". تخرجت ايناس 24 سنة من دون معرفة مناسبة حتى عن تكوينها الجنسي. "تعتبر والدتي الحديث في مثل هذه الأمور من المحرمات، وحتى أن أختي لا تستطيع مصارحتي بما تتحدث به مع صديقاتها... هناك حاجز كبير زرعته داخلي العادات والتقاليد لا أستطيع التخلص منها بسهولة".