استضافت خشبة مسرح القباني في دمشق أخيراً، عرضاً مسرحياً راقصاً بعنوان "رحلة جسد"، قدمته "فرقة رماد". ويأتي هذا العرض في سياق تجارب سورية شابة، تحاول أن تشق طريقها بثبات في تأصيل مفردات المسرح الراقص، وتأكيد هويته المستقلة، وعلى رغم ندرة مثل هذه التجارب التي تعتمد على لغة الجسد في التعبير عن هواجسها وتطلعاتها، إلا أنها سرعان ما وجدت تجاوباً لافتاً من قبل جمهور متعطش لكل ما هو جديد ومختلف في الساحة المسرحية السورية، وكأن هذه العروض استجابة لتحولات واضحة في ذائقة المتفرج السوري. لا تختلف تجربة الكريوغراف لاوندهاجو، التي بدأت منذ ثلاث سنوات عن تجارب أخرى، وتبدو الى اليوم أسيرة مثيلاتها في الغرب، سواء في التصميم الحركي للرقصات أو حتى في الانصياع الى تجارب عربية منجزة، هو الذي تعلم الرقص في فرقة فهد العبدالله اللبنانية. لكن ما يحسب لهذه الفرقة جديتها في تأكيد حضورها واستمراريتها، إذ سبق وقدمت عرضين لافتين هما: "خلق" و"انعكاسات"، أما "رحلة جسد" فبدت أكثر توقاً الى الخصوصية والفرادة، ومحاولة التخطي لما يشبه التمارين الجسدية التي وسمت التجربتين السابقتين. هنا يدخل الجسد في مختبر الزمن بكل ثقله ووطأته، ليسجل علاماته على الوجوه وحركة الأعضاء، في رحلة عكسية، هي بمثابة ارتداد للذاكرة وانشغالاتها الأولى في التعرف على فضائها الحركي الخاص، إذ تتحول أجساد الراقصين فجأة الى فضاء للحرية وانعتاق من القيود التي طالما كبلتها بسلاسل متينة. هكذا تتفجر رغبة الجسد في التعبير عما هو مسكوت عنه في إيقاعات صاخبة، في سياق سرد درامي دائري، يتخذ دلالاته وإشاراته من الساعة الضخمة المعلقة في عمق الخشبة، فهي محور لتحولاته، إذ يغوص الجسد بين مسنناتها المكشوفة، في رحلة ولادة واستكشاف، ليصل في نهاية المطاف الى كتلة مهملة في برميل للقمامة. لا ينقص العرض الذي قدمته "فرقة رماد" بأعضائها الأربعة، لاوندهاجو، وعزة سواح، وراما الأحمر، وخيام قدور، القدرة على التماسك والألق، سواء في اللوحات الجماعية، أو في الاستعراضات الفردية، لكن ما ينبغي التوقف عنده بحذر، هو الاستلاب شبه الكامل لرؤى مسرحية وافدة، وكأن البيئة المحلية هي الغائبة الوحيدة عن مزاج هذه الفرقة.