خلافاً للاشاعات التي تكهنت بإقصاء أمين الاتصال الخارجي وزير الخارجية الليبي عبدالرحمن شلقم من منصبه، ثبت التغيير الوزاري الذي أعلن عنه أمس في ليبيا شلقم في منصبه ووسع من صلاحياته بعدما ضمت له حقيبة الوحدة الافريقية التي كان يتولاها الدكتور علي عبدالسلام التريكي والذي غادر الحكومة في شكل مفاجئ من دون اعطائه منصباً رسمياً بديلاً. وبمغادرة التريكي خرجت جميع الوجوه السياسية التي كانت تشكل دائرة المساعدين المقربين من العقيد معمر القذافي في السبعينات والثمانينات، التي كانت تضم عبدالعاطي العبيدي وزير الخارجية السابق وأبو زيد عمر دوردة رئيس الوزراء السابق وجمعة الفزاني وزير الوحدة سابقاً. وفي هذا الاطار حل التكنوقراطي شكري محمد غانم محل المهندس مبارك الشامخ في منصب أمين اللجنة الشعبية العامة رئيس الوزراء، وكان الشامخ خلف في هذا المنصب تكنوقراطياً آخر هو محمد أحمد المنقوش. ويمكن القول في ضوء التشكيل الوزاري الجديد الذي قرره "مؤتمر الشعب العام" البرلمان الليبي مساء أول من أمس ان التكنوقراط والفنيين هم الذين طغوا على المناصب الأساسية. ورأى مراقبون أن التركيز على الخبراء واستبعاد السياسيين، خصوصاً الذين يرموزون الى الحقبة العروبية، يكرس اصرار القيادة الليبية على المضي في خيار الانفتاح على الغرب وتحرير الاقتصاد. ومن هذه الزاوية تم تثبيت الوزراء الذين تتركز عمليات التخصيص والانفتاح في قطاعاتهم مثل وزير المال العجيلي البريني ووزير الانتاج البغدادي المحمودي ووزير الاقتصاد والتجارة عبدالقادر بلخير ووزير التخطيط طاهر الجهيمي، وهم الأربعة الماسكون بمفاتيح الاقتصاد. وفي هذا الاطار حض الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي على تخصيص القطاع العام في ليبيا بما فيه النفط والمصارف. وأكد في خطاب ألقاه أمام الدورة نصف السنوية لمؤتمر الشعب العام أول من أمس انه "من الضروري الغاء القطاع العام لأنه فشل"، وأضاف ان هذا الاجراء يشمل "النفط الذي هو مصدر ثروة ليبيا". وتشكل صادرات النفط والغاز الطبيعي أكثر من 96 في المئة من دخل البلد. وهذه هي المرة الأولى التي يتبنى فيها الزعيم الليبي الاقتصاد الحر في شكل واضح على رغم كونه امتدح في خطابات سابقة دور القطاع الخاص في تكريس الانفتاح الاقتصادي. وفي هذا الاطار قال القذافي ان النفط "يجب أن يصبح ملكاً للجميع وتتولى اداراته شركات غير تابعة للدولة وانما لليبيين". إلا أنه أوضح ان هؤلاء الليبيين "بإمكانهم توظيف خبراء أجانب" لمساعدتهم في ادارة الشركات "مما يسمح بتطوير الصناعة النفطية من التنقيب الى الانتاج مروراً بالتسويق". وتبلغ حصة ليبيا بوصفها عضواً في منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك 3.1 مليون برميل يومياً، وكانت أممت قطاع النفط في العام 1969 بعد أسابيع من الثورة على النظام الملكي السابق. لكن مراقبين رأوا أن تصريحات القذافي تمهد للاعلان عن اتفاقات تفاوضت في شأنها ليبيا أخيراً مع شركات نفطية غربية بما فيها شركات أميركية للإفساح في المجال أمامها للاستثمار في قطاع الطاقة، وأكدوا أن خطوات الانفتاح الاقتصادي على الغرب ستتعزز بخطوات مماثلة على الصعيد السياسي من دون اعطاء ايضاحات عن طبيعة الخطوات المتوقعة. لكن مصادر ليبية نفت أن يكون إبعاد الدكتور التريكي من وزارة الوحدة الافريقية والغاء الوزارة يدلان على تراجع الخيار الافريقي الذي اعتمده الزعيم الليبي بعد تعليق العقوبات الدولية على بلده في العام 1999، مستنداً الى كون الدول الافريقية ساعدته أكثر من العرب على كسر العقوبات. وأوضحت المصادر ان "خيار الاتحاد الافريقي لا رجعة عنه" وأن ليبيا "ستتعاطى مع هذا الملف من ضمن ملفات العلاقات الخارجية" التي يتولاها الوزير شلقم "لكن مع التركيز على البعد الافريقي الذي هو اطارنا الطبيعي". وغانم، الحائز شهادة دكتوراه في الاقتصاد، تولى العديد من المناصب في الاقتصاد وقطاع النفط، منها ممثل ليبيا في منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك. وهو من مناصري الانفتاح الاقتصادي وتشجيع الاستثمارات الأجنبية في ليبيا.