صعود المحافظين الجدد في ادارة بوش 6 بعض المراقبين يعتقد ان نفوذ المحافظين الجدد على السياسة الأميركية زاد بعد ارهاب 11 أيلول سبتمبر قبل سنتين. وهو زاد فعلاً، إلا أنني أزعم انه كان موجوداً ومؤثراً، ولم يفعل الإرهاب سوى أنه فضحه وركز الأنوار عليه. غير ان تاريخ المحافظين الجدد يعود الى الستينات، عندما بدأ عدد من الليبراليين اليساريين يغيّرون وجهات نظرهم ازاء قضايا كثيرة، بعضها جاء نتيجة انتصار اسرائيل في حرب 1967 ما جعل بعض اليهود الأميركيين الليبراليين يتحول الى "صهيوني متجدد". الواقع اننا نستطيع ان نجد في خلفية المحافظين الجدد ميولاً ليبرالية، بل تروتسكية وستالينية، لذلك وصفوا بأنهم "جدد" كمحافظين. وجاء كثيرون من رواد الفكر المحافظ الجديد الى الولاياتالمتحدة فراراً من الاضطهاد في أوروبا، واعتبروا بلدهم الجديد قوة في سبيل الخير. ويقول المحلل السياسي والصحافي جيم لوب انه سمع ايليوت ابرامز يقول يوماً "صحيح ان الولاياتالمتحدة ارتكبت بعض الأخطاء هنا وهناك. إلا أن من المؤكد انها أعظم قوة من أجل الخير في العالم اليوم". وتركت المحرقة النازية ندوباً عميقة في نفوس كثيرين من المحافظين الجدد، فقد مات فيها بعض أقاربهم، كما حدث مع بول وولفوفيتز. ويعتبر اتفاق ميونيخ سنة 1938 مثالاً على استرضاء الطغيان يجب تجنبه بأي ثمن. وقد أشار كثيرون من دعاة الحرب على العراق الى اتفاق ميونيخ في جدالهم تأييداً لتلك الحرب. وهم قالوا: "هل يفترض ألا نفعل شيئاً ضد صدام حسين وما يمثل من خطر؟ هل كان يفترض ألا نفعل شيئاً ضد هتلر؟". صدام ليس هتلر، ولو من ناحية انتفاء القدرة، وآرييل شارون أكثر شبهاً بهتلر من أي زعيم حي اليوم. غير انني أبقى مع أصول المحافظين الجدد، فعندما سئل ريتشارد بيرل عن الموضوع يوماً قال "افترض اننا جميعاً كنا ليبراليين في يوم ما. وقد كنت ليبرالياً في المدرسة الثانوية، والى درجة أقل في الجامعة. إلا ان حقائق وصعوبات عالم الشؤون الدولية تجعل من الصعب عليك ان تكون ليبرالياً وساذجاً". بين آباء المحافظين الجدد ايرفنغ كريستول ونورمان بودهورتز. وهذا الأخير ترأس تحرير مجلة "كومنتري" سنوات عدة وأسهمت زوجته ميدج ديكتر في تطوير فكر المحافظين الجدد. ثم هناك ليو شتراوس، المفكر اليهودي الهارب من النازية الذي أشرت اليه في حلقة سابقة. وهو توفي سنة 1973، ولكن بعد أن ترك تأثيراً عميقاً في وولفوفيتز وابرام شولسكي، رئيس مكتب العمليات الخاصة، أو جهاز الاستخبارات المضاد الذي جمع معلومات زائفة لتبرير الحرب على العراق. غير ان تاريخ المحافظين الجدد يظل ناقصاً من دون تسجيل اسم السناتور هنري سكوب جاكسون، وهو ديموقراطي أيد اسرائيل بقدر ما عارض السوفيات. وكان البرت وولستر، أحد رعاة بيرل في البداية، اقترح ان يذهب وولفوفيتز وبيرل، اللذان تخرجا لتوهما في الجامعة، الى جاكسون لإجراء مقابلة معه، والنتيجة ان بيرل عمل للسناتور 11 سنة، ولا يزال يقول انه ديموقراطي احتراماً لذكرى هذا السناتور الراحل. وعمل مع سكوب جاكسون من أعضاء العصابة، وليام كريستول، ابن ايرفنغ، وايليوت ابرامز، وهو زوج ابنة بودهورتز، وفرانك غافني، واختار بيرل وابرامز ان يستغلا من مكتب جاكسون موضوع هجرة اليهود السوفيات الى اسرائيل لتدمير الوفاق الأميركي - السوفياتي. وتبنى جاكسون تشريعات تمنح الاتحاد السوفياتي معاملة الدولة الأكثر رعاية إذا فتح الباب أمام هجرة اليهود. وفي سنة 1973 أسس جاكسون والسناتور دانيال باتريك موينهان وآخرون من الديموقراطيين الصقور ما سمي "تحالف الغالبية الديموقراطية" لمتابعة سياسات متشددة في الدفاع والأمن القومي. وكان ايليوت ابرامز عضواً، وكذلك جين كيركباتريك، سفيرة ريغان بعد ذلك لدى الأمم المحدة. وكان موينهان سبقها الى المنصب في السبعينات مع نيكسون، وكلاهما أيد اسرائيل بقوة في المنظمة العالمية. وذكر جيم لوب في مقابلة تلفزيونية في شباط فبراير الماضي ان وولفوفيتز لعب دوراً أساسياً في "الفريق باء" الذي ضم مجموعة من المحللين الصقور الذين تعاملوا مع جاكسون، وخصوصاً مع بيرل. "الفريق باء" اخترعه دونالد رمسفيلد، عندما أصبح وزير الدفاع للمرة الأولى في ادارة فورد، للرد على سياسة هنري كيسنجر ومحاولة الوفاق مع السوفيات. وعمل "الفريق باء" لتخريب عمل وكالة الاستخبارات المركزية والأجهزة المماثلة في الدولة تماماً كما نافس مكتب العمليات الخاصة في الوزارة هذه الوكالات المتخصصة، ليقدم معلومات مضللة بهدف شن حرب على العراق، ويبرز اسم وولفوفيتز في المرتين. وأسس المحافظون الجدد سنة 1977 نتيجة لانتخاب جيمي كارتر "لجنة الخطر الماثل"، وعارضوا كارتر واعتبروا ولايته كارثة، وأيدوا رونالد ريغان الذي التف حوله من العصابة اياها، كيركباتريك في الأممالمتحدة، وبيرل مساعداً لوزير الدفاع لسياسة الأمن الدولي، وكن ادلمان مديراً لوكالة نزع السلاح، وايليوت ابرامز مساعداً لوزير الخارجية لحقوق الإنسان، ثم للشؤون الأميركية. وافتضح ابرامز في قضية ايران - كونترا ودانه محقق خاص واعترف بحجب معلومات عن الكونغرس، ونجا من سجن محتمل. وعفا جورج بوش الأب عنه وعن آخرين سنة 1992. وأكمل غداً بالعلاقات الشخصية بين المحافظين الجدد من التقرير الذي كتبته بالانكليزية الزميلة سوزانا طربوش.