يتجنب معظم الوزراء الخوض في الأسباب التي املت عقد اقصر جلسة لمجلس الوزراء في تاريخ الجلسات الحكومية، خصوصاً انها جاءت قبيل استضافة لبنان القمة العربية، وغابت عنها السياسة لتقتصر على جدول اعمال عادي جداً. وكأن الجميع أقر بضرورة التوافق على هدنة "ضمنية" تجنباً للدخول في خلافات السجال الدائر في البلد حول مجمل القضايا الراهنة، لا سيما الاقتصادية. لكن تفادي الوزراء، توضيح اسباب تغييب الشأن السياسي عن الجلسة لم يحل دون تسليط الأضواء على ما يتردد في الساحة الداخلية من ان مرحلة ما بعد القمة ستشهد تجاذبات سياسية اكثر حدة من تلك الحاصلة اليوم. ويهتم اللبنانيون بترقب التطورات "الموعودة" اكثر من اهتمامهم بمعرفة ما ستؤول إليه القمة العربية من نتائج على رغم ان القمة ستكون استثنائية بامتياز بالنظر الى التطورات التي تمر فيها المنطقة. ويقول سياسي بارز انه كان يفترض بمجلس الوزراء ان يتوجه الى اللبنانيين بخطاب سياسي يسهم بتبديد الأجواء المشدودة، بدلاً من ان يطغى الشأنان الأمني والقضائي على مواضيع تستدعي معالجة لتوفير مناخ داخلي طبيعي اثناء القمة. وتخفي الكواليس السياسية اللبنانية التي تتوقع عودة التجاذب السياسي الى البلاد قيام فرقاء في السلطة بتجميع الأوراق السياسية لتحسين الشروط في حال جرى بعد القمة خلط الأوراق عبر البحث في إمكان إحداث تغيير وزاري في وقت يعتقد البعض الآخر ان التبديل الحكومي له أصوله وشروطه التي ربما تكون غير متوافرة الآن. ويتخوف البعض من استمرار حقن الأجواء السياسية، بفعل السجال حول الوضع الاقتصادي وحول علاقات الدولة مع الأطراف السياسية الموالية والمعارضة ليصبح ذريعة تستعجل فتح الاستحقاق الحكومي بحجة تنفيس الاحتقان... وقال قطب نيابي ل"الحياة" انه اذا كان هناك من رغبة بتغيير الحكومة، فالأمر يبحث في هدوء بدلاً من تأجيج التجاذبات في شكل يصعب معه تأمين ولادة طبيعية للحكومة العتيدة، خصوصاً أن عودة الرئيس رفيق الحريري الى سدة الرئاسة الثالثة محسومة ما دامت التحالفات الراهنة قائمة، ولا يظهر في المدى المنظور احتمال حصول تبدل. ولفت القطب النيابي الى ان تفاقم المشكلة الداخلية يعود الى غياب الحوار السياسي، ما سمح بتعميق الهوة بين الأطراف. فهل المقصود من التغيير فرض ميزان قوى جديد في الحكومة لمصلحة رئيس الجمهورية اميل لحود على حساب شريكه الحريري لأن الميزان الحالي اخذ يتبدل تدريجاً منذ الانتخابات النيابية التي اوصلت نتائجها الأخير الى رئاسة الحكومة؟ واعتبر ان ليس للحريري اكثرية في الحكومة الحالية وأن لحود يتعايش مع هذه التركيبة، والأكثرية اذا كانت موجودة لم تستخدم قوة مرجحة في حسم الخلافات. فالقرارات تتخذ بالتوافق ونادراً ما سجلت الجلسات حصول كسر عظم بين الرئيسين. وأكد ان التعديل الوزاري "طرح في السابق ولم يلق معارضة من لحود والحريري ورئيس المجلس النيابي نبيه بري"، مشيراً الى ان دمشق شجعت عليه شرط ان يمر في هدوء، وصرف النظر عنه بعد مسلسل الخلافات على التعيينات الإدارية، لافتاً الى ان اي تغيير "لن يحصل لمجرد التغيير ما لم يكن مقروناً بهدف سياسي وبرؤية تبرره لتوسيع رقعة المشاركة". واعتبر ان "الظروف الراهنة لا تشجع على التغيير، لكنه سيبقى سيفاً مصلتاً ولن يتوقف استخدامه إلا بتحقيق انسجام بين الرؤساء يعيد الاستقرار الى السلطة التنفيذية ويفسح في المجال امام إحياء الحوار المتوقف". وفي هذا السياق، اكد رئيس الحكومة السابق النائب عمر كرامي انه ليس مع "الرأي القائل ان رئيس الجمهورية مهمش"، وقال ان "القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء لا تتخذ من دون موافقته، وما حصل بين لحود ووزير الصحة سليمان فرنجية عند خلافهما على تشغيل المراكز الصحية دليل على ان وجود الأكثرية لا يحسم المشكلة". وعارض فكرة العودة بالصلاحيات الرئاسية الى ما كانت عليه قبل اتفاق الطائف على رغم انه اوجد "ترويكا" تحكم البلد، وأطاح بمبدأ الفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لأن هذا يعني "نظاماً اكثر من رئاسي". ورأى ان البديل هو في النظام الرئاسي "الذي يشمل انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب ولا يكون محصوراً بطائفة وعندها لا مانع من ان يعطى صلاحيات واسعة". ويبقى التغيير الحكومي فكرة يتعلق تحقيقها بلائحة القوى السياسية التي ستخرج من الحكومة او الجديدة التي ستدخلها. إلا ان متابعي السجال السياسي، العلني والضمني، يدعون الى ترقب الموقف السوري من التغيير، لمعرفة ما اذا كانت دمشق تشجع عليه خطوة لتحقيق الانفراج ام انها تفضل الإيحاء بتجاوز النزاعات لتفعيل اداء السلطة التنفيذية مجتمعة.