للخاسرين والمهزومين لغة تميزهم... وللمنتصرين لغة تختلف... هكذا علمتنا الحياة... إن كل واحد من الخاسرين يتهرب من المسؤولية ويلقيها على غيره، وهم يختلفون في ذلك اشد الاختلاف، ويحاول كل واحد منهم اقناع الآخرين بأنه ليس مسؤولاً عن الخسارة... انما هو مسؤول عن النصر الصغير الذي وقع ولم يلحظه احد وهم يقولون في الحكايات الشعبية، إذا اختلف اللصوص، ظهر المسروق وهذا ما حدث اخيراً في الازمة التي وقعت بين وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد وجنرالات الجيش الاميركي. ويرى هؤلاء ان رامسفيلد استهان بالمقاومة العراقية ويتحمل المسؤولية المباشرة عن المأزق الحالي للقوات الاميركية. ويتعرض وزير الدفاع الاميركي حالياً لانتقادات حادة من جانب الكثير من العسكريين داخل وزارة الدفاع البنتاغون وخارجها، بسبب ما يتردد عن مسؤوليته عن المأزق الحالي الذي تواجهه القوات الاميركية في العراق بسبب اصراره على وجهة نظره، ورفضه آراء القادة العسكريين ومخططي الاستراتيجية في البنتاغون. وذكرت مجلة "نيو يوركر" نقلاً عن عسكريين في البنتاغون قولهم إن رامسفيلد استهان بالمقاومة العراقية، وأساء تقديرها، ورفض ارسال قوات برية اضافية، وأكدوا ان القوات الاميركية تواجه نقصاً في امدادات الصواريخ والقنابل والمواد الغذائية. ونفى رامسفيلد في شكل قاطع في حوار مع شبكة "فوكس نيوز" الاميركية انه فرض رأيه على المخططين العسكريين الذين وضعوا خطة الحرب، مؤكداً ان كل ما طلبه القادة خلال عملية التخطيط والتنفيذ تمت الاستجابة له بالكامل.. بعد ذلك ظهر رامسفيلد في برنامج آخر في فضائية اخرى وكان معه رئيس الاركان وقائد القوات. وتحدث وزير الدفاع فاعترف بأنه ليس مهندس عملية الحرب، وان الجنرالات هم الذين قاموا بها.. وفي المقابل نفى الجنرال تومي فرانكس صحة التقارير التي تحدثت عن وقف الزحف على بغداد، كما نفى وجود نقص في الامدادات. وعلى رغم كل ما يقوله الجنرالات كل تصريحات وزير الدفاع تبقى الحقيقة الواقعة هي الآتي: ان القوات الاميركية والبريطانية فوجئت على ارض الواقع بمقاومة لم تكن تتوقعها او تعمل لها حساباً... مثلاً... لم تنته الحرب خلال ستة ايام كما توقع رامسفيلد، ولم يكن دخول العراق مجرد نزهة، ولم يستقبل اهالي العراق الجنود الاميركيين بأكاليل الزهور، ولم يلق العسكريون اسلحتهم عند اقدامهم ولم يأخذوهم بالاحضان.. لم يحدث شيء من هذا كله.. انما فوجئ الجنود بمقاومة صلبة كما فوجئوا بإسقاط الطائرات وتحطيم المدرعات، واعترف احد الجنود بأنهم دخلوا عش الدبابير وان العراق ليس نمراً من ورق كما كانوا يتوهمون. وفي هذا الوقت الملبد بغيوم التصريحات والبيانات المعارضة، خرج روبين كوك وزير الخارجية البريطاني المستقيل احتجاجاً على الحرب، خرج الرجل بتصريحات هاجم فيها الرئيس الاميركي بوش ورئيس الوزراء بلير ووصف الحرب بأنها غير عادلة، وغير مبررة ودموية وغير ضرورية بالمرة. قال وزير الخارجية البريطاني إن جورج بوش يجلس مرتاحاً في منتجع كامب ديفيد بينما يجازف افراد القوة البريطانية والاميركية بحياتهم في حرب خُطط لها في شكل سيئ. وأضاف كوك ان احداً يجب ألا يبدأ حرباً بناء على فرض ان جيش العدو سيتعاون. ووصف كوك حصار مدينة البصرة بأنه حصار وحشي وأكد انه ينبئ بحصار اشد وحشية لبغداد، ما يضع العالم في مواجهة كارثة انسانية كبرى. إن اي مقارنة بين قوة اميركا وانكلترا وقوة العراق ستكون بأي معيار من المعايير في مصلحة الغرب. ان اميركا هي القطب الاوحد، وهي دولة غزت الفضاء، أما اسلحتها فهي اسلحة متطورة للغاية، تستوي في ذلك القنابل الذكية التي تعرف هدفها وتتوجه اليه، والصواريخ الموجهة التي لا تخطئ هدفها وتحدث دماراً غير عادي حيث تسقط. كل الحسابات اذاً تؤكد ان القوة في الجانب الاميركي والانكليزي. لا شك في ذلك ولا مراء فيه.. ما الذي ادى الى انقلاب الموازين؟ إن التكنولوجيا والحسابات الالكترونية والحرب من طريق الشاشات والضغط على الازرار، هذا كله لا يكفي لكسب الحرب.. هناك عامل لا تستطيع التكنولوجيا التعامل معه، ولا تستطيع الحسابات الالكترونية معرفته.. هذا العامل هو قضية الحرب.. لماذا يجب ان نحارب؟ من اجل اي قضية؟ وهو الروح المعنوية.. لماذا يجب ان ننتصر؟ وهو في النهاية ارادة الاستشهاد، والتحديق في وجه الموت من دون خوف.. هذه كلها عوامل لا تستطيع التكنولوجيا التعامل معها او قهرها.