يوفر سفر رئيس الجمهورية اميل لحود أمس الى باريس في زيارة خاصة لبضعة ايام فرصة للجهود المحلية الهادفة الى اعادة ترميم وضع مجلس الوزراء وإخراجه من "الصدمة السلبية" التي سببها الخلاف، الأسبوع الماضي، على الاستملاكات وأعقبها سجال حاد. ويأتي تأجيل الجلسة الاسبوعية لمجلس الوزراء في محله لأن العلاقات الرئاسية باتت في أمسّ الحاجة الى هدنة تتيح لملمة الوضع الحكومي وإخراجه من التجاذبات التي خلفتها الجلسة الأخيرة وأطاحت بالمناخ الايجابي للقاء المصارحة بين الرئيسين قبل 10 أيام، والذي كان يفترض ان يمهد الطريق أمام تعاونهما على رغم انهما لم يتطرقا الى النقاط الواردة في جدول الأعمال التي سببت الخلاف. كما ان تأجيل الجلسة جاء مفيداً لأن استمرار التجاذب السياسي، يعود الى ان الاستحقاق الرئاسي انتخابات رئاسة الجمهورية أخذ يطوّق مجلس الوزراء ويهدد كل إمكان للتعاون ويتسبب ضمناً ببعض هذا التجاذب. ويقول أحد الوزراء انه يجب الا يفهم من هذا الكلام ان الاستحقاق الرئاسي بات مادة بحث بين المسؤولين، بل المقصود أن هاجسه يلاحق الجميع، لا سيما ان بين الوزراء أكثر من مرشح طامح للرئاسة. ولفت الوزير الى ان جلسات مجلس الوزراء "أصبحت محكومة شئنا أم أبينا بانتخابات الرئاسة، وبالتداعيات السياسية المترتبة على الظروف التي رافقت تشكيل الحكومة، وهذا السلوك أخذ يزعج كبار المسؤولين السوريين الذين يبدون عدم ارتياحهم حيال فتح ملف الانتخابات الرئاسية قبل عام ونصف العام من انتهاء ولاية لحود لما يتركه من آثار سلبية على أداء الحكومة والحكم في آن، لاعتقادهم بأن فتح هذا الملف قبل آوانه يشلّ قدرة الحكومة على العمل ويجعلها عاجزة عن التصدي للملفات العالقة، اضافة الى ان الحديث عنه يأتي من "أهل البيت" أي الحلفاء الأساسيين لدمشق وهذا ما يرغمها على ان تلبس ثوباً لا تريده لنفسها في الوقت الحاضر ولا تجد مبرراً لاقحام العلاقات الرئاسية به، وبالتالي تعتقد بأن الجميع في غنى عنه". ونقل الوزير عن مسؤول سوري استغرابه لجوء البعض الى سياسة حرق المراحل والتذكير باستمرار بالاستحقاق الرئاسي الذي يترك آثاره السلبية في العلاقات الرئاسية ويفسح في المجال أمام دخول الحلفاء في تناحر على قضية ليست مستعجلة لأن فتحها هو بمثابة محاولة لشراء مشكلة". وأكد أن دمشق بادرت الى التحرّك وأبلغت من يعنيهم الأمر رغبتها بوقف الحديث عن انتخابات الرئاسة نظراً الى الضرر الذي يلحقه ذلك بالبلد. الحكومة باقية ورأى الوزير ان الحكومة باقية ولا مبرر لرحيلها ما دامت الآمال المعقودة عليها لم تتحقق، مؤكداً ان السجال لن يؤدي الى تغيير في المعادلة السياسية ولا الى تقوية هذا الرئيس على الآخر. فدمشق تدعم التوافق بين الرؤساء وتحرص على مراعاة لحود وعدم افتعال أزمات غير قائمة لتهديد التعاون، لكن دعوتها الى عدم الاختلاف معه لا تعني ابداً اعطاء الضوء الأخضر للآخرين للهجوم على الحريري، في اشارة مباشرة الى عدم علاقتها بالانقسامات السياسية التي سادت الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء ورفضها التدخل في التفاصيل. ولفت الوزير الى ان لدى دمشق ملاحظات على أداء المؤسسات، وتتمنّى على الحريري ان يحسن استيعاب بعض المواقف وعدم فسح المجال أمام "استفزازه"، أو استدراجه الى مناكفات يمكن ان تعالج بسعة الصدر، مؤكداً تأييده لموقفه في قضية المدارس آخذاً عليه الأسلوب الذي استخدمه في الدفاع عن وجهة نظره. ونقل أمس زوار الرئيس الحريري عنه قوله انه مع تجميد الملفات الخلافية لأن الأولوية هي للوضع الاقليمي في ظل التطورات المتسارعة التي تستدعي الحفاظ على الاستقرار. وأكد الحريري بحسب الزوار انه على موقفه من الاستملاكات، مشيراً الى ان حصة بيروت منها، هي بحدود 43 مليون دولار من مجموعها البالغ 300 مليون، وأن المدارس التي يراد استحداثها ستكون لكل اللبنانيين وأن الحاجة ماسة الى تعزيز المدارس الرسمية، نافياً ما يتردد عن انها تتسبب بإخلال في التوازن لجهة تمييز منطقة في العاصمة عن غيرها. وكشف الحريري ان لا صحة لما يتردد عن إجحاف في حق منطقة في بيروت لمصلحة غيرها في توزيع المدارس. وقال انه صُرف النظر عن استحداث ثلاث مدارس في الشطر الشرقي من بيروت بعد ان رفعت الاشارات عن الأراضي التي كانت مستملكة لهذا الخصوص في ضوء الدراسات التي تحدثت عن عدم الحاجة اليها، مؤكداً ان الرئيس لحود على علم بها، وأن القرار لم يتخذ الا بعد موافقته. ورأى ان كل المشاريع الخاصة في الاستملاكات العائدة للمدارس أقرّت في مجلس الوزراء، وقال انه مع الحوار المثمر وأن لا اعتراض على المناقشات الجارية في مجلس الوزراء شرط ان تنقل الى الخارج بدقة رافضاً الدخول في مهاترات. وأبدى الحريري تخوفاً من الأهداف المستترة للحملة على بيروت معرباً عن خشيته من ان تكون لها خلفية سياسية يحاول البعض توظيفها بالافادة من بعض الخلل في تمثيل العاصمة في الحكومة لشن حملة هدفها استضعافه أو تصويره للرأي العام على انه لا يهتم الا بالوسط التجاري ولا يلتفت الى احتياجات بيروت الشعبية. ولفت الحريري الى ان اهتمامه بشؤون المناطق وشجونها، لن يكون أقل من التفاتته الى العاصمة، مشيراً الى انه كان يتوقع ان يواجه بمثل هذه الحملة من بعض السياسيين، "لكن ما يهمني هو الاستجابة لمطالب بيروت التي منحتني ثقتها الكبيرة، ومن دون إهمال المحافظات الأخرى".