سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تقرير البنك الدولي عن التجارة والاستثمار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا . انهاء احتكار رخص الاستيراد والجرأة والشمولية ضروري لإنجاح برامج الاصلاح في الشرق الاوسط 3 من 3
أكد البنك الدولي على أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تملك امكانات تجارية واستثمارية هائلة من شأن استغلالها، حتى وان جزئياً، المساعدة في حل مشكلة البطالة وتوفير ملايين الوظائف لطالبي العمل الجدد. لكنه شدد على أن نجاح دول المنطقة، أي الدول العربية وايران، في التعامل مع التحديات التي تواجهها سيتوقف على تطبيق اصلاحات تقود الى بناء نمط جديد من النشاط الاقتصادي بعيداً عن نمط قديم أثبت فشله. قال كبير المحللين الاقتصاديين لدى البنك الدولي لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مصطفى نابلي في بيان ل"الحياة"، ان مواجهة التحديات الماثلة أمامها يتطلب من "دول المنطقة تعميق الاصلاحات التي شرع عدد منها في تطبيقها وصولاً الى احداث ثلاثة تحولات أساسية في مصادر نموها: التحول من القطاع النفطي إلى القطاعات غير النفطية، ومن النشاطات التي تهيمن عليها الدولة الى نشاطات تقودها السوق، ومن نشاطات محمية تستهدف استبدال الواردات الى نشاطات ذات توجهات تصديرية وتنافسية". ولفت نابلي الى أن دولاً عربية خطت خطوات مهمة في الاتجاه الصحيح من ضمنها توثيق عرى شراكاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي والسعي لحفز تجارتها البينية عبر اتفاق تأسيس منطقة تجارة حرة وكذلك الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون علاوة على بذل جهود لتوسيع المشاركة العربية في منظمة التجارة الدولية واتفاق التبادل الحر بين الأردن وأميركا واحتمال عقد دول عربية أخرى اتفاقات مماثلة في المستقبل القريب. لكنه لاحظ أن المحصلة المتحققة حتى الآن ليست عند المستوى المأمول اذ ان "مناخ التجارة والاستثمار في المنطقة يبدو، عند مقارنته ببقية أرجاء العالم، ضعيفاً بصورة قاطعة" وشدد على أن "الاصلاحات ينبغي أن تتجاوز الاجراءات السطحية في ما يتعلق بسياسات التجارة عبر الحدود، وأن تتعدى مجرد التوقيع على اتفاقات تجارية متعددة الأطراف، كما كان شأن الاصلاحات الاقتصادية في عقد التسعينات من القرن الماضي، كذلك لا بد من احداث اصلاحات أكثر عمقاً في السياسات المحلية". وكان المحللون الاقتصاديون في البنك الدولي خلصوا في تقرير رئيسي الى أن التجارة ستكون مصدراً أساسياً للنمو وتهيئة فرص العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العقد الجاري والعقود المقبلة، لكن نجاح برامج اصلاح التجارة يتوقف على تحقق عوامل أساسية يأتي في مقدمها جرأة الطرح والشمولية وسرعة التطبيق والحد من رخص الاستيراد واحتكارها من قبل الأفراد والفئات وازالة القيود المعيقة للاستثمار سيما أن تجاوب المستثمرين يعتبر العنصر الأكثر حسماً في تقرير نجاح هذه البرامج أو فشلها. وقسم التقرير دول المنطقة الى ثلاث مجموعات ذات تجارب متباينه مع مجال اصلاح التجارة، وشملت المجموعة الأولى الدول الفقيرة بالموارد الطبيعية: مصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس، وضمت المجموعة الثانية البلدان الغنية باليد العاملة والموارد: الجزائر وايران وسورية واليمن، بينما تألفت المجموعة الثالثة من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي وهي السعودية والامارات والبحرين والكويت وقطر وسلطنة عمان. وأحرزت مجموعة الدول الفقيرة الموارد، وعلى رغم وجود بعض الفروق في ما بينها، تقدماً نسبياً في مسارها العام باتجاه اصلاح نمط تجارتها وتواجه الآن تحدي الانتقال الى مرحلة أكثر حسماً وصدقية، حسب معدي التقرير الذين أشاروا الى أن هذه البلدان منحت صناعاتها الوطنية زهاء عقد من الزمن للتأقلم ولم يعد ثمة مبرر ل"التدرجية"، ونبهوا بشكل خاص الى أن التطبيق المتدرج في حال بعض الواردات شجع الشركات على الاستثمار في القطاعات المحمية، ما ساهم في بقاء العوائق في وجه التجارة الحرة على حالها. وحض البنك الدولي في تقريره على الاستفادة من تجارب الاقتصادات النامية في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ حيث أتاح تسريع وتيرة الاصلاحات التجارية تحقيق مكاسب ضخمة، ولفت الى أن اتجاه دول المجموعة الأولى في هذا المنحى سيمكنها من احراز نتائج سريعة وملموسة من شأنها كسب التأييد الشعبي وبالتالي الصدقية المطلوبة لعملية الاصلاح علاوة على تخفيف الضغوط الهائلة التي تتعرض لها لتوفير فرص العمل في أسواقها المحلية. وطرح البنك على دول المجموعة توصيات مفصلة شملت، بعد التأكيد على ضرورة أن تكون سياسات أسعار الصرف داعمة لعملية الاصلاح، اجراء خفوضات كبيرة في القيمة الاسمية للعملات الوطنية لمساندة الصناعات الموجهة للتصدير علاوة على تسريع خطوات خفض التعرفات والاصلاح الجمركي وكذلك تسريع عملية تخصيص أجزاء منتخبة من القطاع الخدمي وبشكل خاص الاتصالات والخدمات المالية والتعليم والصحة والنقل الجوي. وبالمقارنة مع المجموعة الأولى رأى المحللون الاقتصاديون في البنك أن الدول الغنية باليد العاملة والموارد الطبيعية أي الجزائر وايران وسورية واليمن التي تشكل المجموعة الثانية، تواجه تحدياً أشد تعقيداً في الانتقال من نمط اقتصادي يقوده القطاع العام ويتمتع بحماية كاملة ضد المنافسة الى نمط منفتح تحكمه قواعد السوق، وعزوا سبب ذلك الى أن عملية الاصلاح ستضطر للبحث عن التأييد المطلوب لإنجاحها لدى الخاسر الأكبر من هذه العملية وهي المؤسسات العامة. لكنهم رأوا أن الوضع الهش للاقتصاد الدولي وانعكاساته السلبية على اقتصادات المنطقة ساهما في تعاظم الضغوط لصالح التغيير، مشيرين الى أن أحد أبرز عوامل الضغط يأتي من أسواق العمل في دول المجموعة الثانية حيث أثبت النمط الاقتصادي القديم فشله في تهيئة فرص العمل ما دفع معدلات البطالة الى مستويات شديدة الارتفاع وساهم في الوقت نفسه في خفض الأجور. وأشاروا الى أن انخفاض نصيب الفرد من عائدات صادرات النفط لا يشكل عاملا اضافيا للضغط فحسب، بل يساهم في جعل الاصلاح أمراً محتماً. ووجد المحللون أن من المشجع أن غالبية دول المجموعة الثانية ولجت مسار الاصلاح بل اتخذت الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح والمتمثلة في العمل على تأمين الاستقرار الاقتصادي الكلي بالاعتماد على مستويات معقولة من أسعار النفط. وبالنسبة للمجموعة الثالثة أكد المحللون أن دول مجلس التعاون تواجه تحديين أساسيين على الصعيد الاقتصادي أولهما تنشيط نمو القطاعات غير النفطية لتوفير وظائف مناسبة ل70 في المئة من مواطنيها ممن هم تحت سن 30 عاماً، وثانيهما الحد من أثر تقلبات أسعار النفط في اقتصاداتها، وقالوا: "ان دول المجلس بذلت جهوداً طيبة في هذين المجالين لكن لا تزال هناك تحديات، إذ أن دخل الفرد في السعودية انخفض من 17 ألف دولار أوائل الثمانينات الى نحو 9 آلاف دولار وهو انخفاض يكاد يكون غير مسبوق". ولفتوا الى أن دول مجلس التعاون أطلقت اصلاحات عميقة تعد بتعزيز جهودها في مواجهة التحديين الأساسيين المشار اليهما وتسريع اندماجها في الاقتصاد الدولي، وفي مقدمها الاتحاد الجمركي الذي دخل حيز التطبيق مطلع السنة الجارية ويدعمه 335 بليون دولار من النواتج القومية للدول الأعضاء، مشيرين الى أن الهدف النهائي لهذا الاتحاد يتمثل في اقامة وحدة متجانسة من شأنها تسهيل التجارة البينية والمفاوضات الجماعية مع منظمة التجارة الدولية والشركاء التجاريين اضافة الى جذب الاستثمار الدولي. وبالنسبة للتجارة رأى المحللون أن دول مجلس التعاون تواجه تحديات في أربعة مجالات متداخلة أهمها أوضاع سوق العمل والدعم الحكومي للخدمات والأجور وتخصيص القطاعات غير النفطية. ولفتوا في ما يتعلق بالمجال الأول الى أن أسواق العمل في الدول الأعضاء تعاني من جمود الأجور وانعدام التوافق بين المهارات المتاحة والمطلوبة، وخلصوا الى التنبيه الى أن سياسات استبدال العمالة الوافدة قد يكون لها مفعول سلبي في المدى البعيد من واقع أن نمو القطاعات غير النفطية يتطلب توافر العمال المهرة والمرونة في الأجور. واختتم البنك الدولي تقريره بلفته دراماتيكية تمثلت في حض الشركاء التجاريين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا سيما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، على اعادة النظر في التحديات التي تواجهها دول المنطقة ومن ضمنها الآثار الكارثية للحروب والنزاعات والعقوبات التي أحدثت أضراراً كبيرة في التكامل التجاري والاستثماري لهذه الدول وقضت على ما يراوح بين 2 و3 في المئة من المعدلات السنوية لنمو اقتصاداتها في العقدين الماضيين