كشف وزير التخطيط والتعاون الدولي الفلسطيني نبيل شعث أن الصيغة النهائية لمشروع "خريطة الطريق" لحل الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي التي ستتبناها اللجنة الرباعية، ستعلن رسمياً بعد اجراء الانتخابات التشريعية الأميركية في 4 تشرين الثاني نوفمبر المقبل. وعزز التصعيد العسكري الاسرائيلي ضد الفلسطينيين، خصوصاً في قطاع غزة المطلب الفلسطيني الملح بضرورة وجود قوات دولية لحماية المدنيين. وفيما أعلن شعث ان على الطرفين تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة بالتزامن، أي وقف العمليات الفدائية وانسحاب الجيش الاسرائيلي من مناطق خاضعة للسلطة، قال السفير الاسرائيلي في واشنطن داني أيالون ان اسرائيل لا تخشى شيئاً مما في الخطة لأنها تطالب "بوقف الارهاب الفلسطيني" واصلاح السلطة "الى حين ايجاد شريك فلسطيني يلتزم تحقيق السلام". وهذا يعني ان شارون تهرب من التزاماته قبل أن تطرح الخطة رسمياً. قال شعث في تصريحات الى "الحياة" خلال اتصال هاتفي من باريس انه لمس للمرة الأولى "تفهماً" اميركياً لضرورة ارسال "مراقبين دوليين" للمضي قدماً في تطبيق "خريطة الطريق"، سواء تلك التي أعدها الأميركيون أو تلك التي بلورها اعضاء اللجنة الرباعية الأوروبية - الأميركية - الروسية والأمم المتحدة. وكشف شعث الذي التقى مساعد وزير الخارجية الاميركي وليام بيرنز قبل بدء جولته امس في المنطقة انطلاقاً من مصر، ان الأخير عرض عليه تفاصيل "خريطة الطريق" التي أعدها الاميركيون وتشمل ثلاث محطات زمنية ترافقها خطوات عملية على الأرض يطبقها الفلسطينيون والاسرائيليون، وصولاً الى اقامة الدولة الفلسطينية في نهاية عام 2005 على حدود الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1967. وأشار الوزير الفلسطيني الى "التوافق الكبير" بين اعلان اللجنة الرباعية الذي صدر في 17 أيلول سبتمبر الماضي والخطة الاميركية، موضحاً ان الأخيرة فيها المزيد من التفاصيل والجداول الزمنية المحددة. وكان الرئيس الاميركي جورج بوش عرض تفاصيل "خريطة الطريق" على رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون خلال زيارة الاخير لواشنطن. ووصف شارون الخطة بأنها "غير ملزمة لاسرائيل"، مضيفاً انه سيدرسها فور عودته الى تل أبيب. وأشار شعث الى اقتراب الموقف الاميركي من نظيره الأوروبي في ما يتعلق بتنفيذ المرحلة الأولى من "خريطة الطريق". وتنص هذه المرحلة على "وقف العمليات الفلسطينية وتنفيذ الاصلاحات الداخلية وانسحاب الجيش الاسرائيلي من مناطق أ الخاضعة للسلطة الفلسطينية وتجميد العمليات الاستيطانية". وأوضح ان "المعضلة" ان الفلسطينيين يؤكدون انهم لا يستطيعون وقف العمليات طالما استمر الاحتلال الاسرائيلي، وان الاسرائيليين يقولون انهم لن ينسحبوا قبل وقف هذه العمليات. وازاء هذا الوضع برز تفهم واتفاق مبدئي بين الأطراف باستثناء اسرائيل على ضرورة ارسال قوات دولية أو حسب التعبير الاميركي مراقبين دوليين للخروج من هذه الدائرة. وتنص المرحلة الثانية التي يجب أن تنتهي حتى منتصف 2004 على عقد مؤتمر دولي واجراء مفاوضات لاقامة الدولة الفلسطينية وتفكيك المستوطنات اليهودية. اما المرحلة الثالثة فتشير الى البدء بمفاوضات حول اتفاق الحل الدائم بمشاركة دول عربية خصوصاً مصر والأردن تطرح فيها قضيتا القدس واللاجئين الفلسطينيين على أن تنفذ المراحل كافة خلال ثلاث سنوات. وأعرب شعث عن اعتقاده بأن وجود "خريطة طريق تفصيلية ومحددة بجداول زمنية" من شأنها ان تضع شارون أمام مأزق وتجرده من محاولات التهرب والتبريرات خصوصاً انها ستصدر عن الإدارة الأميركية. ومن المقرر ان يلتقي بيرنز مسؤولين فلسطينيين برئاسة محمود عباس أبو مازن خلال جولته في المنطقة التي بدأها في القاهرة وستشمل عشر دول عربية بالاضافة الى الأراضي الفلسطينية واسرائيل سيعرض خلالها مسودة "خريطة الطريق". وكشفت مصادر فلسطينية ل"الحياة" ان لقاء بيرنز مع أبو مازن والمسؤولين الآخرين منوط بعدم اجتماع المسؤول الأميركي مع رأس الهرم في الحكومة الاسرائيلية مثلما حدث خلال زيارة المسؤول الاميركي دافيد ساترفيلد قبل نحو شهر. شارون يتهرب من التزاماته كتب أبرز المعلقين الاسرائيليين الذين رافقوا رئيس الحكومة في زيارته واشنطن ان موافقته على "خريطة الطريق" الاميركية للتسوية في الشرق الأوسط، تندرج في اطار سياسته القائمة على عدم قول "لا" للولايات المتحدة ثم البحث عن "منافذ للهرب" من التزاماته، وبالفعل سارع ارييل شارون وقبل ان تطأ قدماه مطار تل أبيب أمس الى اعتبار "الخريطة" مسودة غير ملزمة ينبغي إمعان النظر فيها وابداء التحفظات والملاحظات، مضيفاً ان الجانب الاميركي لا ينوي أن يملي شيئاً على اسرائيل. وفي حديثه الى الصحافيين المرافقين وصف شارون زيارته بأنها "الناجحة جداً" أتاحت له فرصة الاطلاع عن كثب على المخططات والتحركات الاميركية المتوقعة ضد العراق. وقال السفير الاسرائيلي في واشنطن داني ايالون ان الزيارة السابعة لشارون للعاصمة الاميركية، منذ توليه السلطة، عززت العلاقات الجيدة بين البلدين "وساهمت الى حد كبير في تعزيز أمن اسرائيل ورفاهيتها". وأضاف في حديث الى اذاعة الجيش ان ليس لاسرائيل ما تخشاه من "خريطة الطريق". لأنها ترجمة عملية لما ورد في رؤية الرئيس الاميركي للتسوية تشترط أولاً "وقف الارهاب الفلسطيني"، ثم ادخال اصلاحات على السلطة الفلسطينية "الى حين ايجاد شريك فلسطيني يلتزم تحقيق السلام". وزاد ان "الخريطة" تتحدث عن مبادئ التسوية من دون الدخول في التفاصيل وان هذه ستتم بلورتها خلال زيارة بيرنز. الى ذلك أكدت تعليقات الصحافيين ان زيارة شارون لواشنطن "حققت المرتجى اسرائيليا واميركيا"، وان مهمة بيرنز ليست سوى رسالة الى العالم العربي مفادها ان الولاياتالمتحدة معنية بتحريك عجلة المفاوضات السلمية في المنطقة لكسب تأييدهم للهجوم العسكري المتوقع على العراق. وكتبت مراسلة "يديعوت احرونوت" في واشنطن ان شارون قدم "المطلوب منه الى الرئيس الاميركي وأن السيناريو المعد سلفاً قضى بأن يقدم "تنازلا ما" في الملف الفلسطيني يمكّن الرئيس بوش من استحصال موافقة عالمية على مخططه ضد العراق. وزادت ان الرئيس الاميركي سيهاتف زعماء في العالم و"يبشرهم" بأن المهمة أنجزت وان شارون لن يصعّد عدوانه على الشعب الفلسطيني انما سيقدم "تسهيلات انسانية" ويفرج عن الأموال التي احتجزها منذ عامين، وسيعمل بموجب "خريطة الطريق"، وانه يكفل عدم استغلاله فوضى الحرب المتوقعة ليطرد الرئيس الفلسطيني. وتابعت ان الصفقة بين بوش وشارون تقضي بأن تنذر الولاياتالمتحدة حليفتها بموعد الحرب قبل اسبوع من بدء العمليات العسكرية وبتوفير جسر جوي ينقل الاسلحة التي تطلبها تل ابيب وبأعلى درجة تنسيق عسكري بين الجيشين الاميركي والاسرائيلي، وفتح "خط أحمر" بين الرجلين فضلا عن استخدام الولاياتالمتحدة قواعد الجيش الاسرائيلي كمستودعات لعتادها الطارئ. وأنهت انه في مقابل هذه الالتزامات الاميركية اعترف شارون بواجب الانصياع للولايات المتحدة وجعل بوش يفهم ان لا نية لديه بمفاجأته. وكتب ناحوم برنياع وشمعون شيفر في الصحيفة ذاتها ان شارون، بعدما اطلع على تفاصيل الخطة العسكرية الاميركية، اقتنع بأن ثمة احتمالا ضئيلاً للغاية بأن يهاجم العراق الدولة العبرية، كما ان الاميركيين يعملون من اجل منع "حزب الله" اللبناني من استفزاز اسرائيل. وأضاف المعلقان ان "خريطة الطريق" تندرج ضمن الاستراتيجية الاميركية ليس الهدف منها حل قضية فلسطين انما تمكين الحكومات العربية الصديقة من القول ان الادارة الاميركية تلعب دور الوسيط النزيه "وسيبيعها بيرنز الخريطة لكنه لن يبيعها رحلة الى مسارات هذه الخريطة ما يجعل شارون يخرج من لقائه بوش والابتسامة على وجهه".