الاعلام السوري تحت المجهر الرسمي في هذه الايام. وللمرة الأولى "يُسمح" لصحافيين بتناول "شؤونهم الداخلية" وبالاقتراب من الخطوط الحمر لتطوير واقعهم بعدما تدخلوا في "شؤون الآخرين" بنقاشهم الاصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. هذا ما تدل اليه كل المؤشرات الصادرة عن المؤسسات الاعلامية الحكومية والخاصة. كانت آخر تلك المؤشرات سماح وزارة الاعلام بتداول مجلة "المحاور" التي خصصت عددها المزدوج 83/84 لعنوان واحد هو "سورية: اعلام العصر الحجري في القرن الحادي والعشرين". المجلة لبنانية الترخيص لكنها سورية الانجاز. هيئة تحريرها من خريجي كلية الاعلام في جامعة دمشق. اما كتاب المقالات فهم من العاملين في الاعلام الرسمي: تلفزيون وصحف. وهناك بعض "المعارضين" مثل المحامي انور البني الذي عنون مقالته "قانون المطبوعات الجديد: عقوبات واسعة ومشددة بتعبيرات مطاطة غير واضحة" في اشارة الى التشريع الذي صدر في العام 2001 وسمح بتأسيس صحف خاصة، من دون أي مساهمة لاعلاميين في نقاش مواده التي "رفعت سقف مدة السجن إلى ثلاث سنوات بعدما كانت سنة واحدة، وسقف الغرامات المالية إلى مليون ليرة سورية بعدما كانت ألف ليرة" أي عشرين الف دولار اميركي. وامل رئيس تحرير "المحاور" اياد عيسى في ان تطلع وزارة الاعلام ومجلس الشعب البرلمان ب"تمعن" على المقالة المتعلقة بالمرسوم التشريعي الخاص بالاعلام ل"بحث تعديله"، بعدما خصص مقالته ل"معاناة مراسلي وسائل الاعلام العربية والاجنبية". وتضمنت صفحات الملف الخمسين مقالات "من الداخل" تحدث فيها صحافيون عن تجاربهم المثيرة في العمل كان بينها مقال لسلمى كامل بعنوان "اتحاد الصحافيين السوريين: غياب الصحافي وهيمنة الدخلاء" وعدم قيام الاتحاد بلعب "أي دور" في حل مشاكل اعضائه. كما نشرت دراسة للخبير الاميركي كارل ادسفوغ بعد اجرائه دورة لعاملين في التلفزيون الرسمي لتحسين ادائه. وبعدما سأل في الدراسة: "هل تود سورية أن تشارك بصورة ناجحة في السباق العالمي لسوق الأفكار؟"، اجاب: "ينبغي عدم الانتظار حتى تفقد القيادة صبرها. عليكم أن تتوقعوا وتصدروا فوراً كل الموافقات الضرورية لتحسين نوعية بثكم التلفزيوني". وعلى رغم المقالات اللاذعة التي تضمنت اسماء وتفاصيل دقيقة، سمحت الوزارة بتداول نحو الفي نسخة من "المحاور" في غضون 24 ساعة من وصولها الى مديرية الرقابة. والواضح ان هناك قرارا بتطوير الاعلام. اذ تم تشكيل "لجنة تطوير الاعلام" ضمت مدير المكتب الصحافي في القصر الرئاسي فواز العمايري ومستشارين ومسؤولين في "الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون" ومديرة ادارة الاعلام الخارجية الدكتورة بثينة شعبان وضعت هذه اللجنة اقتراحات، بعد مناقشات داخلية واجتماعها مرات عدة مع مسؤولين كبار بينهم وزير الخارجية فاروق الشرع. والتوصية الاساسية: فتح باب التعبير المتعدد في الاعلام الرسمي وصولا الى اقناع الناس بأن مقالاته لا تعبر بالضرورة عن الموقف الرسمي، وتوسيع هامش القرار لدى وسائل الاعلام عبر الحد من سلطة "الوكالة السورية للانباء" سانا. وفيما قال عيسى ان الملف استهدف ايصال رسالة الى صانع القرار في الاعلام مفادها: "ان الكوادر الموجودة داخل المؤسسات الرسمية قادرة على صنع اعلام حقيقي اذا ما اتيحت الفرصة لها". وتحدث ياسين حج صالح الذي تحدث عن "معارضة" تنشط في "واقع افتراضي" هو الانترنت. تلك الشبكة التي شهدت في الفترة الاخيرة تأسيس مواقع ل"معارضين" وتوزيع بياناتهم ومقالاتهم عبر البريد الالكتروني سواء لجمع التواقيع او لايصال وجهات نظرهم. يبدو ان تطوير الاعلام هدف ذو اولوية للرئيس بشار الاسد حتى قبل انتخابه رئيساً قبل ثلاث سنوات. وتمثل بقرارات عدة في هذا السياق بينها اعطاء الحكومة الدكتورة شعبان صلاحيات واسعة للتعاطي مع الصحافيين الاجانب والمراسلين في اطار "الديبلوماسية العامة". وجاء السفير عدنان عمران وزيرا للاعلام في بداية العام الفين لتحقيق هذا الهدف بعد الاقتناع بأن فجوة كبيرة تفصل بين الخطابين الاعلامي والسياسي. وشهدت السنتان الماضيتان ترخيص نحو 40 دورية واحدة منها سياسية هي مجلة "ابيض واسود"، مع ترخيص اربع اذاعات خاصة غير سياسية، ما ابقى الحكومة عمليا مسيطرة على الاعلام السياسي اليومي منذ العام 1963 عندما تم "تأميم الاعلام" بإلغاء الصحف الخاصة في اطار "مركزية الاعلام" عبر تلفزيون واذاعة حكوميتين وثلاث صحف رسمية هي: "الثورة" و"تشرين" الحكوميتان و"البعث" الناطقة باسم الحزب الحاكم.