بالأمس كانت "برامج الألعاب" واليوم "برامج الهواة" موجة جديدة تجتاح الفضائيات اللبنانية في سرعة قياسية. بالأمس، "استوديو الفن" برنامج رائد قدّم الكثير من نجوم الغناء، واليوم في عصر الاستنساخ تتزاحم المحطات التلفزيونية في صنع النجوم وكأن الفضاء العربي تنقصه "نجوم" تزيد نشازاً على النشاز السائد. فما ان أعلنت احدى الشاشات عزمها تقديم برنامج من هذا النوع حتى تهافتت المحطات الاخرى على برامج شبيهة. من "سوبر ستار" على شاشة "المستقبل" الى "ستار مايكرز... سمعنا صوتك" على LBC وصولاً الى "هذه ليلتي" على شاشة التلفزيون الجديد. ريادة صانع النجوم وقبل الغوص في ما تقدّمه شاشاتنا اليوم من هذه البرامج لا بدّ لنا من المرور بداية ب"استوديو الفن" ومخرجه سيمون أسمر الأول والسبّاق في هذا المجال وصاحب الخبرة الطويلة التي تعود الى أيام عز تلفزيون لبنان في السبعينات، خبرة أهّلته من دون شك لحمل لقب "صانع النجوم" بامتياز وتصنيفه كمخرج مبدع نظراً للاحترافية الشديدة في اخراج "استوديو الفن" في شكل راقٍ على مرّ السنوات بوجود لجنة تحكيم من أهل الاختصاص وادارة مميزة ينقلها معه اليوم الى مصر في "استوديو الفن مصر" الذي يبدأ عرضه قريباً. ومع هذا، وعلى رغم كل ما قيل في نجاح أسمر في "استوديو الفن" لم يسلم "صانع النجوم" من الانتقادات التي لا تزال تلاحقه منذ سنوات طويلة. إذ يأخذ عليه الكثير مثلاً طريقة انتقائه بعض النماذج من الفنانين لناحية أولوية الشكل والأداء على الصوت والإبداع، ما يطرح العديد من التساؤلات. ويحتجّ بعضهم مركّزين على مسألة المتابعة والملاحقة التي يأخذها "مكتب استوديو الفن" على عاتقه فيتساءلون: لماذا لا نرى متابعة للكثير من الناجحين في برنامجه، أصحاب الخامات الصوتية الرائعة الذين تنقصهم الطلّة المميّزة، في حين نرى في المقابل متابعة وتسليط للضوء على أصوات أقل شأناً بسبب حضورها المميز أو قالبها الجميل؟ أوليس في الأمر انتقاصاً من قيمة المطرب واستفزازاً لآذان المستمعين؟ ومن قال ان النشاز المغلف بقوالب رخامية مثيرة هو مطلب الجمهور؟ الناس وسوبر ستار ويتساءل مدير الكونسرفاتوار الوطني اللبناني الدكتور وليد غلمية الذي كان لسنوات طويلة من أبرز المشاركين في لجنة التحكيم في "استوديو الفن" عن الذي يصنع "السوبر ستار" ويجيب: "لا توجد لجنة تحكيم في العالم تستطيع ان تصنع "سوبر ستار" فهذا يعود بالدرجة الأولى للناس، فالذي يصنع "سوبر ستار" سرّ لا يعرفه أحد، إذ في أوقات كثيرة تجدين أمامك شخصاً يملك كامل المعادلة ليكون نجماً غير ان ذلك لا يحصل أبداً في الوقت الذي يصبح أحدهم "سوبر ستار" من دون ان يملك الحد المطلوب من القدرات الصوتية". وبكل صراحة لا ينكر غلمية قيامه بتنازلات معينة اثر تحكيمه في "استوديو الفن" لجهة اختيار المغنين، اذ يقول: في العزف كنت صاحب الكلمة الأولى الاخيرة إذ لم يكن من مجال للنقاش وهكذا خرّة "استوديو الفن" عازفين مميزين في مجالهم أما في الغناء فشيء آخر". ومهما يكن من أمر الا ان لائحة المميزين في الغناء من خريجي "استوديو الفن" طويلة، ويكفي منها ذكر السيدة ماجدة الرومي على سبيل المثال لا الحصر. أما اليوم وبالعودة الى البرامج السابقة الذكر واذا استثنينا "هذه ليلتي" الذي وإن كان يعتمد على الفكرة نفسها في اطلاق النجوم الا انه يختلف معها في الهدف الذي طالعنا به منذ الحلقة الأولى معدّ البرنامج الفنان وجدي شيّا حين اوضح في اطار برنامجه واقع الأغنية العربية وحضّ الشباب على العودة الى الفن الأصيل الذي يحاول برنامجه لعب دور في هذا السياق من خلال استقباله في حلقاته أحد كبار الملحنين والموسيقيين وإطلاق مجموعة من الشباب الذين يرعاهم ويتبناهم بعيداً عن الفوضى السائدة بين برامج الهواة... هذه الفوضى التي أكثر ما تطالعنا في برنامج "سوبر ستار" على شاشة "المستقبل". إذ وبعد حملة إعلامية ضخمة وموازنة كبيرة خصصت لهذا الاطار، كانت المفاجأة صاعقة، فعوضاً عن الاعداد المتماسك والتقديم المميز والترتيب والتنظيم الذي أقل ما يمكن ان يقال فيه انه جاء أشبه بسفينة بلا ربان ومزرعة لا نعرف الوافد اليها من الخارج منها، فضاع الحابل بالنابل واختلط الامر علينا لجهة تصنيف البرنامج بحيث لم نعد نستطيع الجزم إن كان فعلاً برنامجاً للهواة أم هو كما يحاول معدوه ابرازه برنامج كوميدي أو حتى برنامج درامي. الا ان المؤكد في الأمر كله وليس من باب المبالغة القول ان "سوبر ستار" برنامج سادي قوامه اهانة المشاركين وتأديبهم تحت حجة اعتبار ذلك مادة دسمة لجذب المشاهد من خلال إضحاكه على بني جنسه. قفص اتهام فماذا نفهم مثلاً من فكرة وضع بعض المشاركين المستبعدين من المنافسة في قفص الاتهام ضمن اطار جامد كما يحصل للمجرمين من دون إغفال مدة الحكم في أسفل الشاشة والتي تراوحت بين اشهر معدودة سجناً والاعدام شنقاً أو بالرصاص. طريقة رخيصة لبثّ التشويق، تحتقر الانسان بتسليطها الضوء على عيوبه وضعفه والمتاجرة بها، مبتعدة كل البعد عن معاني الانسانية واحترام الآخر. فمن أعطى مثلاً الحق للكاميرا بملاحقة احدى المتباريات بعد ان رفضت تصويرها اثر خروجها غاضبة يائسة من امام لجنة التحكيم؟ هذه اللجنة المؤلفة من ثلاثة اعضاء والتي لا تنفك تضع العصي في الدواليب بتأنيبها المشترك والاستخفاف به يترأسها الموسيقي الياس الرحباني المشهود له بخفة دمه. خفة الدم هذه التي لمسناها في سياق الحلقات الى حد تحويل البرنامج الى برنامج كوميدي. فها هو في احدى المناسبات يمازح احد المشتركين فيقول له: "والله مجنون" والسبب انه فكّر بالتقدم الى هذا البرنامج. وبالفعل مجنون هو كل من يفكر بالاشتراك في "سوبر ستار"، فالكاميرا لا ترحم ولجنة الحكم سيف قاطع والمشتركون ضحايا... ضحايا حلمهم بأن يصبحوا نجوماً.