اذا كان دور وزير الخارجية الاميركي كولن باول بات هامشياً في مدى تأثيره في قرارات البيت الأبيض، ففي الإمكان تخيل مدى هامشية دور "الرباعية" في ضمان تطبيق "خريطة الطريق" نحو سلام عربي - اسرائيلي، ناهيك عن هامشية الدور العربي. المحافظون الجدد في واشنطن يشنون حرباً على باول. وهم نجحوا في محاصرته وابقائه في وضع دفاعي. واتهموه باعطاء الأممالمتحدة وأوروبا وروسيا دوراً في تسوية سلمية يجب ان تبقى في يد واشنطن وحدها، خصوصاً في ضوء ما حصل عشية الحرب لإطاحة النظام العراقي، وهو ما اعتبره بعض أوساط المحافظين الجدد بمثابة انقلاب اوروبي - روسي ضد اميركا يرقى الى مستوى العمل العدائي. من المفيد ألا يتحمس "أبو مازن" كثيراً لتطمينات باول، فالأخير بحاجة اليوم الى من يطمئنه الى استمراره في منصبه في حال قرر بوش سحب ملف مفاوضات سلام الشرق الأوسط بالكامل من وزارة الخارجية ووضعها في يد وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية ومكتب الأمن القومي، وهو تماماً ما فعله بالنسبة الى الملف العراقي بعدما فشل باول في الحصول على تأييد مجلس الأمن لقرار ثان بشأن العراق. ويصر المحافظون الجدد على ان باول مسؤول عن فشل الديبلوماسية الاميركية على رغم انه لم يتخذ أياً من القرارات المفصلية خلال الفترة الماضية، اذ كان المحافظون قد اختطفوها بأنفسهم. في أي حال، يعرف الفلسطينيون والعرب المعنيون بالتسوية السلمية ان الحكومة الاسرائيلية لن توافق على تنفيذ اجزاء اساسية من "خريطة الطريق"، وان الادارة الاميركية لن تضغط على اسرائيل لتنفيذها قبل ان تضمن الفوز في دورة رئاسية ثانية في العام المقبل، ما يعني ان الخريطة ستبقى تحت رحمة شارون الى أوائل سنة 2005، وهي السنة التي يفترض ان تعلن فيها الدولة الفلسطينية. والواقع ان تطبيق "خريطة الطريق" في ظل الوضع الحالي، وفي ضوء تهميش دور وزارة الخارجية الاميركية ومعها الدور الأوروبي والروسي والأممالمتحدة، يعني تطبيقها من جانب واحد، وهو الجانب الأضعف في المعادلة. في هذه الأثناء، سيسعى شارون الى ان يفرض مزيداً من الحقائق على الأرض لضمان افشال اي ضغط قد تعمد اليه الادارة الاميركية الحالية، في حال فوزها بدورة رئاسية ثانية اواخر العام المقبل، فإن لم ينجح بأن يحوّل "خريطة الطريق" ويجعل من الدولة الفلسطينية مجرد "غيتو" وكانتونات تشمل أقل من نصف الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن زعيم ليكود سيواصل ضغطه على "أبو مازن" والسلطة الفلسطينية، لقمع "حماس" والتنظيمات والفصائل المقاومة، على أمل ان يتسبب ذلك في اندلاع حرب اهلية في الأراضي الفلسطينية فيتنصل شارون من استحقاقات التسوية الى اشعار آخر...