يمكن إعطاء وصفين أولين لقيادة "حركة الوفاق الوطني" العراقية التي أعلن تأسيسها رسمياً عام 1991، وهي أن معظمهم شيعة عراقيون، وأنهم بعثيون سابقون، خرجوا من الحزب على فترات متفاوتة، وهذا الخروج باشره الأمين العام للحركة الطبيب العراقي أياد علاوي في العام 1973، وعلاوي كان في حينها المسؤول الطالبي الأول في الحزب. قصد علاوي في حينها بيروت لاعتبارين، الأول أن القيادة القومية لحزب البعث كانت في العاصمة اللبنانية، والثانية أن والدته من عائلة عسيران الشيعية اللبنانية. وعلاوي الذي يقول إنه لم يلق آذاناً صاغية من القيادة القومية لشكاواه على القيادة القطرية في العراق والمتمثلة بصدام حسين وأحمد حسن البكر، ترك بيروت إلى لندن ليكمل تخصصه في الطب، وليتابع من هناك نشاطاً سياسياً معارضاً أدى إلى تعرضه إلى أكثر من محاولة اغتيال كان آخرها عام 1978 حيث أصيب إصابات بالغة، علماً أنه لم يقدم استقالته من الحزب إلا بعد انتقال القيادة القومية من بيروت إلى بغداد. وفي السنوات الأولى لوجوده في لندن انتخبه القيادة القومية مسؤولاً لمنظمات البعث الخارجية. وعلاوي من عائلة بغدادية شيعية معروفة بأنشطتها التجارية، وهو ابن لطبيب أيضاً، وعمه الدكتور عبد الأمير علاوي الذي كان وزيراً للصحة في العهد الملكي. "حركة الوفاق الوطني"، كالكثير من القوى العراقية، بدأت نشاطها الرسمي بعد غزو العراق للكويت، وتحديداً بعد هزيمة النظام العراقي آنذاك. فهذا التاريخ سيشكل بداية أفق للكثير من الشخصيات العراقية التي تنتظر قرب انهيار النظام في العراق. وفي عام 1991 التقى علاوي مع مجموعة من رفاقه السابقين وأعلنوا تأسيس الحركة ومن أبرز وجوهها: - الدكتور تحسين معلا، وهو طبيب نجفي وبعثي سابق ومن الأطباء الذين اشتركوا في علاج صدام حسين بعد إصابته أثناء محاولته اغتيال عبد الكريم قاسم. - الدكتور صلاح الشيخلي وهو أول رئيس لجهاز الإحصاء المركزي في العراق، وبعثي سابق. - سليم شاكر الإمام من مدينة الحلة الشيعية، وهو عقيد سابق في الجيش العراقي سجن خمس سنوات وأصيب بالصمم جراء ذلك. - نوري البدران الذي انضم لاحقاً إلى قيادة الوفاق، وكان عام 1991 سفيراً للنظام في موسكو، واختار الانشقاق بعد غزو الكويت، والتحق بقيادة الوفاق في لندن. وهو من مدينة البصرة. ولعل الخروج الوحيد عن قاعدة شيعي- بعثي التي تحكمت بالتشكيل القيادي للوفاق، تمثلت في الفترة التي قضاها صلاح عمر العلي في هذه القيادة، ولكنه ما لبث أن أعلن خروجه منها. فالعلي بعثي وسفير النظام السابق في الأممالمتحدة، ولكنه تكريتي وسني، وربما كان لخروجه من الوفاق علاقة ما بهذا الخروج عن القاعدة الوفاقية. المرحلة التي أعقبت تأسيس الحركة مثلت نجاحاً نسبياً للحركة في الوصول إلى مراكز القرار الدولي، وتحديداً إلى واشنطنولندن. فتسعينات القرن الفائت كانت عقد تدويل القضية العراقية، وانقطاع الحركات والأحزاب عن العمل المباشر على الساحة العراقية دفع بها إلى المراهنة على قوى دولية، علماً أن الوفاق، وبحكم بعثيتها وخروج الكثير من قياداتها من رحم النظام العراقي، تمتعت بنفوذ ملحوظ في أوساط أجهزة الدولة العراقية، وتعاملت القوى الدولية معها على أساس أن لا قوة نفاذ إلى مراكز قوى في العراق لا تتمتع قوى أخرى بقوة النفاذ إليها. هكذا، وبناء على نصيحة بريطانية، قبل الملك حسين عام 1996 بفتح مقر للحركة في عمان، وقبل هذا التاريخ بقليل كانت الحركة بادرت إلى فتح مكاتب لها في شمال العراق، وفي دمشق، وبدأت من هذه المواقع القريبة من العراق حركة اتصالات مع الداخل، والوظيفة الأولى لهذه الاتصالات تمثلت في تعزيز تأثير الحركة في المحافل الدولية، فقيادة الوفاق بدأت نشاطها مدركة أن غياب العمل المباشر على الساحة نقل المراهنة من الداخل إلى الخارج. ويؤكد مسؤولون في الوفاق أن الحركة لعبت دوراً في اتصالات قامت بها قوات التحالف مع عدد من الوحدات العراقية، أدت إلى تحييد هذه الوحدات عن ساحة الحرب وسهلت عملية إسقاط النظام، وهذا الأمر أتاحته العلاقات التي تربط قيادة الحركة بعدد من المسؤولين العراقيين في النظام السابق. باشرت الحركة، بحسب ما يؤكد مسؤولون فيها، التحضير لمؤتمر للتحول إلى حزب عراقي، يفتح فيه باب الانتساب، فهي إلى الآن لا تملك بنية حزبية وذلك لاعتبار سياسي هو أنها حركة برنامج لا حركة دعوى إيديولوجية. وتطلب الحركة تقديم الهوية العراقية على ما عداها من الهويات الفرعية الأخرى سواء كانت طائفية أو قومية، ولهذا تتحفظ عن مبدأ الفيديرالية، ويقول مسؤولوها "عندما يكون العراق ديموقراطياً فما الحاجة إلى تقديم الضمانات للهويات المختلفة". للحركة اليوم في بغداد ثلاثة فروع أساسية في الكرخ والرصافة والمقر العام حيث مكتب أمينها العام أياد علاوي الذي نفى ل"الحياة" الجذر البعثي لحركته، مؤكداً أن انتماءه السابق مع بعض قياديي الحركة لحزب البعث هو الذي أوحى بذلك. وأكد علاوي عدم وجود أي علاقة فكرية مع حزب البعث. ودعا إلى عدم معاقبة البعثيين لانتمائهم إلى البعث، وإنما يجب أن يحاكم من قاموا بارتكابات من مسؤولي النظام والحزب. واعتبر أن البعث كفكر وكتنظيم لم يعد يصلح للوجود. ولفت إلى أن العراق الجديد يجب أن يبنى على أساس مصلحة العراق أولاً، هذه المصلحة التي قد تجد في اليابان مثلاً شريكاً أقرب من موريتانيا، والعلاقات المائية مع جار كتركيا تفوق بأهميتها بالنسبة للعراق العلاقات مع السودان. ويضيف: "نقول إن المسألة الوطنية مسألة مهمة ومركزية، والقفز فوق هذه الحقيقة ارتكبته القوى القومية دائماً ومنها نحن عندما كنا بعثيين، إذ كنا نعتبر أن مصلحة الأمة فوق المصالح الوطنية الضيقة، ونسينا مسألة بناء الوطن".