هل بدأت السياسة الأميركية تتخذ اسلوباً مرناً، وتخرج من التهور، باستثمار غزو العراق في انجاز مهمة تخويف "الخصوم" من أجل فسحة من الوقت يتم فيها الإعداد لحملة بوش الانتخابية وكسب معركة التجديد له، عبر سياق أقل عسكرية وعنفاً، لكنه الأكثر ضغطاً ودفعاً سياسياً للتحلق حول عقيدته بأقل الخسائر. ها هي "خريطة الطريق" الأميركية للشرق الأوسط على نار حامية، تفتح بدورها الطريق أمام أميركا لتنفيذ عقيدتها في الهيمنة على العالم وبناء امبراطورية تضاهي روما القديمة، فإما عبر الضغوط، مرفقة ببعض الحلول للعراقيل التي تعوّق مسيرتها السياسية، واما عبر اعتماد الحروب الاستباقية واعتبار العراق النموذج القابل للانسحاب على آخرين. والسياسة الأميركية ملتبسة حين تعبر عن عقيدة بوش ويقودها صقور الإدارة من ذوي النزوع الامبراطوري الذين نجد عندهم توافقاً على الجوهر وافتراقاً نسبياً في آليات التنفيذ، مباشرة أو مداورة، من خصخصة النفط وإحاطته بالقواعد العسكرية، الى التحكم بصرف المدخرات العراقية واحتكار مشاريع إعادة الإعمار عبر حكومة عراقية محدودة السيادة تقدم لأميركا الغطاء القانوني. والموقف من عراق ما بعد صدام يخضع باستمرار لتجاذبات وزارتي الخارجية والدفاع في أميركا، ومن ذلك الاختلاف في التعامل مع سورية وإيران فالخارجية تضغط سياسياً، أما ممثلو شارون في الإدارة فيطلبون استكمال الحرب لتطاول سورية لأن فارقاً شاسعاً بين صرف حوالى 70 بليون دولار لاحتلال العراق، وكلفة زهيدة للدخول الى سورية هي في رأيهم حوالى سبعة ملايين دولار! وفي ظروف الاصرار على زرع القواعد العسكرية في طول البلاد العربية وعرضها، مع مراعاة تنظيمها وحمايتها وحركتها اللوجستية، يزداد تضخم الذات الانفرادية الأميركية بعد أن أعلن ريتشارد بيرل موت الأممالمتحدة. ويتكرر في أميركا الكلام على محاسبة فرنسا لمواقفها من الحرب على العراق، هي التي دعمت في الماضي تحرير أميركا من الاستعمار البريطاني ومهدت لقيام الولاياتالمتحدة الأميركية، ووضع تمثال الحرية كرمز لهذا الدعم، وقد صممه وأنجزه النحات الفرنسي فريدريك أوغست بارتولدي، وردت أميركا الجميل - المصالح الى أوروبا في الحرب العالمية الثانية إذ حررتها من النازية والفاشية، وأدى مشروع مارشال مهمته وتم استهلاك ايجابياته وانتهى دوره مع تطور أوروبا، ثم فقد الحلف الأطلسي مهمته بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتفاء تهديده، ما شجع قيام الحلف الفرنسي - الألماني المدعوم من روسيا، والذي يسعى الى انشاء قوة عسكرية مستقلة وسياسة خارجية اوروبية تعلن التمايز الفعلي عن السياسة الأميركية التي ستعيد تخليق روما القديمة وتظهيرها في هيمنة شاملة على العالم. لقد فاجأ المندوب الأميركي في الأممالمتحدة أخيراً كل الذين دافعوا عن الغزو الأميركي للعراق بتضمن "القرار" ان بلاده قوة احتلال... وعلى العرب قبل أن يتحول الاحتلال الى استعمار اتخاذ موقف موحد أقل ايديولوجية وأعقل "جهادية"، يسعى الى توفير شروط خيار السلم، وبعد ذلك يمكن أن نفكر أو أن نتكلم على الحرب! * كاتب لبناني.