قالت مصادر مطلعة على موقف البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير الذي حذر من الدعوات التي أطلقتها دول كبرى من أجل انسحاب الجيش السوري من لبنان، إن الزعيم الروحي للطائفة المارونية في لبنان أراد التأكيد مرة أخرى أن كل التجارب السابقة لقوى سياسية مسيحية راهنت على ضغط غربي من أجل انسحاب السوريين قد باءت بالفشل. وذكرت المصادر ل"الحياة" ان صفير يؤكد منذ مدة في مجالسه الخاصة "ان المسيحيين يجب ألا يراهنوا على أحد في ما يخص الانسحاب السوري من لبنان". وأضافت: ان البطريرك الماروني يقول منذ أشهر عدة أمام كل من يلتقيه: "اننا رأينا كيف أن مشاريع مراهنات سابقة على دول كبرى وعلى أميركا وغيرها، أدت بأصحابها الى خيبة الأمل والجميع يعرف ماذا حل بهؤلاء نتيجة مراهناتهم". وتشير هذه المصادر الى انه على العكس، فإن صفير يشدد على وجوب التوافق مع سورية في وقت تتعرض للضغوط "ودورنا هو ألا نقف مع الذين يقومون بهذه الضغوط الآن. وإذا كان البعض من القوى السياسية المسيحية يستغل مطالبة الأميركيين بالانسحاب السوري، فإن هؤلاء يفكرون بطريقة مغامرة وغير منطقية ولا يدركون مدى الضرر الذي يلحقه موقفهم بلبنان وبأنفسهم وبالمسيحيين..."، وكان صفير قال لوكالة "فرانس برس" انه يأمل تنفيذ الاتفاقات مع السوريين حول اعادة انتشارهم. وأضاف: "ليس من الشجاعة أن ترى خصمك في صعوبات وتوجه له الضربة القاضية، ويجب ألا نثقل كاهل سورية، لكن علينا صوغ مطالبنا بوضوح ليستعيد لبنان حريته وسيادته وقراره الحر". صدام الحضارات والتقت مصادر سياسية عدة، منها وثيقة الصلة بالبطريرك الماروني، على القول ان الأخير يبدي منذ أشهر تبرمه من السياسة الأميركية في المنطقة على رغم حديثه عن الخلافات مع سورية ودورها في لبنان. وأكدت المصادر المتعددة أن صفير يشكو "من التطرف الذي يتحكم بالإدارة الأميركية الحالية ويتحدث عن الضغوط الأميركية على الكنيسة الكاثوليكية في العالم وعلى الكنيسة الكاثوليكية في أميركا نفسها، نتيجة موقفها الرافض للحرب على العراق". ويقول صفير: "انهم يضغطون على المطارنة والكنائس في أميركا. وهذا التطرف عندهم لا يطاق، الى أين يأخذوننا في هذه السياسة التي يتبعونها؟ انهم يريدون قيام صِدام الحضارات والبابا يوحنا بولس الثاني حذرهم من هذه السياسة. ونحن ضدها لأننا مع حوار الحضارات ونحن نمارسه ونعتبر أنه أحد عناصر وجودنا في الشرق. لقد قال لهم البابا ان في العالم زهاء بليون مسلم ولا يجوز اعتماد سياسة تؤدي عملياً الى عداء مع المسلمين". كما ذكر بعض المصادر أن صفير لا يتوقف عن الحديث عن المعاناة التي تسببها سياسة الإدارة الأميركية الحالية للشعب الفلسطيني، خصوصاً أنها تتجاهل حقوقه وتدعم اسرائيل بلا حدود. وكانت الديبلوماسية الأميركية انتقدت المواقف التي صدرت من صفير والكنيسة في لبنان ضد الحرب على العراق... ويذكر أن أحد أسباب الموقف الرافض للمراهنة على ضغط واشنطن على سورية كي تنسحب من لبنان اعتبار عدد من القيادات المسيحية أن الموقف الأميركي متقلب بحسب المصالح، خصوصاً ان نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد السفير السابق في بيروت كان نصح قيادات من "لقاء قرنة شهوان" المعارض، حين زار لبنان الصيف الماضي، بتجميد المطالبة بالانسحاب السوري من لبنان. وترى قيادات مسيحية معارضة عدة أن واشنطن تطرح هذا الموضوع ثم تسحبه وفقاً للظروف، وسط شعور بأن القيادات المسيحية لا تريد أن تستخدمها القوى الدولية في صراعاتها مع دمشق. وفي المقابل، فإن المواقف التي أخذها صفير بالانفتاح على سورية نتيجة موقفها ضد الحرب على العراق أدت الى تحسن في العلاقة بينه وبين القادة السوريين الذين لا يتوقفون عن امتداح مواقفه واتزانه ومساهمته الكبرى في قيام توافق لبناني وطني صلب إزاء الضغوط التي تتعرض لها المنطقة. ورد صفير مرات عدة التحية بمثلها الى دمشق في أحاديثه مع الذين ينقلون اليه رسائلها، شاكراً التقدير الذي تعبر عنه تجاهه ومؤكداً الحرص على أفضل العلاقات. نصيحة السوريين وانعكس تحسن العلاقة هذا في كثير من المحطات، حيث نصح المسؤولون السوريون القيادات اللبنانية بعدم توتير العلاقة مع صفير ومع المعارضة المسيحية في ظل هذه الأجواء. وآخر هذه النصائح كان دعوة المسؤولين اللبنانيين الى الافراج عن الموقوفين من المنتمين الى تيار العماد ميشال عون الذين أوقفوا أثناء تظاهرة قاموا بها السبت الماضي. كما انعكس هذا التحسن على العلاقة بين صفير ورئيس الجمهورية اميل لحود، إذ ان كليهما يردد في مجالسه ارتياحه الى التواصل القائم بينهما.