من المؤسف حالياً ان مجلس العموم يكاد يخلو من الشخصيات القوية المتميزة. وكانت الحرب العالمية الثانية، بما قدمته من فرص للشباب لابداء القدرة وتحمل المسؤوليات، أنتجت جيلاً من النّواب اللامعين المستقلي الرأي. لكن مرور الزمن أخرج هذا الجيل من حلبة العمل السياسي، ونجد الآن غالباً نواباً يفتقرون الى قوة الشخصية والاستقلال، ويخضعون دون نقاش لهيئات الانضباط الحزبي في المجلس. من بين الاستثناءات هناك جورج غالاوي، بشخصيته الصاخبة المثيرة للجدل، وقد كتبت عنه في هذا العمود سابقاً. لكن الأكثر منه شهرة هو بالتأكيد توم دالييل، الذي راقبت حياته السياسية عن كثب طوال عشرين سنة، واعتبرته دوماً شخصية سياسية مرموقة عميقة التفكير. يبلغ دالييل 70 سنة من العمر، وهو النائب الأقدم خدمة، أي أنه "أبو المجلس" حسب التوصيف الرسمي. وينحدر من أسرة تسلمت عبر الأجيال مناصب كبيرة في الادارة البريطانية للهند. تلقى دالييل تعليمه في كلية ايتون الخاصة الشهيرة، ثم كلية كينغز في جامعة كمبردج، وأدى الخدمة العسكرية جنديا في كتيبة الخيالة الملكية الاسكتلندية. واذا كان من المتوقع لشخص مثله ان يصبح ضابطاً، فان آراءه المعارضة حالت دون ذلك، والأرجح انه كان سيرفض الترقية في أي حال. انه نائب عن بلدة لينليثغو قرب ادنبرة عاصمة اسكتلندا. ومن الغريب بالنسبة الى نائب عمالي انه يسكن في قصر ريفي. دخل دالييل مجلس العموم في 1962، وهو اضافة الى عمله كنائب يواصل كتابة عمود في مجلة "نيو ساينتست" العلمية. وقد بدأت شهرته أثناء حرب الفولكلاند في 1982، عندما اتهم رئيسة الوزراء مرغريت ثاتشر بأن أمرها الشخصي بإغراق البارجة الارجنتينية "بلغرانو" هدف الى إفشال خطة بيرو لحل الأزمة سلمياً. كما اقتنع لاحقاً بأن سورية وليس ليبيا كانت وراء كارثة لوكربي، وواصل حملة نشيطة في هذا الاتجاه طيلة سنوات. انه شخص مثل غيره يخطىء أحياناً ويصيب أحياناً أخرى. لكن الصحف ركزت على خطئه في هذه القضية. ووجد النائب الاسكتلندي نفسه أخيراً أمام مشكلة جديدة، بعدما أطلق تصريحاً كان صحيحاً لجهة الوقائع لكنه خلا مما يسمونه "اللياقة السياسية". فقد شكا من أن توني بلير - الذي يرى دالييل انه أسوأ رئيس وزراء عمالي خلال العقود الخمسة الأخيرة - يحيط نفسه بمجموعة يهودية تؤثر سلباً على سياسة بريطانيا تجاه الشرق الأوسط. وكما كان متوقعا ادعى اللوبي المؤيد لاسرائيل الشعور بالصدمة والذهول ازاء التصريح، واعتبره نموذجاً للاسامية الجديدة في بريطانيا وأوروبا التي تندد بها دوما وسائل الاعلام الأميركية. أما سجل توم دالييل الطويل الذي يبرز رفضه الدائم للاسامية فقد تجاهلته تلك الأوساط تماماً. لا شك ان بعض منتقديه اعتبر ان دالييل سيسكت على التهمة وتنطوي القضية سريعاً، مثلما انطوت حملات دالييل السابقة التي ثبت خطأها. لكن هؤلاء المنتقدين لم يقدرّوا النائب المخضرم حق قدره. ذلك انه واصل طرح موقفه بكل هدوء وموضوعية. وسمعته على برنامج "بي بي سي 4" الاذاعي وهو يذكر تلك الخطوة الغير مسبوعة المتمثلة بتعيين رئيس الوزراء بلير صديقه اليهودي اللورد ليفي، وهو من انجح منظمي حملات التمويل لحزب العمال، مبعوثاً خاصاً له الى الشرق الأوسط. وقام اختيار اللورد ليفي للمهمة على أساس علاقاته بحزب العمل الاسرائيلي، خصوصاً أن ابنه كان يعمل في مكتب ايهود باراك. وما لا يمكن الشك فيه أن للورد ليفي، الذي يمارس لعبة التنس مع بلير، والذي تقول تقارير انه جمع نحو خمسين مليون جنيه استرليني لصالح حزب العمال، تأثير كبير على رئيس الوزراء. وجاء التعيين ليثير الشكوك في رجاحة توني بلير، وليس دييل سوى صوت واحد من بين أصوات عمالية كثيرة تطالب باقالة ليفي. تحدث دييل أيضا عن بيتر ماندلسون، وهو يهودي لجهة الأب. ويعرف انه اضطر الى الاستقالة من الحكومة مرتين لكنه لا يزال من أقرب المقربين الى بلير. ويعتبر كثيرون من نواب حزب العمال لأسباب كثيرة ان لماندلسون تأثير بالغ السلبية على رئيس الوزراء. السؤال لدى اولئك الذين يريدون معرفة السر في الصلة الوثيقة بين بلير والرئيس جورج بوش، وأسباب دعم بريطانيا للهجوم على العراق دون تفويض من مجلس الأمن، هو اذا كان من بين الأسباب الروابط القوية بين مستشاري بلير المؤيدين للصهاينة وادارة بوش التي تدور كل سياستها الشرق أوسطية على حماية اسرائيل. ويمكن لي القول انني شخصياً على ثقة بأن ذلك صحيح، خصوصاً ان اسرائيل تواصل منذ سنين دعوة أميركا لازالة ما تعتبره الخطر الذي يمثله نظام صدام حسين. الانطباع عن بلير أنه أقرب رئيس وزراء عمالي الى اسرائيل منذ هارولد ويلسون. وهل لنا ان نعتقد فعلاً ان لا علاقة لذلك باصدقائه المؤيدين للصهاينة؟ ان توم دالييل، وهو واحد من أفضل مراقبي السياسة البريطانية تجاه الشرق الأوسط، يدرك ان بريطانية تحت الحكومة العمالية الحالية تتخذ موقفاً اقل توازناً بكثير تجاه الصراع العربي الاسرائيلي من حكومة المحافظين الأخيرة بقيادة جون ميجور - وهو ما يثير قلقه وقلق الكثيرين من زملائه العماليين. * سياسي بريطاني من حزب المحافظين.