التقى رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون في بداية زيارته الرسمية الى لندن امسوزير الخارجية البريطاني جاك سترو، وتركزت محادثاتهما على "خريطة الطريق" والعلاقات الثنائية. وتوجه سترو الى فندق "تشيرشل" في وسط لندن صباح امس لمقابلة شارون قبل ساعات من لقاء رئيس الوزراء الاسرائيلي المقرر في الليل مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير. وقالت مصادر رسمية ان مناقشات شارون مع سترو شملت سبل تنفيذ "خريطة الطريق" وفتح صفحة جديدة في علاقات بريطانيا مع اسرائيل بعد التوترات التي سادت بينهما لفترة طويلة. وحرص سترو، حسب المصادر، على ابراز الجوانب الايجابية المتعلقة بقبول شارون "خريطة الطريق" وضرورة تشجيع هذا التوجه الاسرائيلي الجديد، وتريد بريطانيا من ناحية اخرى ان يستمر التقدم الكبير الذي حققته العلاقات التجارية مع اسرائيل، اذ بلغت قيمة المبادلات التجارية بينهما خلال العام الماضي نحو بليوني جنيه استرليني. ويوضح المسؤولون البريطانيون انه اذا ما تحسنت الأوضاع الأمنية مع التقدم في عملية السلام فإن آفاق هذه الروابط الاقتصادية والتجارية ستتسع. ووصف الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية البريطانية، لقاء سترو مع شارون بالبناء. وقال ان البحث تركز خلال هذا اللقاء على قضية تعامل بريطانيا مع الرئيس ياسر عرفات، والتي أثارها رئيس الوزراء الاسرائيلي معتبراً الرئيس الفلسطيني "عثرة" في طريق تنفيذ "خريطة الطريق". غير ان سترو كرر موقف حكومته من عرفات، وهو الموقف الأوروبي ذاته الذي يعتبر الرئيس عرفات الممثل الرسمي والمنتخب للشعب الفلسطيني، بالاضافة الى كونه زعيماً فلسطينياً يملك قاعدة شعبية كبيرة ولديه القدرة الفعالة في التأثير على المواطنين الفلسطينيين وبالتالي يستطيع لعب دور مهم في تنفيذ "خريطة الطريق" وتقديم الدعم لرئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس. كما اكد سترو لرئيس الوزراء الاسرائيلي ان بريطانيا ليست لديها أي نية لقطع صلاتها مع الرئيس الفلسطيني ما دام هو الرئيس المنتخب. وأثار سترو قضية معاملة البريطانيين في اسرائيل وقضايا قنصلية اخرى مع رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي وعد بأنه سيعطي أوامره للجيش والمسؤولين لحل جميع هذه القضايا العالقة. وقال مسؤولون بريطانيون امس قبل ساعات من المحادثات التي اجراها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير مع نظيره الاسرائيلي ارييل شارون الليلة الماضية في لندن انهم يعلقون اهمية خاصة على المحادثات بالنسبة الى تنفيذ "خريطة الطريق" واحياء العملية السلمية بين الاسرائيليين والفلسطينيين على رغم العقبات الكبيرة التي لا تزال تعترضها. وعلى رغم الجو الودي والحفاوة التي لقيها شارون في لندن، إلا ان مصادر بريطانية مطلعة رأت ان بلير ووزير خارجيته جاك سترو سيمارسان ضغوطاً ديبلوماسية على رئيس الوزراء الاسرائيلي من أجل اعطاء قوة دفع للعملية السلمية وبناء الثقة باتخاذ خطوات مهمة مثل الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين والوقف الحقيقي لبناء المستوطنات، كذلك العدول عن بناء "الجدار الفاصل" بين الضفة الغربية واسرائيل. الذي سيؤدي الى عزل الأراضي الفلسطينية. ومن المقرر ان يكون شارون الليلة ضيف الشرف في مأدبة عشاء عمل يقيمها له بلير في عشرة داوننغ ستريت وتعتبر بمثابة اشارة واضحة الى رغبة الحكومة البرىطانية في إنهاء التوترات مع اسرائيل، خصوصاً بعد الحرب في العراق، واعلان "خريطة الطريق" وقبول اسرائيل المشروط لها. ويقول مسؤلوون بريطانيون ان الفرصة متاحة اليوم اكثر من أي وقت مضى من اجل تسوية النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي وان "خرىطة الطريق" تمثل أفضل خطة سلام لتحقيق ذلك. وقالت المصادر البريطانية نفسها ان بلير سيجدد خلال المحادثات التزام بريطانيا بالعمل مع شركائها الأوروبيين ومع الولاياتالمتحدة من اجل تنفيذ "الخريطة" وتقديم اي تسهيلات تساعد على تحقيق ذلك، ولكن المسؤولين البريطانيين يقرون بأن شارون يعلم ان "اللاعب الرئيسي" في العملية السلمية هو الرئيس الاميركي جورج بوش الذي أبدى بدوره التزاماً بالعمل في هذا الاتجاه. ويعرف المسؤولون الاسرائيليون ان علاقات بلير الخاصة والوثيقة مع بوش ساهمت في اخراج "خريطة الطريق" الى النور ولذلك فإنهم سيصغون الى كلام بلير باهتمام، خصوصاً قبل توجهه الى واشنطن، بعد أيام قليلة لمحادثات مهمة مع الرئيس الاميركي ستبرز خلالها قضية النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي الى جانب العراق. وكان شارون وصل الى لندن مساء الأحد في زيارة تستمر ثلاثة ايام هي الأطول التي يقوم بها لبريطانيا، والأولى منذ اكثرمن عام، وهي فترة شهدت فيها العلاقات بين البلدين توترات عدة، أهمها منع اسرائيل وفداً فلسطينياً رفيع المستوى من السفر الى لندن قبل نهاية العام الماضي لحضور مؤتمر رعاه بلير عن اصلاحات المؤسسات الفلسطينية واضطرت بريطانيا الى ان تقيم اتصالاً عن طريق الفيديو التلفزيوني مع وزراء فلسطينيين في الأراضي الفلسطينية بعد تعذر حضورهم، ما اعتبر بمثابة اهانة لبلير. وزادت التوترات بعدما استقبل بلير في لندن زعيم حزب العمل المعارض، عمرام متسناع قبل أيام من الانتخابات الاسرائيلية، وهو ما فسر على انه صفعة لحزب ليكود الحاكم ولشارون في تلك الفترة الحساسة. وبالنسبة الى الموقف من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، بعدما طالب شارون بريطانيا وأوروبا بمقاطعته، وزعم انه عقبة في طريق تنفيذ "خريطة الطريق"، يقول المسؤولون البريطانيون أنهم سيتفقون مع شارون على ان يختلفوا في هذا الموضوع على رغم التحفظات البريطانية على الزعيم الفلسطيني. وتقول الخارجية البريطانية بشكل صريح ان عرفات لا يزال اكثر الزعماء الفلسطينيين شعبية، ولذلك فإن بريطانيا ستطالب شارون برفع القيود الاسرائيلية عنه كخطوة تهدف الى المزىد من بناء الثقة مع الفلسطينيين. وسيثير بلير ايضاً مع شارون مسألة اطلاق اسرائيل النار على ثلاثة مواطنين بريطانيين في الأراضي الفلسطينية ومقتل واحد منهم. ووجهت مجموعة قانونية بريطانية تمثل منظمة لحقوق الانسان اتهامات صباح أول من امس الأحد ضد رئيس الوزراء الاسرائيلي. وتتضمن الاتهامات الموجهة الى شارون اشرافه على ممارسات غير انسانية ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك انتهاك حقوقه الانسانية الاساسية، وهدم المنازل وقتل المدنيين، بمن في ذلك نساء وأطفال. ومن بين التهم ايضاً اساءة معاملة السجناء وتعذيبهم. تظاهرات ونددت الرابطة الاسلامية في بريطانيا بزيارة شارون لبريطانيا ونظمت تظاهرة خارج 10 داوننغ ستريت مساء أمس بالاشتراك مع حملة التضامن مع فلسطين وجمعيات اخرى. كذلك نددت بزيارة شارون جماعة "نيتوري كارتا" اليهودية الارثوذكسية وشجبت الاعتراف والتعاون مع "الكيان المارق" المعروف ب"اسرائيل" من جانب حكومة المملكة المتحدة. واضافت "نيتوري كارتا" في بيان تلقته "الحياة": ان ممثليها سينضمون الى الفلسطينيين وجميع من يتعاطفون مع قضيتهم في تظاهرة ضد اقامة بلير مأدبة عشاء لشارون.