بعد أكثر من عامين ونصف العام من الحرب الشرسة التي تشنها اسرائيل على الفلسطينيين تحت شعار "دع الجيش ينتصر" بعد فشل قمة "كامب ديفيد" الثانية في خريف عام 2000، عادت اسرائيل لتطالب الحكومة الفلسطينية الجديدة بوقف الانتفاضة التي عجزت هي نفسها عن قمعها، مستخدمة خطة "خريطة الطريق". ورغم الزخم السياسي الذي شهدته الساحة الديبلوماسية الدولية بهذا الشأن ودعوة الرئيس جورج بوش رئيس الوزراء الفلسطيني الاول محمود عباس ابو مازن لزيارة البيت الابيض "حتما من دون عرفات"، تتابع اسرائيل تنفيذ خطواتها التي تنسف الهدف النهائي لهذه الخطة، وهو إقامة دولة فلسطينية مستقلة على الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 من خلال "تواطؤ" اميركي مع الرؤية الاسرائيلية في المماطلة في تطبيق هذه الخطة حتى يتسنى لها الانتهاء من مشاريعها على الارض. تماشياً مع المطالب الاسرائيلية المتكررة، من المنتظر ان تسلم الولاياتالمتحدة عبر سفيرها في تل ابيب دان كيرتسر الحكومة الاسرائيلية وثيقة خطة "خريطة الطريق" الثلثاء المقبل، فيما تسلم اللجنة الرباعية هذه الوثيقة الى رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد محمود عباس ابو مازن في اليوم ذاته، بعد ادائه يمين الولاء القانوني بصفته رئيس الحكومة الفلسطينية الجديدة. وتسمح صيغة "الاخراج" هذه لاسرائيل ان تقدم مجدداً "شروطها وتحفظاتها" امام وزير الخارجية الاميركي كولن باول الذي يتوقع ان يزور الشرق الاوسط نهاية الاسبوع المقبل. وكانت اسرائيل اعلنت في وقت سابق انها اتفقت مع واشنطن على هذه الصيغة لتفادي اعلان اميركي رسمي ملزم لجميع الاطراف بما تحويه هذه الوثيقة "من دون تعديل او تغيير". وفي انتقاد واضح للسياسة الاميركية، دعا الرئيس ياسر عرفاتواشنطن الى الاسراع في نشر "خريطة الطريق" والشروع الفوري بتنفيذها، مشيراً الى انتهاء آخر الذرائع بتأجيل هذا الاعلان والذي تمثل بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة برئاسة محمود عباس ابو مازن. وقال نبيل ابو ردينة مستشار الرئيس الفلسطيني ان "صدقية الولاياتالمتحدة مرتبطة بترجمة أقوالها الى أفعال وتنفيذ خريطة الطريق"، مضيفا ان ذلك يتأتى من خلال "وقف الاعتداءات الاسرائيلية على الفلسطينيين والانسحاب الاسرائيلي من الاراضي الفلسطينية فوراً والبدء بتنفيذ الخطة". بوش يدعو ابو مازن "دون عرفات" وتسعى اسرائيل الى كسب اكبر قدر ممكن من الوقت لارجاء البدء في تنفيذ الاستحقاقات المطلوبة منها في هذه الخطة عبر التركيز على ما هو مطلوب من الفلسطينيين في بنودها، مسقطة بذلك آليات هذا التنفيذ والتي تعتمد اساسا على التنفيذ "المتوازي" على الطرفين وفق جداول زمنية محددة تفضي في نهاية المطاف الى اقامة دولة فلسطينية مستقلة في العام 2005. وكان باول تبنى في مقابلة صحافية مع "الحياة" الموقف الاسرائيلي باشتراطه وقف ما اسماه "اعمال الارهاب" قبل المضي قدماً في العملية التفاوضية. ودعم الرئيس الاميركي نفسه موقف اسرائيل الداعي الى انهاء دور الرئيس الفلسطيني كلياً بدعوة ابو مازن الى البيت الابيض "من دون عرفات طبعاً". ويتناقض هذا مع موقف اوروبا التي اعلنت المفوضية الاوروبية في بروكسل انها ترفض "دعوة الادارة الاميركية الى تهميش دور عرفات". وجاء في التصريح ايضا ان الاتحاد الاوروبي ينوي مواصلة الحوار مع عرفات الذي ما زال رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية. وتحاول المجموعة الاوروبية رفع الحصار المفروض على تحركات الرئيس الفلسطيني "المحتجز" داخل مقره في رام الله منذ عام ونصف العام في ظل التهديدات الاسرائيلية المتكررة بعدم ضمان أمنه الشخصي او السماح له بالعودة الى وطنه اذا ما غادره. وتعكس التصريحات الاوروبية، وحتى بعض ما ورد على لسان باول نفسه، ان عرفات ما زال ممسكا بخيوط اللعبة على الساحة الفلسطينية. واجرى وزير الخارجية المصري احمد ماهر اتصالين هاتفيين منفصلين مع كل من عرفات وابو مازن امس في ايماءة مصرية على ما يبدو لتأكيد التعهد الذي التزمه رئيس الاستخبارات المصرية عمر سليمان في زيارته الاخيرة لرام الله بتعزيز مكانة عرفات جنبا الى جنب مع دعم رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد. وتركزت المحادثات، بحسب المصادر الفلسطينية، على خطة "خريطة الطريق" وضرورة البدء بتنفيذها فورا. وعززت "دراما" تشكيلة ابو مازن الوزارية والتدخل الدولي والضغوط التي مورست على عرفات للقبول بها شعبية الاخير في الشارع الفلسطيني. ورغم عدم توقف الالة العسكرية الامنية الاسرائيلية ولو للحظة واحدة عن اجراءاتها ضد الفلسطينيين، نقل عن مصادر في الجيش الاسرائيلي قولها انها قررت "عدم الرد" بشكل واسع على عملية كفار سابا اول من امس "لمساعدة" حكومة ابو مازن الجديدة في تنفيذ سياستها. وقال الوف بن المحلل الاسرائيلي في صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية ان النهج الذي ستعتمده اسرائيل الان "في محاربة الارهاب الفلسطيني" هو الاعتماد على "خطة عمل" يضعها ابو مازن "وتشارك اسرائيل فيها التي ستساعده ايضا في اعادة بناء الاجهزة الامنية الفلسطينية". وتابع ان "الحديث المعسول مع حماس والجهاد الاسلامي جربه المصريون في القاهرة ولم ينجح". "جدار الفصل" وحدود الدولة وفي الوقت الذي جدد الرئيس الاميركي التزامه اقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل، كشف امس ان وزير الدفاع الاسرائيلي شاؤول موفاز "حسم" قضية مسار "الجدار الفاصل" الذي بدأت اسرائيل باقامته في الضفة الغربية والذي يضم الاف الدونمات من الاراضي الفلسطينية والمستوطنات، الى داخل "الخط الاخضر" اي ما وراء حدود العام 1948. وذكرت صحيفة "يديعوت احرونوت" العبرية امس ان موفاز قرر ضم مستوطنتي "آرييل"، كبرى المستوطنات في منطقة نابلس شمال الضفة الغربية و"ألفيه منشيه" الى داخل هذا "الجدار الفاصل" ما يعني حكما القضاء على فرص اقامة دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي. ومن المفترض بحسب التقرير ذاته ان ينتهي الجيش الاسرائيلي من اقامة الجزء الاول من هذا الجدار الممتد جنوبا من قرية سالم الى قانا على طول 152 كيلومترا، في تموز يوليو المقبل على ان يتم الانتهاء في المقطع الثاني من الجدار الممتد من سالم حتى بلدة تياسير شمال غور الاردن بطول 75 كيلومترا، نهاية العام 2003. وقالت المصادر الاسرائيلية ان شارون اطلع على المخطط النهائي الذي عرضه موفاز وصادق عليه وان هذا المخطط سيعرض على الحكومة الاسرائيلية للمصادقة عليه الاسبوع المقبل. وشددت مصادر الجيش الاسرائيلي على ان خط "الجدار الفاصل" يخضع لشروط ومتطلبات "امنية" وانه لا يرسم الحدود النهائية لدولة اسرائيل، وذلك تفاديا لانتقادات اليمين المتطرف الذي يطالب بالضم الكلي للضفة الى الدولة العبرية.