كانت الخطة التي عرضها وزير الخارجية الاميركي كولن باول في الخطاب الذي طال انتظاره والقاه في جامعة لويزفيل بولاية كنتاكي في 19 تشرين الثاني نوفمبر اول ضحية رئيسية لعملية التفجير الانتحارية في حيفا والقدس بعد ذلك بأحد عشر يوماً، في 1 كانون الاول ديسمبر. وتحول الحدث، الذي وصفته وسائل الاعلام الاسرائيلية باعتداء "البرجين التوأمين" الخاص باسرائيل مع مقتل 25 شخصاً واصابة اكثر من 100 آخرين بجروح، الى منطلق لشن هجمة شاملة على ياسر عرفات، وهو اختزال مناسب يُقصد به الحركة الوطنية الفلسطينية. واصبح عاملاً محفزاً لاحداث تحول جذري في المشهد السياسي والديبلوماسي في الشرق الاوسط، بعيداً عن استئناف المفاوضات. ولم تقدم التفجيرات الانتحارية خدمة مباشرة للجنرال شارون فحسب، اذ سارع الى الاعلان بأن عرفات يمثل بن لادن بالنسبة الى اسرائىل فيما تلعب السلطة الفلسطينية دور "طالبان"، بل انها سمحت له بتجنيد جورج دبليو بوش ووزير خارجيته المحسوب على الحمائم في "الحرب ضد الارهاب" التي تشنها اسرائىل. ولم تعد ادارة بوش تكتفي بالادانة المعتادة ل "العنف" الفلسطيني، الذي رُفع الآن الى مصاف "الارهاب"، بينما تدعو اسرائيل الى ضبط النفس. فقد اُعطي الضوء الاخضر الاميركي لأن تنتقم اسرائيل من عملية "حماس" من دون قيود في ما يتعلق بتحديد اهداف متناسبة او تعريف الجهة المسؤولة فعلاً. واصبح عرفات، وليس "حماس"، المجسّد للحركة الوطنية الفلسطينية، الهدف الحقيقي لشارون. فبخلاف "حماس"، التي تقدم لشارون ذرائع جاهزة لمشروعه الاستيطاني، يمثل عرفات بنية تحتية وهوية علمانية قومية ودولة في طور التشكّل، تشبه كثيراً ما كان لديه في 1982 في بيروت، ما يجعل هذه الجولة الجديدة بمثابة جولة شارون الثانية. واصبحت رموز عرفات السيادية، التي اظهر تعلقاً مفرطاً بها خلال عملية اوسلو على حساب الحقوق القومية، وبضمنها المروحيات ومدرجات المطارات ومقرات الشرطة، هدفاً لعمليات تدمير بلا رحمة بمنأى عن العقاب. وتعرض مكتب الاحصاء المركزي التابع لسلطته في البيرة الى السلب والنهب، على نحو يشبه كثيراً ما فعله جنود شارون بمركز الابحاث الفلسطينية في بيروت قبل 19 عاماً. فالمعلومات الاحصائية عن الارض والديموغرافيا قد تكون اكثر فتكاً بالنسبة الى دول الاستيطان الاستعمارية من عمليات التفجير الانتحارية. وبعد مضي اكثر من اسبوع على التفجيرات الانتحارية في 1 كانون الاول ديسمبر، لم يتمكن اي مسؤول اميركي، بمن فيهم اولئك الذين اوفدوا الى المنطقة في اعقاب خطاب باول في كنتاكي، الذي طغت عليه حملة العلاقات العامة الاسرائيلية، من التصريح بأي شيء جدي عن الخطاب او حتى ترديد الكليشيه بشأن العودة الى مائدة المفاوضات. ففي اطار حادث "برجين توأمين" مصغر آخر، يصبح اي حديث عن الديبلوماسية شيئاً محرماً وتجديفياً. ماذا سيحدث اذاً ل"مشروع" باول؟ هل سينهي، كما كان مؤملاً، 31 عاماً من الفشل الديبلوماسي الاميركي، او انه سينتهي الى كومة الاقتراحات السابقة التي لم يكتب لها النجاح ولم تتحقق، مثل مشروع روجرز 1969 ومحاولات كارتر لعقد مؤتمر دولي حول الشرق الاوسط 1977 ومشروع ريغان 1982 ومشروع شولتز 1988 ونقاط بيكر 1989 ومحادثات كامب ديفيد الثانية وطابا الأحدث عهداً؟ خلال اقل من اسبوع على ما اعلنه باول في لويزفيل، وقبل التفجير الانتحاري في 1 كانون الاول ديسمبر، تمكن الجيش الاسرائيلي وفرق الاغتيال من قتل 12 من المدنيين الفلسطينيين، من ضمنهم محمود ابو هنود احد كبار قادة "حماس" وخمسة اطفال من عائلة الأسطل كانوا في طريقهم الى المدرسة. ولم يُربط اطلاقاً، سواءً من جانب وزير الخارجية الاميركي او وسائل الاعلام الاميركية المتواطئة، بين عملية اغتيال ابو هنود، التي نفذت على نمط العصابات، والتفجيرات الانتحارية الانتقامية التي اعقبتها في حيفا والقدس. هكذا، غضّت واشنطن ووسائل الاعلام النظر عن حقيقة ان عملية الاغتيال، التي اصدر شارون ذاته الأمر بتنفيذها، ستنهي الالتزام الذي كانت "حماس" قطعته لعرفات بوقف التفجيرات الانتحارية. وكان الدور غير المباشر لشارون في التفجير الانتحاري يذكّر بزيارته الشهيرة الى الحرم الشريف في نهاية تشرين الاول اكتوبر 2000 التي أشعلت الانتفاضة. ويلقي هذا كله شكوكاً كبيرة على جدية كلمات باول المكررة وتوجيهاته بشأن السلام، على رغم ما تنطوي عليه من مفارقات او حتى اجتماع الفاظ متناقضة. "مشروع" باول بخلاف معظم المشاريع الاميركية السابقة، تفتقر تصريحات باول ومناوراته الى الملموسية، لكنها مثل كثير من تلك المشاريع تفتقر الى تحديد لنهاية اللعبة، أي لعلاج وقائي مصمم للتحوط من الرفض العاجل المعتاد من جانب اسرائيل. وهي بهذا المعنى لا تزال محاطة بغموض متعمد يصفه البعض بانه بناء، وبالتالي فانها تتمتع بحصانة ازاء اتهامات بأنها اهتمام بالجزئيات على نمط ما كان متبعاً في عهد كلينتون. وفي الوقت الذي أكد خطاب باول مجدداً على السياسة الاميركية القائمة منذ أمد بعيد ولم يقل شيئاً لم تقله بالفعل ادارات سابقة، فإن أهميته تكمن في أنه أحيا مفاهيم ومواقف ومبادئ وحتى روحية يبدو انها اُهملت واصابها السبات خلال سبع سنوات من التظاهر الديبلوماسي الذي عُرف بعملية اوسلو للسلام. وقد طغت على هذه كلها، إن لم تربكها كلياً، الاحداث التي شهدتها الايام القليلة الماضية. وبينما اخفق خطاب باول في تقديم علاج للسخف الديبلوماسي لعملية اوسلو وتأكيدها المفرط على الجوانب الاجرائية مع تهميش الجوهر، فإنه إدعى رغم ذلك تقديم رؤية واطلاق ما يعادل دعوة الى تحرك وتشخيص ومتطلبات لاستئناف المفاوضات بالاضافة الى الادوات الضرورية للقيام بذلك. تتمثل رؤية باول، وهي بالتأكيد ليست جديدة، في قيام دولتين قابلتين للبقاء لهما حدود معترف بها، يُطلب من احداهما، فلسطين، ان تعترف باسرائيل كدولة عبرية وتتعهد بأن توجد بجوارها وليست "بديلاً منها" . وتكشف مراجعة لتاريخ الديبلوماسية القريب ان ما هو جديد بعض الشيء في رؤية باول هو ان استخدام مصطلح "قابلة للبقاء" كما ورد عند الاشارة الى دولة فلسطينية مستقلة يمثل شيئاً غير مسبوق الى حد ما. وكان اقرب ما بلغته السياسة الاميركية في فترات سابقة من تبني هذه الفكرة هو موقف ادارة كارتر عندما تصدى الرئيس الاميركي لمقولة مناحيم بيغن "حكم ذاتي للشعب ولكن ليس للارض" بطرح "الحكم الذاتي الكامل" ولكن ليس الاستقلال للفلسطينيين. ويبدو احتمال قيام دولة "قابلة للبقاء" وذات تواصل ارضي حقاً مع "حدود معترف بها"، من شأنها ان تجنّب الفلسطينيين الاهانة المتمثلة بأن يجتاز ضيوف الدولة حاجز الجمارك الاسرائيلي، كما طُلب من بي نظير بوتو في 1994، بعيداً الآن اذ تحبذ أجندة شارون انشاء اربعة كانتونات غير مترابطة يحكمها زعماء حرب مختلفون في مرحلة ما بعد عرفات. والارجح ان الدفع لتنفيذ رؤية باول في المستقبل المنظور لن يكون عملياً باعتبار مناخ الرأي السائد والخطر الذي ينطوي عليه دخول فرد آخر من عائلة بوش في معركة مع اسرائيل واللوبيات النافذة التابعة لها. دعوة للتحرك؟ تتضمن رؤية باول ب"انهاء الاحتلال" و"وقف كل اعمال العنف"، سواءً على ايدي ميليشيات محلية او جنود غير نظاميين او جنود بالزي النظامي، و"مبادلة الارض بالسلام" وفقاً لقراري الاممالمتحدة 242 و338. وهو اضاف أمراً آخر: "استعادة روح مدريد" والعمل في اتجاه تسوية شاملة. وقد يكون عودة مفهومين الى الظهور كما يبدو تطوراً مهماً اذا كانت الادارة مستعدة لدفع الكلفة السياسية للتنفيذ: الاحتلال ومدريد. اولاً، كان تعبير الاحتلال اُزيل كلياً من قاموس اوسلو. ولم ترد هذه الكلمة اطلاقاً في اكثر من 700 صفحة من الوثائق التي قدمتها وزارة الخارجية الاسرائيلية واستأثرت باهتمام الرئىس كلينتون خلال العقد الماضي. لا يمكن الاستخفاف بغياب كلمة الاحتلال، فهي كانت تعني غياب القانون الدولي الذي يطبّق على اعمال الاحتلال العسكري. فالمدنيون الخاضعون للاحتلال العسكري يحق لهم التمتع بالحماية بموجب اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949. وحرمت ادارة بوش الفلسطينيين من هذه الحماية، كما فعلت ادارات سابقة، وهو ما وفر حماية لاسرائيل من الرقابة الدولية عبر اساءة استخدامها لحق النقض الفيتو في مجلس الامن او بنقض القانون الدولي بصورة ديكتاتورية، كما تجلى في رفض مادلين اولبرايت لقرارات الاممالمتحدة الخاصة بفلسطين باعتبار ان "لا صلة لها بالموضوع ومثيرة للخلاف وبالية". وتمثل رغبة باول في ان اسرائيل "يجب ان تكون مستعدة لانهاء احتلالها" تعبيراً جديداً مثيراً للاهتمام بالمقارنة مع مواقف سابقة، لكن المسألة الاساسية هي كيف ومتى وكم. ومن السابق لأوانه معرفة ما اذا كانت مقولة وليام روجرز في 1969 بأن "الانسحاب يجب الاّ يعكس حجم الاحتلال"، او قرار وارن كريستوفر في 1997 بأن اسرائيل هي التي تحدد مدى اعادة انتشارها وليس احتلالها وفقاً لحاجاتها الأمنية، هو الذي سيسود، أم سيجري السعي الى طرح صياغة جديدة. هل ان الاحتلال سيعني احتلالاً ضمن معنى القانون الدولي، ام انه سيظل يعني، بدلاً من ذلك، اراضي "متنازع عليها"، وفقاً لاوسلو وما دأبت عليه عصبة دنيس روس - مارتن إنديك؟ وقد عُيّن آرون ديفيد ميلر، وهو يهودي اميركي متشدد لا يخفي صهيونيته وكان احد افراد هذه العصبة، عضواً في فريق زيني - بيرنز الذي اوفده كولن باول الى المنطقة في اعقاب خطابه في كنتاكي. التعبير الثاني المثير للاهتمام في كلمة باول هو "مدريد". اذ ان مجرد الاشارة اليه بضع مرات في الكلمة يمكن ان يكتسب دلالة رمزية بالنسبة الى المتفائلين المروجين للموقف الفلسطيني. فمدريد كانت، رغم كل شيء، المكان الذي جرت فيه المفاوضات العربية - الاسرائيلية قبل اوسلو، لكنها، بخلاف اوسلو، دعت الى سلام شامل بين اسرائيل والدول العربية، وكانت لها سمة دولية - متعددة الاطراف ولو انها رمزية الى حد كبير بدلاً من المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية الثنائية على نحو صارم تحت رعاية واشنطن. في غضون ذلك، يمكن أيضا فهم اشارة باول الى مؤتمر مدريد، الذي اعتبره "فرصة" أتاحتها حرب الخليج، من خلال استراتيجية بوش الأب وباول في تدمير قدرة العراق على حيازة ردع استراتيجي تجاه اسرائيل. وكان الهدف من سلوك الطريق الى مدريد، حسب هذه الاستراتيجية، نقل المسؤولية عن أمن المنطقة الى الولاياتالمتحدة، وحرمان اسرائيل من أي ذريعة لادامة وضع اللا حرب واللا سلم، وبالتالي فرض التسوية. الاّ ان انتصار بيل كلينتون في انتخابات الرئاسة أجهض العملية، وانتقلت القدرة على تحديد وتيرة مسيرة التسوية من واشنطن الى تل أبيب. ويعتمد امكان تحويل وعد مدريد الى حقيقة على مدى استعداد ادارة الرئيس جورج بوش الابن للمخاطرة بالعودة الى المستنقع نفسه الذي وجد الرئيس بوش الأب نفسه فيه. ولنا ان نتذكر ان موقف الرئيس بوش الأب ادى احيانا الى حال من العداء بين أميركا واسرائيل، مثلما عبّر عنه في واحدة من المناسبات وزير الخارجية وقتها جيمس بيكر، الذي شكك علناً في رغبة اسرائيل في السلام وكرر للاسرائيليين رقم هاتف وزارة الخارجية ليستعملوه اذا كانوا حقا يريدون السلام! واخذاً بالاعتبار الاجواء الحالية، تبدو مثل هذه المواجهة امراً مستبعداً الى ابعد حد، بمعزل عما اذا كانت ممكنة. التشخيص والمتطلبات تكشف الخطوات التي طرحها باول لانهاء "العنف" و"ثقافة الحقد" عن انحياز صارخ يلقى شكوكاً على قدرة الولاياتالمتحدة على القيام بدور الوسيط النزيه. وأورد أمثلة قديمة على العنف الفلسطيني، مثل مقتل الجنديين الاسرائيليين في رام الله قبل سنة، في نموذج للعقلية التي تميل الى ادانة الضحية وليس الجلاد. ولا شك أن حسابات باول في ما يخص "العنف" أثارت مخاوف كل متابع لممارسات اسرائيل، التي نالت أشد الادانة من منظمات حقوق الانسان وهيئات الأممالمتحدة وقطاعات كبيرة من الرأي العام الدولي. وعلى رغم ذكر باول لحواجز التفتيش والغارات الاسرائيلية فقد أغفل تماماً الأبعاد الخطيرة لانتهاكاتها، مثل الاغتيالات والمجازر ونسف المساكن والاستيلاء على الأراضي تحت غطاء الديبلوماسية. لقد حاول أن يعبر عن موقف متوازن، لكنه كشف بذلك عن قصر نظره وانحيازه. اضافة الى ذلك، يبدو من تشخيص باول للوضع انه غطى تماماً على أوسلو، ليقفز مباشرة من مدريد الى الانتفاضة، وكأن هذه الأخيرة تفجرت في فراغ. لكن الواقع الذي يغفله التشخيص هو ان ما فجّر الانتفاضة كان السنون السبع من المفاوضات التي استعملتها اسرائيل كاستراتيجية ديبلوماسية لابتلاع المزيد من الأرض الفلسطينية واستباق أي امكان لاقامة دولة فلسطينية ذات تواصل أرضي. وينتج عن الاغفال تصوير الانتفاضة على انها نوع من العنف الاعتباطي الذي لا علاقة له بالمقاومة المشروعة لاحتلال عسكري للأرض. أما في ما يتعلق بالنشاط الاستيطاني فان دعوة باول الاسرائيليين لوقفه يمثل تغيراً عن الموقف الذي اعلنه في مؤتمر صحافي في 21 أيار مايو الماضي، عندما دعا الى "تجميد" النشاط الاستيطاني ك "اجراء لبناء الثقة"، لكن مع رفض أي ربط ما بين وقف الفلسطينيين للنار والتجميد الاسرائيلي. فيما يقول باول الآن أن النشاط الاستيطاني "يستبق ويحرّف" نتيجة المفاوضات و"يشلّ فرص السلام والأمن". لكن علينا ان نكرر ان العبرة ستكون في التنفيذ مستقبلاً وليس الكلام الذي يمكن تناسيه بسهولة عندما تأخذ مصالح أميركا ورغباتها اتجاهاً آخر. الوسائل متاحة اخيراً، أكد باول ان وسائل الاصلاح متاحة، وحددها، كما كان متوقعاً، بتقرير ميتشل وخطة تينيت اللذين يضعان ملامح عامة لعملية تقود الى اعادة التفاوض، لكن من دون مبادئ جديدة للانطلاق أو تحديد للنتيجة المطلوبة. مع ذلك يدعي باول أن التقرير والخطة يقدمان خريطة للتقدم، في اشارة الى تصوره الذي قدمه مراراً وتكراراً للأولويات، المفتقر الى أسس حقيقية عدا الاشارة المعتادة الى القرارين 242 و338، وهما كانا ولا يزالان جزءاً من الموقف الأميركي الرسمي. وحسب تصور باول للأولويات فإن على الجنرال أنتوني زيني ووزير الخارجية المساعد بيرنز اكمال مهمتهما على الأرض أولاً، أي "انهاء العنف والتحريض الفلسطينيين" ووقف النار والعودة الى التفاوض. أما العنف الاسرائيلي الذي يصل الى مصاف ارهاب الدولة ويتجاوز بكثير الردود الفلسطينية الضعيفة والمتناثرة فلا يبدو من القضايا الرئيسية ضمن الأولويات. الخلاصة ان خطاب باول يستعيد الكثير من التعابير التي كاد أن يطويها النسيان ويمكن لها ان تساعد على التوصل الى تسوية مبدئية، لكن لا يزال عليه الجواب على الكثير من الاسئلة عن الحدود والقدس واللاجئين والمياه. ماذا سيكون شكل الدولة المزمعة القابلة للبقاء؟ وهل تعني اشارته الى مبدأ الأرض مقابل السلام ان باول سيكون أفضل من أسلافه في المنصب، الذين توقفوا تماماً عن استخدام هذا التعبير؟ ولأي الروايات عن قمة كامب ديفيد ستكون الغلبة؟ رواية روبرت مالي، مساعد شبيل كلينتون لشؤون فلسطين، الذي فضح اسطورة رفض الفلسطينيين ل "العرض الاسرائيلي السخي"، أم الرواية الاسرائيلية التي انصاعت لها وسائل الاعلام الرئيسية ويستخدمها الدعاة الاسرائيليون لتأكيد ان محنة الفلسطينيين من صنع ايديهم وليست مسؤولية اسرائيل؟ الاهم من كل ذلك السؤال عما اذا كان الرئيس جورج بوش، الذي لا يزال يرفض مصافحة ياسر عرفات لكن لا يمانع في مصافحة يد شارون الأكثر تلوثاً بالدماء، مستعداً للصمود أمام التحديات التي سيلقاها بالتأكيد من اسرائيل واصدقائها الأقوياء في البنتاغون ووسائل الاعلام والكونغرس ومراكز الأبحاث واللوبيات في حال طرح مشروع باول على المائدة. ان نجاح أو فشل مبادرة باول سيعتمد على الأجوبة عن كل هذه الأسئلة. ولن نعرف الاّ بمرور الزمن اذا ما كان ل"الدفع والتحريك والتقديم" الذي يعد به باول حظ أكبر في النجاح من المبادرات الأميركية السابقة. وفي هذه اللحظة المحددة في التاريخ، سيكون أي دفع وتحريك يستطيع مبعوثو باول حشده موجهاً ضد الشيطان الجديد، الذي يبدو انه في طريقه ليصبح آخر خصم لاميركا، بعد نورييغا وصدام وبن لادن بالطبع. لقد برهنت اميركا دائماً كحليف استراتيجي لاسرائيل على انها حكَم منحاز، لكن اميركا خاضعة لمشيئة اسرائيل ستفشل على الارجح بصورة بائسة، مرة اخرى. * استاذ العلوم السياسية في جامعة دارتموث - ماساشوستس.