فيما أكدت مصادر صحافية اسرائيلية مطلعة ان الولاياتالمتحدة وافقت على غالبية التحفظات الاسرائيلية عن "خريطة الطريق" الدولية بشأن النزاع الفلسطيني الاسرائيلي، تباينت توقعات كبار المحللين السياسيين من الموقف الذي سيتخذه الرئيس الاميركي جورج بوش من تصريحات رئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل شارون الاخيرة الرافضة اخلاء اي من المستوطنات اليهودية المقامة في الاراضي الفلسطينية. وجاء هذا وسط تصعيد متعمد في تصريحات اقطاب الدولة العبرية الذين فتحوا النيران على "خريطة الطريق" والحكومة الفلسطينية بقيادة محمود عباس ابو مازن على حد سواء. سارع مكتب شارون الى نفي ما اوردته كبرى الصحف العبرية "يديعوت احرونوت" على صدر صفحتها الاولى امس عن خيبة أمل الرئيس الاميركي من تصريحات شارون حول تمسكه بالمستوطنات كافة. واكد بيان صادر عن المكتب من جديد ان لا ضغوط تمارس على رئيس الحكومة في مسألة وقف النشاط الاستيطاني. وكانت الصحيفة أشارت الى "رياح باردة" تهبّ من واشنطن في استقبال شارون الذي يصل اليها مطلع الاسبوع المقبل للقاء بوش، ونقلت عن مسؤولين كبار في الادارة الاميركية قولهم ان ما ادلى به شارون لصحيفة "جيروزاليم بوست" الصادرة بالانكليزية يتناقض وتصريحاته السابقة عن استعداده لتقديم تنازلات مؤلمة في سبيل تحقيق السلام، ويؤشر الى ان شارون جنح الى اليمين وضلّل عملياً صنّاع القرار في الحلبة الدولية في ما يتعلق بنياته الحقيقية لدفع عملية السلام مع الفلسطينيين. واضافت الصحيفة ان الرئيس بوش يصرّ على طرح مسألة اخلاء البؤر الاستيطانية "غير الشرعية" التي اقيمت في العامين الاخيرين من دون استئذان الحكومة التي عمدت الى غضّ الطرف عنها. ويتفق المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" ألوف بن مع ما جاء في "يديعوت احرونوت" لكنه يضيف، استناداً الى مصادره في الادارة الاميركية ان الرئيس الاميركي سيفضّل التفاهم مع شارون ومعانقته على الخلاف معه والصدام المباشر، مشيراً الى ان رئيس الوزراء الاسرائيلي يعوّل على موقف مستشاري الرئيس الاميركي "الذين يفكرون فقط في الحملة الانتخابية للرئيس بوش لولاية ثانية وفي عدم اثارة اليهود في اميركا". ويضيف الكاتب ان الرئيس الاميركي قد يطالب ضيفه باتخاذ تدابير حقيقية لكبح المشروع الاستيطاني في المناطق الفلسطينية "لكنه قد يكتفي بطرح الموضوع للبروتوكول فقط". وينقل بن عن موظفين اميركيين ابلاغهم تل ابيب، أن الادارة الاميركية تبدي تفهماً للملاحظات التي قدمتها على الخريطة الدولية وانها ستصادق على 12 ملاحظة من اصل 14 سلّمها مدير مكتب رئيس الحكومة دوف فايسغلاف وانه بالامكان ايجاد "حلول خلاّقة" للملاحظتين المتبقيتين. ويضيف ان اسرائيل تتوقع ان يشمل النص المعدّل للخريطة ملاحظاتها كافة. من جهته يكتب بن كسبيت في "معاريف" ان احدى الملاحظتين المختلف عليهما تتعلق بمطالبة اسرائيل، بل اشتراطها، ان تتضمن الخريطة بنداً يلزم الفلسطينيين بالتنازل عن "حق العودة" في المراحل الاولى من المفاوضات لتطبيق "الخريطة" وقبل الاتفاق على اعلان دولة فلسطينية. ويتوقع بن ان يعلن شارون في واشنطن قبوله الخطة مع ذكر التحفظات عنها وذلك تطبيقاً لنهجه القائم على عدم قول "لا" للحليفة الكبرى وانما اعتماد سياسة "نعم ولكن" بحيث تبطل الكلمة الثانية مفعول الاولى. الى ذلك، لفت مراقبون الى تصعيد لهجة المسؤولين الاسرائيليين ضد "خريطة الطريق" قبل يومين من لقاء شارون نظيره الفلسطيني في منزله في القدسالمحتلة وعشية سفره الى واشنطن، مشيرين تحديداً الى حقيقة ان الرجل الثاني في الحكومة وزير الدفاع شاؤول موفاز يقود الحملة مدعوماً بموقف اكثر تشدداً من قادة الجيش. واعتبر المراقبون ان اقوال موفاز في جلسة الحكومة اول من امس ان "الخريطة" بصيغتها الحالية "سيئة لاسرائيل ولا تتوافق مع مصالحها الوطنية" وانها في احسن الاحوال مجرد اطار للتفاوض وليست املاء بتطبيقها حرفياً، هي اعلان رفض اسرائيلي صريح ورسمي للخطة الدولية. وبحسب المراقبين، فإن تشدد موفاز واعلان غالبية الوزراء باستثناء اثنين رفض "الخريطة"، سيساعدان شارون في زيارته ليتظاهر ببعض المواقف المعتدلة المرفوضة من سائر وزراء حكومته وبأن اقصى ما يمكنه تقديمه للفلسطينيين بعض التدابير الانسانية للتسهيل على المدنيين الفلسطينيين. واتهم مسؤول أمني كبير فضّل عدم الكشف عن اسمه رئيس الوزراء الفلسطيني ووزير الدولة للشؤون الامنية محمد دحلان بعدم فعل شيء "لوقف الارهاب"، مضيفاً ان دحلان "باستثناء تصريحاته المعتدلة لا يقوم بأي نشاط ميداني حقيقي ضد الفصائل الفلسطينية المسلحة لخشيته على مصالحه الاقتصادية في قطاع غزة". وكرر المسؤول اتهاماته للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بالسعي الى احباط اي محاولة للتهدئة في المناطق الفلسطينية بل يواصل اصدار تعليماته بالتصعيد بفعل سيطرته على أجهزة الاستخبارات العامة والامن القومي وعلى المسؤولين في حركة "فتح". وفي سياق متصل كتب المعلّق العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل ان ثمة توافقاً في الرأي بين اجهزة الامن والاستخبارات الاسرائيلية كافة على ان رئيس الوزراء الفلسطيني يبدي حتى الآن ضعفاً امام عرفات وانه يبدو كمبتدئ في السياسة امام مناورات عرفات ودهائه". وترى الاجهزة ان "ابو مازن" يواجه صعوبة في حشد تأييد جمهوره ما يحول دون تحلّيه بالجرأة اللازمة لاعلان الحرب على الفصائل المسلحة و"حكومته التي شكلها بعد اخطاء كثيرة ارتكبها اثناء المفاوضات تعمل في ظل عرفات وتحت وطأة هائلة من التوقعات والآمال من جانب الجماهير الفلسطينية". وتخلص المحافل الامنية الى الاستنتاج بأن "ابو مازن" بدأ مشواره مكبلاً بعبء ثقيل، وان عليه ان يشق طريقه وسط ثلاثة حقول من الالغام: اميركي واسرائيلي وفلسطيني. وينقل المعلّق عن مصادر اسرائيلية ان "ابو مازن" ودحلان يسعيان الى إعادة العقيد جبريل الرجوب، القائد السابق لجهاز الامن الوقائي في الضفة الغربية، "الى الصورة، سواء بتعيينه قائداً عاماً للشرطة المدنية او اعادته الى منصبه السابق".