"نجوم تخطف الأضواء"، "اصوات رائعة تذكر بالعصر الذهبي لاستديو الفن"، "لجنة تحكيم بدت أكثر وأكثر إقناعاً وحرصاً على المواهب الشابة"، "برنامج قاد بعض المشاركين فيه من صف اصحاب المواهب الغامضة الى صف النجوم اللامعة". هذا بعض ما بات يتداوله الآن جمهور عريض يتابع برنامج "سوبر ستار" على شاشة "المستقبل"، هذا البرنامج الذي لم يكن واضحاً في البداية انه سيصل الى هذا المستوى من التألق. والحال اننا لا نبالغ إذ نقول هذا مؤكدين ان اصحاب البرنامج، من الإداريين وصولاً الى المحكّمين، مروراً بالمقدمين ايمن القيسوني ورانيا الكردي، كانوا منذ البداية يعرفون ماذا يفعلون او انهم على الأقل استجابوا للانتقادات الكثيرة التي وجهت إليهم في البداية وكانت قاسية في معظم الأحيان. المهم ان "سوبر ستار" في مرحلته الثالثة الأخيرة وصل الى مستوى مميز ونال اعجاب الجمهور الذي راح ينخرط اكثر فأكثر في الرهان على "نجومه" فيما يقترب البرنامج من نهايته. من سيكون "سوبر ستار" العرب هذه المرة؟ السورية رويدا عطية ام الفلسطيني الضرير محمد لافي ام الأردنية ديانا كرازون، ام الإماراتي او اللبناني ملحم زين ام الجزائري ام المصري؟؟ الآن لم يعد هذا هو المهم امام برنامج اعاد الى التلفزيون الاستعراضي رونقه ويحقق ما يشبه الإجماع... إجماع يتحدث اليوم عن تحوّل جذري في "سوبر ستار"، يضعه في اعلى قائمة البرامج على الشاشات الصغيرة اليوم، ويجمع من حوله نسبة عالية من المشاهدين. الانتقادات تبخرت والحال انه مع انتقال هذا البرنامج من مرحلته الأولى الى المرحلة الأخيرة اختفت الى حد كبير الانتقادات التي طاولته طوال الفترة الماضية، خصوصاً في بداياته باتهامه بالسادية وسوء التنظيم لاستقدامه مشتركين من "هبّ ودبّ" ثم تسخيفهم والهزء بهم علناً امام كاميرا لا ترحم ولجنة تحكيم كالسيف القاطع من دون اي حسّ انساني او حسبان ما يمكن ان يستتبعه ذلك من تأثير سلبي في حياتهم الخاصة. التحول إلا ان ذلك كله ولحسن الحظ لم يدم طويلاً إذ سرعان ما تحوّل البرنامج من الكوميديا الهزلية الى الجدية المحترفة. وهكذا وبغض النظر عن الفترة السابقة والانطباعات التي ولّدتها لدينا جاءت المرحلة الأخيرة لتعيدنا الى زمن نحنّ إليه كثيراً، زمن لم تستطع موجة الغناء الجديدة القضاء عليه والدليل وقوف شبان صغار ليطربونا بأغاني عمالقة الغناء في المشرق العربي من ام كلثوم وعبدالوهاب ووديع الصافي وفيروز وعبدالحليم حافظ وغيرهم ممن يطيب لنا سماعهم على رغم المسافة الزمنية التي تفصلنا عنهم. إلفة على الطريقة العربية وبالفعل إذا نظرنا بموضوعية الى هذا البرنامج نراه اليوم يدفق بالإيجابيات. فعدا عن الأصوات الجميلة التي تطرب ليالينا مع نهاية كل اسبوع، هناك نقطة اضافية تسجّل لمصلحته ألا وهي رابط الإلفة والمودّة الذي يجمع كل المشتركين العرب من المحيط الى الخليج. والعجيب ان ما لم تتمكن السياسة من صنعه حدث في ثوان بواسطة الموسيقى. ولم يخطئ ابداً رئيس لجنة التحكيم الياس الرحباني حينما قال في إحدى الحلقات: "لو ان الموسيقى هي لغة الشعوب لتوقفت الحروب". ونضيف: "ما من بلد عربي آخر كان لينجح بهذه المهمة إلا لبنان ذلك البلد الرسالة. فالمهمة ليست سهلة بتاتاً، وحسناً فعل تلفزيون المستقبل حينما جاء بتلك الفكرة لنكون القدوة والمثال الذي يُحتذى به: شبان من كل الجنسيات العربية يتبارون بروح رياضية من دون اي حقد وضغينة، ونتائج لا تأخذ في الاعتبار التوزيع الجغرافي او كل ما قد يوقعنا في متاهات السياسة. فالأفضل - بنظر الجمهور - هو الذي يبقى ولا شيء آخر والدليل الواضح يتجلى في الحلقة التي كُسرت فيها أعراف البرنامج، عنينا الحلقة الاستثنائية التي تم فيها اختيار مشتركين جديدَين ليضافا الى قائمة من سبقهم من رابحين. إذ وبكل بساطة إذا نظرنا بتجرد الى جنسيات المتبارين في تلك الحلقة نتبين ان اكثرية "المستلحقين" من الأصوات اللبنانية التي كانت لاقت الاستحسان والتشجيع من لجنة التحكيم من دون ان يتم اختيارها من الجمهور، خطوة جريئة كان ليدفع ثمنها غالياً القيمون على البرنامج لو فُسرت خطأ من جانب الجمهور العربي ككل، إلا ان الصدقية والشفافية التي صنعها البرنامج على مدى حلقاته، اضافة الى كون كل من المستلحقين جديراً بحمل لقب "سوبر ستار" لامتلاكه عن حق كل مقومات النجاح من الصوت الجميل والشكل اللائق. وعليه نفهم ان الهم الأول والأخير ل"سوبر ستار" كما هو واضح، هو اختيار الأفضل والأفضل فقط من دون الاهتمام لما قد يقال عن انحياز الى هذا البلد او ذاك. ففي النهاية يبقى صوت المشترك وحضوره بطاقة عبوره الى النهايات لا جنسيته والبلد الذي ينتمي إليه. ضخامة وإبهار وشيئاً فشيئاً غابت عنا اصوات رائعة لم يقدر لها ان تتسلق سلالم ذلك الاستديو الضخم المتميز بديكوره الرائع وإبهاراته الكثيرة. استديو قرّب المتبارين من معجبيهم الى حد كبير وأوثق الصلة التي تربط المشترك بالمشاهد، لافتات بأسماء المتبارين تعلو المسرح، أياد مرفوعة الى الأعلى، تصفيق وجمهور من كل الأعمار يعجّ به مسرح بيروت هول، الكل يشجع الكل من دون ان يمنع ذلك وصول الأمر الى حد الجنون في لحظات كثيرة امام مشترك متميز يعرف كيف يحرك من امامه ويثير احاسيسهم وحماستهم، حماسة لم تكن لتتحقق لولا اقتران صوت المتبارين بعزف كبار الموسيقيين الذين يزيد عددهم على الخمسين عازفاً بقيادة قائد الأوركسترا بسام بادور. اوركسترا أرهبت بعض المتبارين في بداية المطاف خصوصاً من لم يقدر له قبلاً الوقوف على المسرح والغناء مع فرقة موسيقية، إلا انه سرعان ما تبدلت الأمور وتحوّل الخوف عند المشتركين الى ثقة. ثقة مدّهم بها جمهور المشاهدين في الاستديو بدعمه الكبير، من دون ان ننسى تشجيع لجنة التحكيم التي استهلكت كل كلام الإعجاب والمديح الى حدود المبالغة في احيان كثيرة. وبذلك تحوّلت ساعات "سوبر ستار" من ساعات ضحك وسخرية الى ساعات بهجة ورهبة. بهجة بالعودة الى زمن الفن الأصيل والطرب الحي مع اصوات تتملك القلب ولا تخرج منه. ورهبة من الآتي: من النتيجة. إذ لا نكف عن التساؤل في نهاية كل حلقة الى اي مدى ستكون النتيجة منصفة، وهل فعلاً سيختار الجمهور الأفضل ام ان عاطفته ستسبق عقله؟ سؤال يتكرر في كل مرة نرى فيها هؤلاء الشبان مضطربين امام إعلان النتائج. وعلى الفور، نأخذ معاً نفساً عميقاً وشيئاً فشيئاً يمتزج خوفنا بخوفهم، دموعنا بدموعهم وضحكاتنا بضحكاتهم... نبدأ العد وسرعان ما تعلو المسرح صرخة خائبة، إلا انها لا تلبث ان تهدأ في النهاية والسبب بسيط: كلهم نجوم وفنانو المستقبل.