يجسد امام الكاميرا حركة تبدو كالرهان الصعب الذي فرضه على مشواره الفني، وهو المتميز بالحضور الصامت المحاط بالاحترام، فعلى مدى اربعة عقود من الزمن استطاع ان يسجل بصمة دامغة على الساحة الفنية في سورية والوطن العربي، له في السينما سبعة وثلاثون فيلماً ولكن البداية الحقيقية هي التي كانت في المسرح، وهو الفنان الممتلك لأدواته الفنية، خصوصاً انه رشح من قبل اكثر من مخرج عالمي لنيل جوائز عالمية، ومع ذلك فقد نال لقب أفضل ممثل في آسيا وأفريقيا عن فيلمه "بقايا صور" ونال في استفتاء شعبي لقب افضل ممثل سوري وأيضاً عربي. "الحياة" التقت أديب قدورة: سبعة وثلاثون فيلماً حصيلة ما يقارب الاربعين سنة من رحلة الفن الطويلة: هل جسدت هذه الرحلة طموحاتك الفنية؟ - للسينما متعتها الخاصة، ومع ذلك فإن طموحي لم يتحقق، على رغم ان جميع ادواري تختلف عن بعضها البعض، وهي ملتزمة وجادة، وقد وجدت نفسي في التعبير الصامت الذي لا يقول شيئاً من الكلام ويقول كل شيء بالتعبير، وهو من اصعب الحالات الفنية ان تنقل شيئاً حسياً لا مادياً، ففي فيلم "البيلسان" تتحدث كوامن النفس اليك لتعبر عما تريده، وكذلك في فيلم "الفهد"، وحتى انني دخلت في الدراما في هذا الدور، فدوري في مسلسل "أزهار الشتاء" كان صامتاً، لكن رد الفعل كان كفيل ان يفهم الطرف الآخر ما يريده. في معظم ادوارك كنت تجسد "البطل الشعبي" الثائر على الظلم والعدوان الذي لا يرضى ان يكون مستغلاً وقابعاً تحت الطغيان، فهل لهذه الصفات هدف حددته انت؟ - ان تجسيد البطل الشعبي من الادوار الصعبة سواء أكانت في السينما او الدراما او المسرح الذي انطلقت منه في بداياتي، ولكن لهذه الشخصية ادواتها، كما انني لعبت هذه الادوار باختلاف كبير، والتغير يبدأ برفض الواقع المعاش ليأتي الافضل منه، والاعمال الجادة والملتزمة تقتضي ان يكون الفنان ذا نَفَس طويل، ومنذ بدايتي قررت وأنا امتهن الفن ان اكون مختلفاً، لأن هذا الاختلاف ما نقول عنه انه متميز. ومع ذلك فأنت مقل في الظهور على الشاشة بالنسبة الى الفنانين الآخرين، فإلام يعود ذلك؟ - اطلب النوعية وليس الكمية، فأنا لا أحب الظهور دائماً، ولا اقبل العرض ولو كان مسرحياً او سينمائياً ما لم اكن واثقاً انني قد هيأت نفسي لهذا الدور وانه مناسب لي تماماً وأستطيع ان اجيده، لأن الحرص في هذه الامور هو سبب في نجاح الممثل، فمهما طال البعاد بين الفنان وجمهوره كان ما يقدمه باختيار ادق وأفضل له، كما انني اعتقد ان الاستمرارية وقلة التروي قد تؤذيان الفنان ويصل الجمهور الى الملل. قبل السينما والدراما كان المسرح في رحلتك الفنية، خصوصاً انه كان بوابة لاجتياز التمرس للدخول الى عالم الاحتراف، فماذا عنه؟ - مهما كبر الفنان يبقى المسرح المعلم له، ومن لم يعمل في المسرح قبل ان يبدأ فقد فاته الكثير من الخبرة والمتعة والاتقان، وهو معرض للسقوط فهناك الكثير من جيل الفنانين الجدد لا يجدون سهولة في الوقوف امام المسرح، لأن البداية خطأ، فنحن جيل وقف على خشبة المسرح وكأنه في حياته العادية يمارس ما يمارسه على المسرح، فقد كنا نشارك الاعداد والديكور والأزياء والدعاية للعروض والتمثيل، وأنا شخصياً كنت امارسها جميعها بمتعة، وقد لعبت ادواراً لها اهميتها على خشبات المسارح كمسرحية "لعبة الحب والثورة" للكاتب رياض عصمت ومسرحية "هبط الملاك في بابل" للكاتب السويسري دورين ماكس. وعلى مدى سنوات، كان للمخرج حسين ادلبي فضل في انتشار هذه المسرحيات، خصوصاً انه محترف اخراج وأستاذ فيه. كان دورك مميزاً في مسلسل "سحر الشرق" باعتراف النقاد، فهل للدراما السورية ما يميزها عن غيرها؟ - لا يمكننا تجاهل ما وصلت اليه الدراما السورية من تحقيق للطموحات فاقت ما حلمنا به، خصوصاً بما قدمت في السنوات الاخيرة من اظهار لمشكلات الحياة المعاصرة سواء اجتماعياً او سياسياً او اقتصادياً، ولها الفضل بما قدمت من مسلسلات تاريخية للجيل الشاب الجديد الذي لا يعرف تاريخه، إضافة الى انه لا يقرأ. وجاءت الفضائيات وساعدت على انتشار هذا النوع من المشاهدة الجماعية التي يصعب على المسرح في هذا الوقت اجتذابها، ولكن وأنا ألاحظ على الفضائيات هذه الدراما من رمضان الى الآن، اجدها وقد تدهورت حالها وأصبحت كالمسرح وأصبحنا نبحث عن مواضيع ودلالات نهرب اليها، فقد اصبحنا في تخمة من المسلسلات المكررة وذات الموضوع الواحد، وأقبلت علينا المسلسلات التافهة ايضاً. اما بالنسبة الى "سحر الشرق"، فقد كتب في شكل جديد وجميل. رشحت كأفضل ممثل سوري في استفتاء شعبي وكأفضل ممثل عربي، وأفضل ممثل في آسيا وأفريقيا، وقد اختارك المخرج العالمي تويتي والمخرج الايراني حبيب كادش للعمل معهما وحالت الظروف دون ذلك! - نعم، وهذه الترشيحات كلها اعتز بها وأفتخر. كلمة للجيل الشاب من الفنانين؟ - لا يأخذهم الغرور للبعيد، فالفن رحلة بدايتها حيثما يقف ونهايتها في لا حدود، والاجتهاد ثمرة لكسب الافضل والمتميز ومن ثم تأتي الشهرة التي يجب الحفاظ عليها بكل القوى، لأنها تسقط في اللحظة بينما يكون الصعود اليها بسنوات.