نجوى قندقجي فنانة موهوبة، صقلت موهبتها بالدراسة، وخاضت غمار العمل المسرحي، قطفت من حقوله مثلما غرقت في أوحاله. لكنها لم تيأس... وما زالت تحاول. وكانت مشاركتها في مهرجان قرطاج الأخير - لمسرحية "ذاكرة الصناديق الثلاثة"، وعلى حساب التصوير في مسلسل "بقايا صور" - بمثابة اعلان عن قوّة حضور المسرح في شرايينها. ولا تقتصر أهمية الفنانة قندقجي على أدائها الباهر، بل تتجاوزه الى امتلاك رؤية وموقف - كما سنرى فيما يلي - حيال قضايا الفن والحياة والإنسان. نجوى... خريجة تمثيل واخراج من موسكو. بدأت من المسرح، وفي الغالب تمثيلاً. ماذا عن تجربتك المسرحية؟ - بعد تخرجنا من موسكو... توجهنا أعني جيلنا الى المسرح بأجنحة من أحلام وردية، وكانت لنا طموحات حملناها معنا في أثناء الدراسة. ولكن الأجنحة سرعان ما اصطدمت بسقف الواقع، والطموحات تحطمت على جدرانه. ومع ذلك فقد كانت لي تجاربي: تجربة إخراجية واحدة لنص كتبه فيصل الزعبي في عنوان "الترويض" عن نص زكريا تامر "النمور في اليوم العاشر". وفي التمثيل نحو عشرة أعمال مسرحية أبرزها "الخادمات" و"جزيرة الماعز" وآخرها "ذاكرة الصناديق الثلاثة" من اخراج سوسن دروزة. وما الدافع الى دراسة التمثيل والإخراج المسرحي، كيف تم الاختيار؟ - أنا تربيت في عائلة لها اهتمامات أدبية وفنية، وكل له هوايته. وكان أخي عضواً في فرقة مسرح فرحان بلبل المسرح العمالي وحين كان عمري ست سنوات صعدتُ الى خشبة المسرح، ثم تابعت مع فرحان بلبل. وحين أنهيت دراستي الثانوية تشكلت رغبتي في تتويج حبي للمسرح بدراسة أكاديمية، فكان لي ذلك. وكنت الوحيدة في العائلة التي تحترف العمل الفني. والآن. كيف ترين الى حال المسرح؟ - في البدء أؤكد على أن المسرح فن صعب التقبل، إذ ينبغي لمتلقيه أن يمتلك إرادة ورغبة الذهاب اليه. وهذا يجعل من لقب فنان مسرحي مرتبة شرف، كما يجعل لمشاهده مرتبة رفيعة. فليس كل فنان قادر على أن يكون ممثلاً مسرحياً، وكذلك حال الجمهور. المشكلة الآن، في نهايات القرن العشرين، أن الفنون كلها تدخل في إيقاعات مختلفة. وبعد أن كانت في السابق تقتات من المسرح وتغذيه، فإنها الآن تبتلعه وتضحي به، حتى بتنا نقول بموت المسرح. أتعتقدين أن فناً عمَّر آلاف السنين، يمكن أن يموت؟ - من جهتي، لا أعتقد ذلك، ولكن على المسرح، ان أردنا له أن يستمر، أن يطور نفسه وأدواته. ثمة مشكلة لدينا - نحن العرب - تتمثل في كون المسرح الحقيقي لم يراكم تجارب عميقة وأساسية. ليس لدينا - مثلاً - مسرح كلاسيكي يشكل أرضية انطلاق صلبة. نحن ننطلق من الجديد، المشوه والمبتور ونعتقد أننا نجدد. كما أننا نفتقد المقياس الحقيقي الذي نحكم من خلاله. نحن في حال من التخبط. وربما كان المنقذ في العودة الى المسرح الأكاديمي الذي يمكن أن يكون نواة لمسرح حديث ومتطور. المسرح التجريبي، كيف تفهمينه، وأين هو في الوطن العربي؟ - في رأيي أن كل عمل مسرحي يجب أن يكون فيه مساحة للتجريب والمغامرة. لكن التجريب بمعنى التكسير والتغيير ليس متاحاً سوى لمن امتلكوا تجارب راسخة ورصينة. والوحيد الذي أحسست أنه مخرج تجريبي هو التونسي توفيق الجبالي لأنه يجرب ضمن أشكال التعبير الفني، وبأدوات جديدة وغريبة. ورغم صعوبة أعماله، إلا أنه استطاع أن يخلق حوله جمهوراً واسعاً. أما الشباب الذين يدعون التجريب، فعليهم أولاً أن يبدأوا من الأساسات. من المسرح الى الدراما التلفزيونية. هل يمكن التوفيق بين رسالة كل منهما؟ - أنا أشبه الانتقال بينهما كالانتقال من تحت ماء بارد الى ماء ساخن. فما بين الفن الذي أعشقه والفن الذي ألجأ اليه من أجل العيش، مررت بمرحلة ضياع، فمن أجل العيش كان عليّ - في البداية - القبول بأي عمل وأي دور... حتى غرقت في دوامة أعمال رديئة، فقررت التوقف، على رغم الحاجة، حتى وصلت الى امكانية الرفض والاختيار بناء على المستوى الفني والسوية الفكرية. في السينما، ماذا في حقيبتك؟ - لم أشارك سوى في فيلم "تراب الغرباء" للمخرج سمير ذكرى. وهو عن شخصية عبدالرحمن الكواكبي. كان دوري فيه قصيراً إذ أديت شخصية زوجة الكواكبي، وهي زوجة تقليدية تنجب له الأولاد وتُعنى ببضع شؤون، لكنها لا تظهر في الحياة العامة. وقد قبلت به لأنه للسينما. وفي السينما يمكن الممثل أن يظهر بصورة مختلفة وإيقاع مختلف عنه في التلفزيون. إذا كنت تتابعين الدراما العربية، فكيف تقوّمينها، وخصوصاً ما يقال عن تقدم الدراما السورية وتراجع المصرية؟ - بصراحة، ودون تحيز، أنا لم أعد أطيق متابعة مسلسل مصري، ما عدا القليل من انتاج القطاع العام الذي يطرح قضايا مهمة، لكنه قليلاً ما يهتم باللغة الإخراجية، فتجيء لغته الفنية ضعيفة وتطغى فيه الحوارات والكليشيهات المألوفة. لكن الأمر يختلف في الدراما السورية، حيث نجد عدد المخرجين ذوي المستوى الرفيع أكبر، وكذلك عدد الأعمال الفنية ذات السوية كعالية، ففي سورية كوادر فنية، مخرجين وممثلين، قفزوا بالدراما الى مواقع جديدة. لكن هذا يجعلني أشعر بالقلق والخوف على مستقبل هذه الدراما. خوف من أن يدفعها الطلب والإقبال المتزايدين عليها الى مجاراة الكم وإهمال النوع كما حدث مع الدراما المصرية. أخيراً، ماذا تضيف نجوى وهي تودع قرناً وتستقبل آخر؟ - على أبواب القرن المقبل، أرى وأتمنى، أنه إذا كنا غير قادرين على الدخول في القرن المقبل - والعصر - عسكرياً و... أن نكون قادرين على ذلك من خلال الفن. كيف؟ لا أعرف. ومن جهتي، أحلم بتحقيق هاجسي الدائم بالعمل في المسرح ضمن شروط وظروف إنسانية وفنية ومعيشية تجعل الثمن مبرراً، وتجعل التضحية التي يقوم بها الفنان مقبولة وتلقى التشجيع. أستطيع أن أجوع من أجل مسرح حقيقي... ومن أجل اضافة "لوح خشبي" الى خشبة المسرح.