يتسلم السير نايجل شينوالد لاحقاً، خلال هذه السنة، منصب مستشار الشؤون الخارجية لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير، خلفاً للسير ديفيد ماننغ الذي سيصبح سفير بريطانيا في الولاياتالمتحدة. ولو كنت مكان السير نايجل لجعلت مهمتي الأولى محاولة اقناع رئيس الوزراء بالتخلص من اللورد ليفي، صديق بلير الحميم ومبعوثه الخاص الى الشرق الأوسط. لا خلاف بين الذين يعرفون ليفي على ذكائه ودماثته. وقد يبدو من المجحف المطالبة بطرده بعد المواجهة العنيفة والصريحة التي خاضها أخيراً مع رئيس الوزراء ارييل شارون. لكن ليفي عبء على عملية صنع القرار البريطاني تجاه الشرق الأوسط، وكان الواجب عدم تعيينه أصلاً. ويشكل كل يوم يستمر فيه في المنصب ادانة جديدة لسوء تقدير بلير. دخل مايكل ابراهام ليفي مجلس اللوردات في 1997 عندما أصبح البارون ليفي أوف ميل هيل. انه من أقرب اصدقاء بلير، ورفيقه الدائم في لعبة التنس في قصر "تشكيرز" الريفي. عيّنه بلير مبعوثاً شخصياً الى الشرق الأوسط في 1999، بمكتب خاص وسكرتيرة في مقر وزارة الخارجية. ولم يلق التعيين ارتياح مسؤولي الخارجية، لافتقار ليفي الى أي خبرة بالشؤون الدولية، عدا العلاقات البريطانية - الاسرائيلية. لكن وزارة الخارجية تدرك أن بلير، وليس وزير الخارجية جاك سترو، هو المسيطر على سياسة بريطانيا تجاه الشرق الأوسط، وتحاول تبعاً لذلك التأثير فيه من خلال اشراك ليفي في تصورها للموقف المطلوب. وعندما يزور ليفي المنطقة يرافقه اليها دوماً مسؤول متوسط المستوى من الوزارة. ولد اللورد ليفي في 1944 لأسرة يهودية محافظة، وهو محاسب قانوني عمل في شركات موسيقى البوب، حيث جمع ثروة لا يستهان بها في وقت قصير. وامتاز بقدرته على اختيار مغنين مغمورين بمواهب واعدة وتحويلهم الى نجوم على الصعيد العالمي. كما برع ليفي في تنظيم التبرعات، وجمع لحزب العمال كما بعتقد نحو خمسين مليون جنيه استرليني. ويعرف عن بلير المبالغة في احترام الأثرياء في أوساط الأعمال، وجاء تعيينه لليفي مبعوثاً خاصاً الى الشرق الأوسط تعبيراً عن امتنانه لجهود الأخير في دعم مالية الحزب من جهة، وعن ثقته الشخصية به من الجهة الثانية. ثم فوجىء الجميع بتوسيع دور ليفي ليشمل أميركا اللاتينية، على رغم أن معرفته بشؤونها تقل حتى عن معرفته بالعالم العربي، لكن لم نعد نسمع كثيراً عن مسؤوليته الجديدة هذه بعدما نشرت "صنداي تايمز" عدداً من التقارير المحرجة عن مشاكله الضريبية. يفاخر اللورد ليفي - الذي ناقشته مرة في مجلس اللوردات في ندوة نظمتها وزارة الخارجية - بالعلاقات المتينة الني نجح في عقدها مع عدد من القادة العرب - خصوصاً زياراته المتكررة الى دمشق للقاء الرئيس الراحل حافظ الأسد. لكن العلاقة الأهم لجهة تعيينه مبعوثاً خاصاً كانت مع اعضاء حزب العمل الاسرائيلي. وأشارت تقارير في الصحافة البريطانية الى انه جمع مبالغ كبيرة لصالح الحزب. ومكنته علاقاته باسرائيل، حيث له مسكن قيمته خمسة ملايين جنيه استرليني في ضاحية لتل أبيب، وعندما كان ابنه يعمل مع ايهود باراك رئيس وزراء اسرائيل وقتها، من أن يكون قناة اتصال جيدة مع حزب العمل الاسرائيلي. لكن تلك المرحلة انتهت، واصبحت العلاقات مع حزب العمل عبئاً منذ تشرين الأول اكتوبر الماضي عندما انسحب الحزب من الائتلاف الاسرائيلي الحاكم. ويؤكد مساعدو شارون حاليا أن ليفي مسؤول جزئياً عن تردي العلاقات البريطانية - الاسرائيلية، ويشيرون الى كره ليفي الشخصي لشارون. بالمقابل لا يحظى اللورد ليفي بأي احترام من قادة حكومة اسرائيل، الذين لا يخفون شكوكهم العميقة في توجهاته. ويمكن القول في صالح ليفي أنه أزعج قادة اسرائيل خلال زيارته الأخيرة عندما لم ينسق معهم للقاء الوزراء الفلسطينيين في الضفة الغربية، كما لم يبدِ "فروض الاحترام" للمسؤولين الاسرائيليين في رام الله. وما يعنيه كل هذا أن مبعوث بلير الخاص الى الشرق الأوسط ليست له علاقة تذكر الآن مع حكومة اسرائيل. ويواجه ليفي انتقاداً متزايداً في مجلس العموم. ويبدي كثيرون من النواب العماليين الذين يعتبرون أنفسهم من حزب العمال "القديم" وليس "الجديد" تضايقهم منه ومن الانعكاسات السيئة على الحزب من التقارير الاعلامية المعادية له خلال السنتين الأخيرتين. لا شك ان لرؤساء الحكومة البريطانية الحق في تعيين مبعوثيهم الشخصيين - وكان هذا ما يفعله ونستن تشرتشل. لكن لا اعتقد ان اللورد ليفي هو الشخص المناسب للشرق الأوسط في الظروف الحالية، والأفضل استبداله بمسؤول ديبلوماسي سابق رفيع يحظى بالاحترام في وايتهول ولا تثقله أثناء زياراته الى الشرق الأوسط الاعباء السياسة الخاصة التي يحملها اللورد ليفي. * سياسي بريطاني، مدير "مجلس تحسين التفاهم العربي - البريطاني" كابو