جزيرة الأدراج هيدرا، في اليونان أيّة نوافذ كانت مفتوحةً لاستقبال هواء البحر المجلوّ كمرآة آهة آتياً من الميناء في أسفل الأدراج حيث تنطلق السنونوات بين صواري السفن كمشة من النقاط والفوارز، حفنةً من الحروف والكلمات أطلقها من يده شاعر أعمى ليُجبّر عظامَ جملة ويكشف لنا فجأة معناها؟ وأنا الغريب النازلُ من أحد القوارب الى بياض الرخام في أشعة الشمس وامرأة تحمل جرّتها الملأى من بئر مسوّرة بالنرجس وتصعد الدرج، انها تختفي خلف باب أزرق آخذة في إثرها الزمانَ والعالم تاركة نظرتي اليتيمة تتلكأ على وجه المشلول المتهالك على عتبة الكنيسة يصلّي من أجل هذه الجزيرة، من أجل أهلها، أو من يدري من أجل من، وماذا... ويضربُ جبينه بالجدار، مرة بعد أخرى. وأنا الواقف في مكاني، حاملاً على ظهري حقيبة السفر ثمّة شيء حرّكني، ربما تلك النوافذ العالية لأمضي في طريقي، وأصعد الدرج. هنود الأباتشي يُقالُ أن هنود الأباتشي تلك القبيلة التي أبيدت تماماً ولم يبق منها سوى اسمها الذي أطلقوه على مروحيّة مشهورة بقدرتها الفائقة على الابادة كانوا، بعد أن صاموا طويلاً وأنهكَ الجوعُ أجسادهم، اذا ما سمعوا الأرض ترجفُ تحت أقدامهم، وعرفوا أن جواميس البوفالو قادمةٌ، يمتطون خيولهم دون سرج وينطلقون نحو القطيع. ما كان لمحاربٍ واحدٍ أن يشد قوسه بما تبقّى له من همّة في يده الضعيفة ومع ذلك فهو يقوّقُ سهمه في الوتر ويُردي الجاموس قتيلاً في القلب. فهنود الأباتشي كانوا يعرفون "الروح العظيمة" عندما تتجلى أمامهم، وتدعوهم الى المعركة * وهكذا الشاعر، هو المطوّق بصيحات القبيلة حين يجولُ بين العظام، ويمشي بين خرائب مدينته، يحلم أحياناً أن يحلّق كأيّ نسر فوق رؤوس القتلى والقتلة آملاً أن يُجندل بكلماته مخلوقاً رائعاً ممعناً في الهرب وأن يُنشبَ صنّارة خياله في لحم الفريسة. العَقربُ في البستان سوداءُ هي الاشكال الحاقدة في مرابع الطين، بين ممالك الطحلب اليابس بعد أن تخفَّ حرارة النهار، ويرتعَ الظلُّ كتاريخ حالك في تعريشة الباحة المتهدلة الأغصان على السّور: حديقةٌ تبرد كجوهرة تنزعها سيدة البيت وتُودعها صندوقها المبطّن بمخمل أسود في نهاية الحفلة. خشخشةُ عيدان يابسة، خيطُ رماد يتبدد كأنما على نفخة من فم إله أدرَد، واذا بالليل هو الليلُ كما لم يُليل من قبل: لادغةُ العقرب عالية ومعقوفة بينما تتقدم مثل جرّافة على الممشى لتخلط الاسمنت بالدم في ليلة صيف لتصلب القدَم على خشبة الأزمان الوقحة في مدخل الجحيم، على باب جنة مفقودة... أنتفض قافزاً من تأملاتي أنا الحافي القدمين في البُستانّ وأرمي تلك الجّرافة المبحرة في الهواء بأيّ شيء تطالهُ يدي بفُنجاني، قلمي، كتابي بانتفاضة، بتعويذة، بصيحة بحّاء بلعنة، بفَردة الحذاء.