اختيار الرئيس الإيراني السيد محمد خاتمي بيروت التي يصلها اليوم أولى محطاته في جولة عربية تشمل سورية واليمن والبحرين لم يكن عفوياً، بمقدار ما ينم عن مدى ارتباطه بالعاصمة اللبنانية التي تقدم من منابرها الثقافية في عام 1996 ببرنامجه الانتخابي الذي اوصله الى سدة الرئاسة في ايران في عام 1997، وانتخب بعدها لولاية ثانية. راجع ص 7 وتعتبر اوساط لبنلنية مختلفة ان زيارة خاتمي تحمل في جانب اساسي منها وجهاً آخر لزيارة البابا يوحنا بولس الثاني للبنان في ايار مايو 1997، خصوصاً بأبعادها المتعلقة بحوار الحضارات والانفتاح والتعايش والاعتدال... ومن ثم الأبعاد الروحية. وسيلقى الرئيس الإيراني، الذي يصطحب معه وفداً كبيراً يضم نائبه السيد محمد علي ابطحي وهو الآخر من اصدقاء لبنان وتربطه علاقات وطيدة بعدد من رجال الفكر والمثقفين، استقبالاً شعبياً حاراً. وهو ما تعزوه تلك الى ان خاتمي لا يمثل خط الاعتدال في طهران فحسب، وإنما لأنه أرسى سياسة الانفتاح على لبنان من خلال طوائفه وقواه السياسية ونواديه الثقافية. ولم تحل العلاقة المميزة التي تربط الجمهورية الإسلامية في ايران بحزب الله في لبنان دون التواصل مع الطوائف والمذاهب اللبنانية كافة. قاد خاتمي الانفتاح على اللبنانيين بخطوات وئيدة ومدروسة، ورعى مباشرة التأسيس لعلاقة متوازنة مع لبنان الرسمي ظلت تتأرجح في عهد سلفه الرئيس الشيخ هاشمي رفسنجاني، لكنه سينتهز زيارته - بحسب مصادر رسمية لبنانية - ليترجم ما كان يقوله من ان طهران ستقف الى جانب لبنان في الإنماء والإعمار كما وقفت الى جانبه في معركة تحرير ارضه من الاحتلال الإسرائيلي، الى أفعال ملموسة هذه المرة ولو جاءت متأخرة. إلا ان هذا الجانب من زيارته لن يحجب تبادل الآراء مع اركان الدولة اللبنانية في الهموم السياسية المشتركة والتي يغلب عليها الطابع الإقليمي، من دون ان يثير حفيظة المعارضين لوجهة نظره في الساحة اللبنانية. وتقول المصادر ان خاتمي سيحرص، على رغم ان زيارته رسمية بدعوة من نظيره اللبناني اميل لحود، على ان تكون خارج الحسابات الضيقة، اي ليست لمناصرة فريق ضد آخر، تماماً كالأجواء التي احاطت بزيارة البابا. لكن البعد السياسي للزيارة سيأخذ حيزه، خصوصاً انها تأتي في ظل الحوار المتواصل بين دمشق وواشنطن حول مستقبل العراق و"خريطة الطريق" وحزب الله، توازيه في المقابل هدنة اميركية - ايرانية ونوع من الحوار الهادئ، وبالتالي ستكون كل هذه الاعتبارات حاضرة في ذهن الرئيس خاتمي في كلمته امام المجلس النيابي او في حواره مع عدد من المثقفين اثناء زيارته الخاطفة لجامعة القديس يوسف بترتيب من الحركة الثقافية في انطلياس، او في لقاءاته قادة الأحزاب ورؤساء الطوائف او من ينوب عنهم.