رأى وزير الخارجية الاميركي كولن باول امس، بعد فشله في الحصول على موافقة صريحة من اسرائيل على "خريطة الطريق"، انه يمكن التقدم من خلال خطوات عملية صغيرة على ان يبحث الاسرائيليون والفلسطينيون خلافاتهم في مفاوضات مباشرة. وقال باول خلال مؤتمر صحافي في القاهرة بعد لقائه مع الرئيس حسني مبارك امس ان الجانب الاسرائيلي "لم يستخدم تعبير "قبول"، وانما قدم ملاحظات سنستمع اليها ... المهم هو ان يتحدث الاسرائيليون والفلسطينيون مباشرة". وأظهرت زيارة باول للقاهرة رغبة أميركية في دور مصري لدفع عملية السلام وتنفيذ "خريطة الطريق"، مقابل تشاؤم مصري بإمكان تحقيق تقدم من دون ضغوط أميركية على اسرائيل لدفعها الى قبول "الخريطة" صراحةً. ورغم إبداء القاهرة استعداداً لتقديم ما يطلب منها، إلا أن زيارة باول اظهرت استياءً مصرياً لأن اسرائيل لم تقدم أي موقف واضح، الى حد أن القاهرة اعتبرت ان رئيس الوزراء الاسرائيلي شارون تعمد إفشال جولة باول سواء بعدم الإعلان عن قبول "الخريطة" وبالاجراءات العنيفة التي اتخذت ضد الفلسطينيين حتى قبل أن يغادر باول المنطقة. وبدت واشنطن مصرّة على أن الطرف الفلسطيني هو الوحيد الذي يمكن ممارسة ضغوط عليه سواء لاجتثاث المنظمات الفلسطينية الرافضة عملية السلام أو لاتباع اجراءات لضمان أمن الاسرائيليين. وفي المقابل شدد ماهر على أن الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات "هو الرئيس المنتخب من الشعب الفلسطيني" حين كان باول يقف الى جواره، مؤكداً أن مصر تعتبره رمزاً للشعب الفلسطيني و"سنستمر في التعامل معه". ولم يعلق باول واكتفى بالابتسام. وكان لافتاً أن باول التقى رئيس الاستخبارات المصري عمر سليمان قبل أن يغادر القاهرة بحسب مصادر اميركية ابلغت "الحياة" ان اللقاء تركز على الدور المصري في المرحلة المقبلة، خصوصاً ما يتعلق بالحوار الذي تسعى القاهرة الى استئنافه بين المنظمات الفلسطينية وإعادة بناء اجهزة الأمن للسلطة وتقديم الدعم لعملية السلام. ومعروف أن سليمان يتولى بنفسه تلك الملفات، اذ ساهم جهاز الاستخبارات المصري في ترتيب جولتين من الحوار بين الفصائل الفلسطينية كما لعب سليمان دوراَ بارزاً في خروج حكومة محمود عباس ابو مازن الى النور. ولمحت المصادر إلى أن رغبة واشنطن وتل ابيب في القضاء على المنظمات الفلسطينية التي تعتبرها ارهابية هي سقف ما يطالبان به وإن كانا يقبلان بالتزام رموز تلك المنظمات بوقف العنف لفترة طويلة. وفي المقابل بدت محادثات منسق السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي خافيير سولانا مع المسؤولين المصريين أكثر ايجابية وعكست تطابقاً في وجهات النظر حتى بالنسبة الى عدم الرضا عن المواقف الاسرائيلية. السعودية واعرب مجلس الوزراء السعودي عشية زيارة باول للسعودية اليوم عن الامل في ان يكون نشر "خريطة الطريق" رسمياً البداية الحقيقية لطريق يفضي الى السلام العادل والشامل في المنطقة الذي شددت عليه المبادرة العربية للسلام التي اعلنتها قمة بيروت. وجدد المجلس الذي اجتمع امس برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز مطالبته المجتمع الدولي بالضغط على اسرائيل لايقاف سياسات التصعيد ضد الشعب الفلسطيني وانتهاك حرمة اراضيه. واتهم مجلس الوزراء السعودي اسرائيل بابداء عدم الرغبة في تحقيق السلام وبعرقلة كل مشروع يسعى الى تحقيقه. وفي عمان التي وصل اليها باول من القاهرة، شدد الملك عبد الله الثاني خلال استقباله الوزير الاميركي على "ضرورة التنفيذ الأمين لخريطة الطريق من دون تعديلات من أي طرف، وإزالة العقبات أمام تنفيذها في اقرب وقت ممكن" وصولاً الى دولة فلسطينية مع حلول عام 2005. وبدا مصير "خريطة الطريق" حالكاً غداة اجتماع باول مع كل من شارون ونظيره الفلسطيني "ابو مازن". ذلك ان اسرائيل التي اعلنت الاحد عن بعض الاجراءات الانسانية ومن بينها رفع الحصار عن قطاع غزة، ألغت هذا الاجراء خلال الليل "لأسباب امنية". ونقلت الاذاعة العبرية العامة امس عن قريبين من شارون ارتياحه الى أن زيارة باول لم تحد عما هو مرسوم لها اسرائيلياً وان المسؤول الاميركي تجنب ممارسة ضغوط لحمل اسرائيل على تنفيذ استحقاقاتها في "الخريطة"، بل تبنى الموقف الاسرائيلي القائل بوجوب ان تشن الحكومة الفلسطينية الجديدة "حرباً فعلية" على الفصائل الفلسطينية المسلحة وليس السعي الى التحاور معها لانجاز اتفاق لوقف النار. واضافت ان شارون حمّل باول رسالة مفادها ان حكومته لن تصادق على المسودة الحالية ل"الخريطة" ما لم تعدّل لتشمل تنازل الفلسطينيين عن حق العودة، "فضلاً عن اعتباره الاستيطان اليهودي في المناطق الفلسطينية مشروعاً والمستوطنين صفوة الشباب الاسرائيليين الذين يبنون الدولة العبرية".