المكسيكي «زوردو» يوحّد ألقاب الملاكمة للوزن الثقيل المتوسط لWBO وWBA    اليوم..بدء الفصل الدراسي الثاني    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    نفاد تذاكر مواجهة إندونيسيا والسعودية    منتخب هولندا يهزم المجر برباعية ويلحق بالمتأهلين لدور الثمانية في دوري أمم أوروبا    شمال غزة يستقبل القوافل الإغاثية السعودية    اليوم بدء الفصل الدراسي الثاني.. على الطريق 3 إجازات    20,124 مخالفاً في 7 أيام وإحالة 13,354 إلى بعثاتهم الدبلوماسية    «إعلان جدة» لمقاومة الميكروبات: ترجمة الإرادة الدولية إلى خطوات قابلة للتنفيذ    5 فوائد صحية للزنجبيل    اختلاف التقييم في الأنظمة التعليمية    مهرجان الزهور أيقونة الجمال والبيئة في قلب القصيم    المتشدقون المتفيهقون    الإستشراق والنص الشرعي    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    أهم باب للسعادة والتوفيق    الفرصة المؤكدة و مغامرة الريادة في كفتي ميزان    أغرب القوانين اليابانية    «مزحة برزحة».. هل تورط ترمب ب«إيلون ماسك» ؟    سعرها 48 مليون دولار.. امرأة تزين صدرها ب500 ماسة    «مَلَكية العلا»: منع المناورات والقيادة غير المنتظمة في الغطاء النباتي    منتخبنا فوق الجميع    البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الثاني للجنة الوزارية السعودية- الفرنسية بشأن العُلا    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يستعرضان الشراكة الإستراتيجية    14% نموا في أعداد الحاويات الصادرة بالموانئ    أمن واستقرار المنطقة مرهون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة    اكتشاف تاريخ البراكين على القمر    محافظ محايل يتفقد المستشفى العام بالمحافظة    ضبط أكثر من 20 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    «واتساب»يتيح حفظ مسودات الرسائل    عروض ترفيهية    إطلاق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    السخرية    المؤتمر العالمي الثالث للموهبة.. عقول مبدعة بلا حدود    المملكة تستعرض إنجازاتها لاستدامة وكفاءة الطاقة    شارك في الطاولة المستديرة بباكو..الجاسر: 16 مليار دولار تمويلات البنك الإسلامي للمناخ والأمن الغذائي    تجاوز الدحيل القطري.. الخليج ينفرد بصدارة الثانية في «آسيوية اليد»    ضمن منافسات الجولة ال11.. طرح تذاكر مباراة النصر والقادسية "دورياً"    الابتسام يتغلّب على النصر ويتصدّر دوري ممتاز الطائرة    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    رحلة قراءة خاصة براعي غنم 2/2    الحكمة السعودية الصينية تحول الصراع إلى سلام    وطنٌ ينهمر فينا    المرتزق ليس له محل من الإعراب    ابنتي التي غيّبها الموت..    حكم بسجن فتوح لاعب الزمالك عاما واحدا في قضية القتل الخطأ    «الجودة» في عصر التقنيات المتقدمة !    ألوان الأرصفة ودلالاتها    وزير الرياضة يشهد ختام منافسات الجولة النهائية للجياد العربية    خطيب المسجد الحرام: احذروا أن تقع ألسنتكم في القيل والقال    أمير تبوك يطمئن على صحة الضيوفي    ختام مسابقة القرآن والسنة في غانا    المؤتمر الوزاري لمقاومة مضادات الميكروبات يتعهد بتحقيق أهدافه    الزفير يكشف سرطان الرئة    أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعترافات قاتل الشيخ راغب حرب وخاطف الشيخ عبدالكريم عبيد . حسين علي عباس في سجنه الدنماركي يفضح اختراقات اسرائيلية في الجسم اللبناني 2من 3
نشر في الحياة يوم 26 - 07 - 2003

تناولت حلقة الأمس وصفاً لعملية اغتيال الشيخ راغب حرب على لسان جاره، وسيرة الشيخ كما يرويها اصدقاؤه، خصوصاً مواقفه السلبية من الاحتلال الإسرائيلي وتحريضه الناس على المقاومة واندراجه في تشكيلاتها المبكرة. وقد رفض الشيخ راغب مصافحة ضابط اسرائيلي، ما اعتبر في حينه رسالة وطنية ذاع صداها في لبنان كله باعتبار ان "المصافحة اعتراف".
وفي جبشيت بلدة الشيخ راغب كان هناك شاب يعمل لإسرائيل هو حسين علي عباس تناولت حلقة الأمس نشأته وصورته كعميل ذائع الصيت في الشريط الحدودي المحتل سابقاً. وحسين علي عباس هذا هو الذي يقبع الآن في سجن في الدنمارك وكان بين المجموعة التي اغتالت الشيخ راغب تلبية لأمر الاستخبارات الإسرائيلية.
في ما يلي الحلقة الثانية:
مع دخول الاجتياح الاسرائيلي للبنان عامه الثاني، تصاعدت عمليات المقاومة اللبنانية ضد جيش الاحتلال وكان عام 1984 يحمل في طياته مفاجآت كثيرة. فالمقاومة اصبحت اقوى من السابق كما انها بدأت تأخذ شكلاً منظماً بفضل اسهام شخصيات جنوبية لها وزنها السياسي في لبنان امثال الشيخ راغب حرب، ببنائها. ولكن اسرائيل اتخذت قرار ازاحة الشيخ راغب نهائياً من الساحة الجنوبية، فبدأت تخطط لاغتياله. اعترف الضابط السابق في ميليشيا جيش لبنان الجنوبي حسين علي عباس انه شارك مع مجموعة من المتعاونين معه بقتل راغب حرب بعد تلقيهم اوامر من اسرائيل.
ولد حسين علي عباس في قرية والدته الخيام الجنوبية، وتنقل بينها وبين قرية والده جبشيت ومدينة صيدا حيث درس وعاش فيها بضع سنوات. بدأ تعامله مع اسرائيل وهو في سن مبكرة، اذ تولى مهمات متنوعة منها الحراسة وجلب المعلومات عن اهل قريته واهالي قرى الجنوب الاخرى. في مطلع الثمانينات استطاع ان يكسب ثقة الاسرائيليين، فتولى مهمات اعطاء التصاريح والتواصل مع عملاء اسرائيل من خارج الشريط الحدودي. انتقل حسين عام 1989 الى اسرائيل التي عاش فيها حتى نهاية 1991. في الرابع والعشرين من كانون الثاني يناير 1992 سافر عبر اسرائيل الى اسبانيا ومن ثم الى الارجنتين، وبعدها الى الدنمارك التي استقر فيها مع عائلته. يحمل حسين علي عباس تصريح اقامة دنماركية كلاجئ سياسي، وهو متزوج من اسرائيلية من عرب 1948 وأب لأربعة اولاد يعيشون مع والدتهم في الدنمارك. شارك في تلك الدولة الاسكندينافية بتأسيس "النادي الدنماركي الدولي" الذي يضم المئات من العرب المهاجرين وقسماً كبيراً من عناصر ميليشيا جيش لبنان الجنوبي المنحلة. وللنادي المذكور تاريخ حافل بعمليات الاجرام والابتزاز المالي والاتجار بالمخدرات والدعارة. اعتقل في الدنمارك قبل اكثر من سنة ونصف بتهمة الاتجار بالمخدرات، وصدر اخيراً حكم بسجنه لفترة ثماني سنوات.
يتباهى حسين بعمليات الاجرام والقتل التي قام بها، كما انه يتهجم على الذين تعامل معهم من اسرائيليين، وينعتهم بصفات شنيعة مختلفة، ويتهمهم بأنهم خانوه، ويفاخر بصلاته القوية مع عصابات الاجرام الدولية مثل المافيا الروسية و"ملائكة الجحيم" و"بانديدوس" الاسكندينافية.
من خلال المراسلات البريدية مع حسين علي عباس عن مصيره في تهم الاتجار بالمخدرات الموجهة ضده في الدنمارك، اعترف في احداها انه شارك في عملية اغتيال الشيخ راغب حرب. كان حسين وقتذاك موقوفاً بتهمة الاتجار بالمخدرات في سجن اورهوس خارج كوبنهاغن، ولم يكن صادراً بحقه حكم قضائي بعد، اذ كانت المحاكمة قائمة.
يمنع القانون الدنماركي لقاء الصحافيين مع المتهم خلال فترة التحقيق معه، اذ ان هناك مخاوف لدى القضاء ان يحصل الموقوف على معلومات تؤثر في اقواله قد تؤدي الى تبرئته. وفي كل الاحوال، يجب ان يوافق المتهم على لقاء اي صحافي كي تسمح السلطات القضائية بمقابلته في سجنه. الجدير ذكره ان السلطات القضائية في الدول الاسكندينافية، الدنمارك والسويد والنروج وفنلندا تحرص على تسهيل مهمات الصحافيين. بما ان حسين مسجون بتهمة الاتجار بالمخدرات وليس بقضية اغتيال الشيخ حرب فمن المفترض في حال موافقة حسين على المقابلة ألا تمنعني السلطات القضائية من مقابلته لانني لن اتحدث معه بالتهم المنسوبة اليه.
وصلت اول رسالة من حسين الى عنواني بالسويد في الخامس والعشرين من شباط فبراير، يوافق فيها على مقابلتي للتحدث عن عملية اغتيال الشيخ حرب، وجاء فيها: "أنا مسجون منذ نحو 16 شهراً وسوف امثل امام المحكمة بتاريخ 13/7/2003، وسيصدر بحقي حكم بتاريخ 14/11 بتهمة المخدرات"، ويطلب ان اتصل بمحامي الدفاع ستيغ ايلر جنسن كي يسهل لي تصريح الدخول الى السجن. ونصحني بأن انتظر الى ما بعد صدور الحكم لأتمكن من القيام بالزيارة "بدون تصريح من الشرطة". ويؤكد حسين في رسالته انه "سيتكلم معي عن كل شيء، وسوف اكون صريحاً ولا يهمني اي جهاز استخبارات اسرائيلي، وسوف اكشف كل الاوراق"، ويوقع الرسالة باسم "داني عبدالله، رئيس النادي الدنماركي الدولي". الجدير ذكره ان حسين اتخذ اسم داني عبدالله في الدنمارك ولا احد يعرفه هناك الا بهذا الاسم.
لم انتظر حتى يصدر الحكم بحقه، فأرسلت طلباً لمقابلته. ووعدني المحامي جنسن بالمساعدة، وقال ان الموضوع سهل وليس هناك اي مشكلة. ارسل المحامي طلبي الى محامي الدولة، وهو يقوم بدور مدع عام. ولكن هذا الاخير قال للمحامي انه من الافضل ان انتظر حتى صدور الحكم. وبرر محامي الدولة ذلك بأن زيارتي الى سجن حسين بحاجة الى ترتيبات طويلة، اهمها تأمين مترجم عربي دنماركي يجلس معي عندما اتحدث مع حسين ليترجم الحوار. وقال محامي الدولة انه لا يوجد امكان لتأمين مترجم خلال وقت قصير، لذا يفضل ان انتظر حتى صدور الحكم ومن بعدها من المفترض ان اقابله بدون مترجم ولا عناصر امنية.
اثناء انتظاري صدور الحكم وصتلني من حسين رسائل عدة متشابهة المضمون بأنه يريد مقابلتي ويعد بفضح اسماء عملاء اسرائيل والمجموعة التي نفذت عملية اغتيال الشيخ راغب حرب.
مطلع شهر نيسان ابريل الماضي صدر حكم بحق حسين علي عباس بالسجن ثماني سنوات بسبب الاتجار بالمخدرات.
توجهت الى الدنمارك لمقابلة حسين في سجنه بعد ان صدر الحكم بحقه.
بعد رحلة استمرت اكثر من سبع ساعات في القطار دخلت العاصمة الدنماركية وكلي امل بمقابلة حسين علي عباس. اتصلت فور وصولي بالمحامي ستيغ ايلر جنسن فقال لي ان حسين عيّن محامي دفاع جديداً اسمه نيلس تشو، واضاف مستغرباً: "طلبك رفضه المدعي العام. لم تحصل معي ابداً من قبل ان طلبت زيارة سجين صدر بحقه الحكم، يرفض".
اتصلت بمحامي حسين الجديد واستفسرت منه عن الموضوع، فكان فظاً في كلامه، وقال لي: "سوف اتكلم مع حسين لنرى ماذا يمكن ان نفعل". ولم يعطني وعداً بمقابلته. وبعد انتظار دام بضعة ايام في كوبنهاغن أبلغني المحامي الجديد نيلس تشو انه تكلم مع حسين "وهو يرفض مقابلتك" من دون ان يوضح السبب.
كان قرار العودة الى السويد لمتابعة الموضوع عبر الرسائل، وهي الوسيلة الوحيدة المتوافرة. رن جرس الهاتف وإذ بصوت يقول: "انا حسين علي عباس اكلمك من السجن عبر جهاز خلوي مهرب الى زنزانتي. انت فهمت خطأ على المحامي، فهو كان يقصد ان السلطات الدنماركية لا تسمح لك بالزيارة، وانما انا عند وعدي اريد ان اقابلك واتكلم معك بالموضوع". وقال انه سيرسل هذه المرة رسالة مفصلة عن عملية الاغتيال.
أرسل حسين بعد ايام من الاتصال رسالة من 16 صفحة يشرح فيها تفاصيل عملية اغتيال الشيخ راغب حرب. وكتب: "عندما دخلت اسرائيل الى قرية جبشيت استقبلها اهل القرية بالورد والرز"، ولكن الشيخ راغب حرب حارب تلك المعادلة "وأرسل مجموعات للقيام بعمليات عسكرية ضد الجيش الاسرائيلي قتلت اعداداً كبيرة من الجنود، وخطط لاغتيال مسؤولين من الحرس الوطني وعناصر من جيش لبنان الجنوبي. تصاعدت العمليات العسكرية على الجيش الاسرائيلي فقررت اسرائيل التخلص من الشيخ راغب حرب". ويشرح حسين ان اجتماعات عدة عقدت بين عناصر من الموساد وضباط في الجيش الاسرائيلي مع قياديين من ميليشيا "جيش لبنان الجنوبي" من بينهم حسين علي عباس شخصياً. يقول حسين ان تلك الاجتماعات التخطيطية التي استمرت لأشهر عدة جرت في "ثكنة زبدين وفي مركز الريجي وداخل اسرائيل. شارك في الاجتماعات الحاكم العسكري الاسرائيلي في منطقة صور ابو يوسف زبيده وأنا وشخص اسمه عباس كان مسؤول الحرس الوطني في جبشيت، وشخص آخر يدعى نبيل يعمل لمصلحة الاستخبارات الاسرائيلية وامرأة من آل ف. والمسؤول في جيش لحد فؤاد فحص".
لم يذكر حسين علي عباس في رسائله الاسماء الكاملة لعناصر المجموعة التي اوكلت اليها مهمة الاغتيال الا انه بعد إلحاح مستمر نجحت في اقناعه باستكمال المعلومات.
خرج صوته خافتاً عبر الجهاز الخلوي المهرب الى زنزانته، وقال: "المجموعة التي نفذت العملية كانت تتألف من خمسة اشخاص، انا وفؤاد فحص ونبيل شكيب حيدر وعباس بدر الدين وامرأة من آل ف. لا اريد ذكر اسمها". ولكنه عاد وأكد لي ان المرأة هي "فاطمة ح. ق. ف. من بلدة جبشيت".
يقول اهل جبشيت ان تلك المرأة معروفة فهي "كانت متزوجة من احد عملاء اسرائيل المعروفين في القرية، وبعد انسحاب اسرائيل من الجنوب اللبناني تركت التعامل مع العدو وتتعامل حالياً مع جهاز استخباراتي آخر".
يشرح حسين انه وصل الثلثاء في 14 شباط فبراير، اي قبل يومين من تنفيذ عملية الاغتيال الى قرية جبشيت، واجتمع مع بقية اعضاء المجموعة واتفقوا على الساعة الصفر للانطلاق بعملية الاغتيال. وشرح: "أوكلت مهمة مراقبة تنقلات الشيخ راغب حرب الى فاطمة ف. التي زودت جهازاً لاسلكياً للتواصل المستمر معنا. اما عباس بدر الدين - وهو مسؤول معروف في جيش العملاء - فتكفل بتأمين طريق الانسحاب للمجموعة التي ستنفذ العملية، كما انه عمل على اقفال طرق القرية. وعملية التنفيذ كانت من مهمتي الشخصية بالاشتراك مع نبيل شكيب حيدر وفؤاد فحص".
يقول حسين انه كان "مزوداً بندقية رشاش ام 16 من النوع القصير، ونبيل شكيب حيدر رشاش كلاشنيكوف، ولا اتذكر قطعة السلاح التي كانت في حوزة فؤاد فحص".
يتابع حسين انه في الاجتماعات التي عقدت مع الموساد الاسرائيلي اثناء التخطيط لعملية اغتيال راغب حرب شاركت فيها شخصية لبنانية معروفة على ساحة الجنوب. ويكشف ان تعامله لم يكن مقتصراً على الاسرائيليين فقط بل انه كانت له علاقة مع جهاز استخباراتي آخر. يشرح حسين انه اثناء تعامله مع اسرائيل "كنت انا وفؤاد فحص نتعامل مع جهاز المكتب الثاني اللبناني، وكنا نتقاضى راتباً شهرياً منه. كنا نزود المكتب الثاني في بيروت بتفاصيل الاجتماعات مع الاسرائيليين. كما اننا سجلنا وقائع الاجتماعات بطريقة سرية، وسلمنا نسخاً من التسجيلات الى المكتب الثاني. وعندما اوكلت مهمة الاغتيال لنا سلمنا المكتب الثاني التسجيلات الصوتية التي تؤكد نية اسرائيل في اغتيال راغب حرب".
انتظر حسين علي عباس ونبيل شكيب حيدر وفؤاد فحص قدوم الشيخ راغب حرب الى منزله الواقع فوق احد مرتفعات جبشيت. لكن الشيخ الذي اراد ان يسمع الاخبار القادمة من ايران اوقف سيارته قرب منزله وترجل منها الى منزل جاره الحاج محمود يونس. يقول الحاج يونس: "جلسنا مع الشيخ واستمعنا الى الاخبار، وتناول برتقالة، ثم بعد مرور 20 دقيقة خرج من المنزل". بعد خروجه من باب المنزل والتفافه نحو اليمين نزولاً باتجاه منزله الذي يبعد عن منزل جاره نحو 50 متراً، فوجئ الشيخ بإطلاق النار عليه وسقط مضرجاً بدمائه.
يقول حسين علي عباس انه لا يتذكر كم رصاصة اطلق على الشيخ، ولكن "كل ما اتذكره أننا اطلقنا النار عليه من الخلف. كنا نكمن له نحن الثلاثة خلف سور. لا اتذكر شكله لكنه يبعد نحو 50 الى 60 متراً عن منزله، ومجرد ان شاهدناه اطلقنا عليه النار". خرج الحاج محمود يونس على صوت أزيز الرصاص وشاهد جسد الشيخ منهاراً على ارض المدخل فصرخ "الله اكبر الله اكبر"، وحمل الشيخ الى سيارته لينقله الى المستشفى في النبطية. يقول الحاج يونس: "عندما رفعت جسده الطاهر عن الارض شعرت من خلال عباءته ان امعاءه خرجت من خاصرته وهذا ما يدل على ان الرصاصات اخترقت الجسد من الخاصرة او من الخلف". وهذا يؤكد ما يقوله حسين علي عباس أنه اطلق النار عليه من الخلف. ويضيف الحاج محمود يونس: "وضعت الشيخ في السيارة وانطلقت به الى النبطية، ولكن قبل الخروج من القرية وجدت ان كافة مخارج القرية مقفلة"، وهذه كانت احدى مهمات عباس بدر الدين، "لذا سلكت طريقاً رملياً الى مستشفى الحكمة". شاهد اهل القرية وقتذاك سيارة فيها ثلاثة اشخاص مسرعة خارج القرية. يقول حسين علي عباس: "بعد العملية ركبنا في سيارة ب ام 730 وتوجهنا بها على الفور الى زبدين". حسين علي عباس وبقية العملاء فروا الى الثكنة العسكرية الامنة في زبدين، والشيخ راغب حرب نقل الى المستشفى.
الدكتور عبدالامير شعبان الذي كان يدير مستشفى الحكمة عاين شرعياً جثة الشيخ، ويتذكر قائلاً: "كانت تربطني بالشيخ راغب حرب صلة صداقة، لذا فور ادخاله الى المستشفى عرفت ان الشيخ راغب حرب بين يدي"، في ذلك الوقت كانت القوات الاسرائيلية تحاصر مستشفى الحكمة وكأنها تريد التأكد من ان الشيخ راغب حرب فارق الحياة ولم يعد يشكل خطراً عليها. لا يتذكر الدكتور شعبان تفاصيل ما حصل اذ ان "الشيخ راغب حرب ادخل الى غرفة العمليات وكان قد فارق الحياة قبل ان يصل الى المستشفى، لذا لم اشخص حالة الوفاة، ولم يُطلب مني تقرير شرعي عن حالته. لا اتذكر كم رصاصة اخترقت جسده ولكن اعتقد بأن جسده كان ممزقاً بكمّ من الرصاص".
اعيدت جثة الشيخ راغب حرب الى قريته جبشيت حيث دفن وسط سخط الأهالي العارم. الجميع كان متأكداً من ان اسرائيل وراء عملية الاغتيال، ولكن لم يعرف احد من هم منفذو العملية، لذا انتشرت الاشاعات المختلفة عن هوية القتلة.
من المفترض ان اعترافات حسين علي عباس التي يدلي بها للمرة الاولى منذ تاريخ اغتيال الشيخ راغب حرب سنة 1984 تساعد في وضع النقاط على الحروف. ولكن بعد مرور نحو شهر ونصف شهر على عملية الاغتيال فاجأت قيادة حركة "امل" الوسط اللبناني بمؤتمر صحافي دعا اليه عضو المكتب السياسي ومسؤول الاعلام في الحركة الشيخ حسن المصري لكشف تفاصيل عملية اغتيال الشيخ راغب حرب. وفي صباح الثاني من نيسان ابريل 1984 اطل الشيخ حسن المصري على حشد من الاعلاميين في مقر حركة "امل" في منطقة برج البراجنة ضاحية بيروت الجنوبية والى جانبه شابان في مقتبل العمر، اعلن انهما من اغتال الشيخ راغب حرب. وقال الشيخ حسن المصري وقتذاك: "منذ ان بدأ الاستعمار في زرع بذور الشر في الجسم العربي بأداة سموها اسرائيل، بدأت المتاعب تحيق بشعبنا الجنوبي. ومنذ ذلك الحين وارض الجنوب تدفع الضريبة تلو الضريبة في خط المواجهة الاول عن الامة بكاملها... الا ان العدو استطاع التأثير على بعض ضعاف النفوس ممن اصاب عقولهم الطمع، فاستغل بعض نقاط الضعف وحاول تمرير كل مشاريعه العدوانية من خلال هؤلاء القلة الذين يندمون في آخر لحظة، حيث يتحقق لهم ان العدو انما استعملهم اداة لمطامعه، وانهم لا يخدمون الا العدو بهذه الاعمال على حساب شعبهم وارضهم وكرامتهم. ومن هؤلاء المغرر بهم هذان الشابان: محمد كامل بشر 24 سنة ورضوان الفقيه 18 سنة من بلدة جبشيت الماثلان امام اعينكم واللذان هما بتصرفكم، فاسألوا ما يحلو لكم وبحرية مطلقة". واعلن المصري وقتذاك ان بشر والفقيه اشتركا مع عدد آخر من الاشخاص في قتل الشيخ راغب حرب.
المعلومات التي قدمها كل من الفقيه وبشر لا تتطابق مع اعترافات حسين علي عباس، وهذا يعني امراً من اثنين، اما حسين علي عباس يدلي بمعلومات كاذبة، أو أن الفقيه وبشر أجبرا على الاعتراف.
في مكتب حركة "امل" في منطقة الجناح في بيروت، قال المصري لدى سؤاله عن مصير الشابين اللذين اتهما قبل 19 عاماً باغتيال راغب حرب، بعدما صمت قليلاً محاولاً ان يتذكر: "نعم، بالفعل، تمكنا وقتها من اعتقال قاتلي راغب حرب. اعتقد ان الحركة نفذت حكم الاعدام فيهما".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.