يختلف كتاب الزميل طلعت شاهين "الأدب الاسباني المعاصر بأقلام كتّابه" عن الكتب المماثلة الصادرة باللغة العربية، بأن مؤلفه اختار مقطوعاته وترجمها وحررها انطلاقاً من منهجية محددة الهدف، منها تقديم صورة عامة عن الأدب الاسباني في أطيافه ومدارسه المتنوعة. والزميل طلعت ليس غريباً عن الأدب الاسباني، إذ صدرت له من قبل مجموعة واسعة من الترجمات القصصية والشعرية، ليس فقط من اسبانيا التي عاش فيها مدة طويلة، وإنما أيضاً من أميركا اللاتينية حيث استطاع الكتّاب هناك ادخال أبعاد جديدة مهمة على آداب اللغة الاسبانية. والكتاب الجديد، يصدر وفق منهجية محددة لها علاقة بمشروع كنا عكفنا عليه، الزميل مصطفى زين وأنا، عندما كنا نشرف على ملحق "آفاق" في "الحياة" ويهدف الى التعريف بآداب الشعوب من خلال النقد والترجمة. واستطعنا بالتعاون مع مجموعة مهمة من الزملاء تحقيق جزء منه فقط... أما الجزء الآخر فلم يتحقق لاعتبارات خارجة عن نطاق السيطرة، للأسف. الفكرة ببساطة هي الآتية: تعكف دور النشر العربية على ترجمة أعمال مهمة من الآداب العالمية، وهي تفعل ذلك إما مدفوعة بأهمية العمل نفسه، أو لأن صاحبه الأصلي حظي من الشهرة بما يجعل الترجمة عملية مربحة تجارياً، خصوصاً في حال فوز المؤلف بإحدى الجوائز العالمية مثل "نوبل" للآداب مثلاً. وكنا نشعر، ومعنا زملاء في العواصم الأوروبية المختلفة، ان هذه الترجمات لا تعطي القارئ العربي صورة واضحة وشاملة عن أبعاد العطاءات الأدبية في البلدان المعنية. ناهيك بأن الترجمات كثيراً ما تركز على "الآداب الأساسية"، حتى بتنا نجهل ثقافة أقرب الأمم الينا، مثل تركيا واليونان وإيران وباكستان والهند، إضافة طبعاً إلى روسيا الجديدة وألمانيا وأميركا اللاتينية وغالبية دول افريقيا وآسيا. مشروعنا في "آفاق" كان أن يتولى عدد من الزملاء في اسبانيا وإيران وروسياوتركيا وألمانيا وأستراليا واليونان، في المرحلة الأولى، إعداد ملفات متكاملة عن أنواع الآداب في البلدان الموجودين فيها، وذلك بالتعاون مع أبناء البلد. المهم في الموضوع أن تغطي المقطوعات المختارة كل الأنواع الأدبية من الشعر إلى الرواية فالقصة القصيرة فالمسرح فالنقد... وما إلى ذلك. هذا إلى جانب ضرورة أن تعكس المختارات المعدَّة للنشر حقيقة التيارات الثقافية في كل بلد. كان الزميل طلعت من أول المؤيدين للمشروع وأكثرهم حماسة، وساعدته في ذلك علاقاته الوثيقة مع أهم الأدباء والمثقفين والمفكرين الاسبان. وما إن أنهينا وضع الخطوط العريضة للمشروع، حتى انطلق في مهمته بالتنسيق مع عدد مهم من الأدباء الاسبان ليختار مجموعة واسعة من الأنواع الأدبية، كان حريصاً جداً على أن تكون معبرة فعلاً عن اتجاهات الأدب الاسباني في مدارسه المتباينة. وكانت النتيجة ملفاً معمقاً شاملاً نشر على حلقتين في "آفاق" وشكّل عملياً النموذج الذي كنا نطمح إليه في مشروعنا. والكتاب الذي أصدره الزميل طلعت في إطار "المشروع القومي للترجمة" في القاهرة، يتضمن كل ما نشر في "الحياة" مع زيادات عدة لم يتح لنا المجال لنشرها في ملفي "آفاق". تضاف إلى ذلك أيضاً مجموعة من النصوص الابداعية التي تهدف إلى تدعيم الكتابات النقدية وتزويد القارئ العربي النماذج المعبرة عن الأدب الاسباني المعاصر. يقول المؤلف في مقدمة الكتاب: "في محاولة لتبين الحقيقة في الوقت الراهن الذي يمر به الابداع في الثقافة الاسبانية المعاصرة، وتقديم صورة أقرب إلى الوضوح للقارئ العربي، كان لا بد من تكليف مجموعة من كتّاب أو نقاد تلك الثقافة أنفسهم ليقدموا لنا رؤيتهم الى لحظة الابداع الراهنة في بلادهم، وكل منهم في مجال تخصصه، في الشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرح والنقد التطبيقي والتنظير النقدي أيضاً". ميزة الملف الذي أعده الزميل طلعت، وصدر الآن في كتاب موسع، أنه اعتمد على كتّاب اسبان بالذات. والهدف من ذلك هو الوقوف على طبيعة رؤية هؤلاء إلى أدبهم في لحظته الراهنة، وفي سياقه الثقافي والاجتماعي والسياسي كذلك. فهم أقدر من غيرهم على توضيح المفاصل الحيوية في الابداع الأدبي الثقافي الفكري، وعلى تحديد الأسماء التي لعبت أو يمكن أن تلعب دوراً حيوياً في رسم صورة الأدب الاسباني المعاصر. وفي الختام، ليس أفضل من فقرة وضعها الزميل طلعت في مقدمته لتعبر عن المهمة التي أداها الملف والكتاب لاحقاً: "ونعتقد أن تلك المقالات ... تقدم صورة واضحة وترسم خريطة متكاملة للأدب الاسباني المعاصر، مرسومة بأقلام متخصصين، مهمتهم الأولى متابعة هذا الأدب والتعريف به. وحتى تكتمل الصورة تماماً أمام القارئ، وضعنا نماذج من الابداع الشعري والقصصي والروائي حتى يمكن القارئ أن يكون اطلاعه على أدب تلك الثقافة أقرب إلى التكامل، وإن كان من المستحيل أن يتمكن أحد من وضع كتاب يقدم خريطة الابداع الاسباني في شكل كامل". الذين يبحثون في هذا الكتاب عن الأسماء الرنانة الطنانة سيخيب ظنهم بلا شك، لكن الساعين إلى معرفة مدارس الأدب الاسباني المعاصر وتياراته الأساسية سيجدون فيه ما يقدم صورة بانورامية لذلك الأدب، وهي صورة يمكن أن تشكل قاعدة صلبة لمزيد من الاطلاع والمعرفة.