كأن عدد المطربين والمطربات ليس كافياً في العالم العربي، حتى تنبري فضائيات عدة الى اكتشاف مواهب غنائية جديدة. والغريب هو التزامن في اطلاق برامج الهواة تلك، ما خلق زحمة فنية لا يعرف المشاهدون كيف يهضمونها. وهذا يدعو الى التساؤل: هل هو اهتمام بجيل جديد من أهل الغناء، أم هو قضاء على البقية الباقية من إمكانات ظهور مواهب جدّية خارج نطاق الاستهلاك المريع؟ "ستوديو الفن مصر" بادارة المخرج سيمون أسمر سيبدأ بعد شهرين تقريباً. "ستارماكرز" بدأ على شاشة المؤسسة اللبنانية للارسال الفضائية، و"سوبر ستار" بدأ على شاشة "المستقبل". سباق محموم وكل برنامج له طريقته وأسلوبه وخبرته. ليس من عبث اكتسب سيمون اسمر شهرته في اكتشاف نجوم الغناء. خبرته طويلة في هذا المجال، منذ بداية السبعينات من القرن الماضي والأسماء اللامعة اليوم في لبنان، والواصلة الى العالم العربي بنجاح، غالبيتها من بنات يديه وأبنائها، وان تنكّر بعضها له واعتبر انه "صنع" نفسه بنفسه. أسمر ضد كلمة "الصناعة" في التعامل مع النجوم، ويميل الى كلمة الرعاية وادارة الأعمال "البزنس"، كما يقول هو، و"البزنس" ليس شؤوناً تنفيذية عملية، بل تخطيط وعين ترى أبعد. هكذا يفهم سيمون أسمر "ستوديو الفن" سواء الذي يعدّه حالياً لمصر أم الذي أعدّه مرات ومرات للبنان. لكن المهم جداً هو كيف يطلّ الهواة في التلفزيون: عبر ادارة برنامج محترفة تحترم امكاناتهم الناشئة فتصوّبها وقت الخطأ وتشجعها وقت الصواب، وتشذّب وتهذّب، أم عبر "استعراض" عضلات أقل ما يقال فيه انه ليس احترافياً ولو تغطّى بطاقات مادية وحملات إعلانية ضخمة ثم مارس على الهواة فنّ التعذيب والإهانة المبطنة حيناً، الفالتة حيناً آخر والتي لا تنم عن حسن تصرّف، حتى لا نقول انها تنمّ عن ادّعاء صرف؟ واذا كان "ستوديو الفن مصر" لم يبدأ بعد، وتالياً فإن من المبكر معرفة خيره من شرّه مع ان العارفين بقدرات سيمون اسمر يتوقّعون منه برنامجاً قوياً، فإن "ستار ماكرز" على "الفضائية اللبنانية" و"سوبر ستار" على "المستقبل" بدآ، في توقيت متلاصق، وهناك فوارق شاسعة بينهما لمصلحة "ستار ماكرز" الذي عرفه جمهور مصر أولاً قبل أشهر ويتعرّف اليه حالياً الجمهور العربي عبر "الفضائية اللبنانية"، وفيه تنظيم واضح واعداد متماسك وتقديم جيد جعله مقبولاً في مصر وسيكون مقبولاً في العالم العربي بفضل هذه المواصفات. اما "سوبر ستار" ففيه حيثيات سلبيّة مفاجئة في حجمها طولاً وعرضاً! فماذا يعني ان يقف هاوي غناء أمام لجنة تحكيم من ثلاثة أشخاص، فينشد اغنية يختارها هو على كيفه من دون تحضير مسبق، ومن دون مرافقة موسيقية ومن دون أي معرفة بأساليب الغناء، والأخطر من دون مَنْ يدلّه الى أي أسلوب منها، هكذا "خام"... ثم يشرع عناصر لجنة التحكيم في تأديبه - وكل ذلك امام الكاميرا. فهذا يقول له انه أخطأ في مجرد تفكيره في المجيء الى البرنامج، وتلك تقول انه أو أنها "كتافها قاشطة" ولذلك لن يكون لصوتها معنى حتى ولو كان جميلاً، وذاك يقول له انه "ينشّز" وليس "سوبر ستار"... وخذ على ملاحظات شكلانية خارجية أو "صوتية" ارتجالية تقتل الموهبة في صاحبها قبل ان تقتله هو تحت ستار من المزاح الغليظ والرأي المكابر والمنطق المفقود، فكيف اذا كان المتباري هو أيضاً ممن يعتقدون بأن "السوبر ستار" هي كلمة في الفم لا أكثر ولا أقلّ! فلو عاد المطرب وديع الصافي شخصياً، الى عمر العشرين، ووقف أمام لجنة التحكيم هذه أو غيرها، هل يمكنه ان يغني من دون ان "ينشّز" بالمرّة و"كتافو مش قاشطة" وهو "يمثُل" للمرة الأولى أمام "المحكمة" الغنائية "الجزائية"؟! ولو عادت أم كلثوم، وعبدالوهاب بالذات، ووقفا الموقف نفسه عل ستكون هي أم كلثوم وهو عبدالوهاب من أوّل لحظة وأول جملة وأول نبرة؟! اذا كانت الحلقات المقبلة من "سوبر ستار" بقياس الحلقة الأولى فمن المؤكد انه سيتحوّل الى برنامج سادي - كوميدي في وقت واحد. السادية ستجعل المشاهدين اعداء لجنة التحكيم التي تحمل ساطور الجزّار، والكوميدية ستجعل الهواة مجرّد لاعبين فاشلين في سيرك حتى ولو كان أحدهم أكبر من أي "سوبر ستار" دَعَتْ شاشة "المستقبل" المتبارين الى التشبّه به في فقرات دعائية مكثفة قيل انها لاغراء الجمهور بمتابعة البرنامج. ان اعطاء الخبز للخباز ولو أكل نصفه لأفضل بكثير من اعطائه لمن لا يعرف الخبز من "التوست" ولو أعلن انه لن يأكل شيئاً منه!