لعبت الأجواء الفنية التي عاشها سليم صبري منذ الصغر دوراً كبيراً في تكريسه فناناً متعدد المواهب، نشأ في كنف اسرة تهوى الفن، وتابع المسيرة مع زوجته ثناء دبسي ليكونا عائلة فنية، احد افرادها الفنانة يارا صبري زوجة الممثل ماهر صليبي. مما جعل هذه الأسرة تشكل مجتمعاً فنياً صغيراً. اضافة الى التمثيل والاخراج والرسم والتصوير الضوئي احترف سليم صبري التمثيل مع بداية تأسيس المسرح القومي في سورية ثم دخل التلفزيون ممثلاً ومخرجاً في السبعينات. من اهم اعماله الاخراجية "البسطاء" بالأبيض والأسود، و"شجرة النارنج" و"الشقيقات" في التسعينات، وتألق ممثلاً في دور كمال بيك في مسلسل "خان الحرير" للمخرج هيثم حقي. اما في السينما فكانت علاقته بسيطة معها، اذ شارك في بداياته بأفلام تجارية لم تشجعه على المضي في الاتجاه نحو السينما، لكن دوره في فيلم "كفر قاسم" 1970 للمخرج برهان علوية أعاد الثقة الى علاقته بالسينما، ولم يتسن له العودة اليها الا حديثاً في دور بسيط في فيلم "نسيم الروح" للمخرج عبداللطيف عبدالحميد. هذا الحوار اضاء جوانب في مسيرة سليم صبري. كيف تفسر ابتعادك عن السينما؟ علاقتي بالسينما غريبة. ربما هي لا تحبني او انا لا احبها، قد يكون السبب ان التجارب السينمائية السابقة في سورية لم تكن مشجعة. لكن في العقد الاخير ظهرت تجارب سورية متميزة لمخرجين شباب مثل عبداللطيف عبدالحميد وأسامة محمد، جذبت انتباهي، وعندما طلب مني عبداللطيف عبدالحميد الاشتراك في فيلمه "نسيم الروح" وافقت مع ان دوري كان صغيراً وعادياً. لماذا علاقتك مع السينما غريبة وكيف بدأت؟ بدأت تجربتي معها بأفلام تجارية عادية 1960 - 1961، ثم تركت السينما حتى 1970، واشتركت في فيلم "كفر قاسم" لبرهان علوية، خلال تلك الفترة اخرجت عدداً من الأفلام التسجيلية القصيرة للتلفزيون. اما عن علاقتي بالسينما كمتلق فأنا من المولعين بها منذ صغري، وكانت احدى هواياتي الرئيسية. وأذكر ان عمري كان عشر سنوات عندما بدأت أرتاد السينما بشكل شبه يومي، وكانت السينما العربية حينها مزدهرة 1955 1965 كما كانت تلك فترة مشاهدة، اشبعت فيها بالصورة السينمائية، ما سهل علي كثيراً دخول عالم التمثيل والاخراج، الذي بدأ من مسرح الهواة ثم المسرح القومي وبعده التلفزيون. الانطلاقة الأولى لسليم صبري كانت من مسرح الهواة. في اي سن دخلت اليه؟ عندما ألفنا فرقة مسرح الهواة في الحارة كنا مجموعة من المراهقين جمعنا ثمن الديكورات المسرحية وطباعة البطاقات من مصروفنا اليومي، وعندما طرحنا الفكرة على مدير النادي المصري طالبين منه مكاناً نعرض فيه المسرحية كاد ان يفقد صوابه، ولم يصدقنا، لكنه وافق فيما بعد، وفرغ لنا صالة، ونجحنا في جلب العائلات لتحضر العرض. استمرت هذه الفرقة ثلاث سنوات تحت اسم "المسرح القومي في نادي الشباب العربي"، بعدها ألفنا فرقة "انصار المسرح" مع صبري عياد. في الستينات بدأت العمل مع المحترفين. وشاركت في تشكيل فرقة المسرح الجامعي بعد دخولي كلية الحقوق. من خلال التأمل في تجربتك الطويلة اين تجد نفسك، في التمثيل أم الاخراج؟ اجد نفسي في التصوير الزيتي. لأن لدي هوايات فنية عدة، منها التمثيل والاخراج والتصوير الضوئي، لو انني اتجهت الى الرسم من دون التمثيل لربما اصبحت الآن شحاذاً. بينما احترافي التمثيل والاخراج مكنني من المحافظة على الحد الاقتصادي الذي يضمن الكرامة كحال معظم الفنانين. بدأت الرسم في سن مبكرة وأذكر ان عمري كان عشر سنوات عندما امسكت الألوان الزيتية للمرة الاولى، كنت ارسم بشكل عفوي من دون التفكير باحتراف الرسم الى ان دخلت عالم المسرح فسرقني من الرسم. هل فكرت يوماً بإقامة معرض او طرح نفسك فناناً تشكيلياً؟ عشت في الكويت بين 1980 و1985 وكان لدي وقت للرسم فانجزت حوالي 35 لوحة معظمها من وحي البيئة الكويتية. قررت ان اعرضها بعد عودتي الى سورية ولكنني بعت في الكويت اكثر من صفها، معتقداً انني سأرسم غيرها، كما بعت وأهديت الى الاصدقاء من اللوحات المتبقية بعد عودتي الى سورية. ولم يبق لي سوى ثلاث لوحات ومنذ ذلك الحين اقول غداً سأفرغ نفسي بعض الوقت للرسم ولم يحدث ذلك حتى الآن. أكان مصير هواية التصوير الضوئي مثل هواية الرسم؟ بقيت هواية التصوير الضوئي مستمرة مع العمل في المسرح، ولدي اليوم مجموعة كبيرة من الصور التي تعود الى فترة الستينات. بدأت امارس هواية التصوير الضوئي في 18 عندما اهداني والدي كاميرا من نوع ممتاز، وظروفي العائلية سمحت لي بممارسة هذه المهنة، خصوصاً بعد الزواج اذ أقمت استوديو شخصياً لطبع أفلامي. كما تجمعنا، نحن هواة التصوير وأسسنا اول ناد للتصوير الضوئي. بعد انغماسي في العمل التلفزيوني بدأ اهتمامي بالتصوير يتضاءل. كونك فناناً تشكيلياً هل أثر ذلك على رؤيتك الاخراجية التلفزيونية؟ قد يكون لميولي التشكيلية تأثير غير مباشر على طريقة عملي، لكنني عندما اخرج لا افكر اطلاقاً برسم كوادر تشكيلية، الا اذا كانت تخدم الدراما ولا اقحمها عليها إقحاماً لأن في ذلك ما يجعل الدراما تفقد الكثير من روحها. ثمة توجه في الدراما السورية نحو تعزيز اللغة البصرية بهدف الاستفادة من خصائص التلفزيون البصرية وتمثل ذلك التوجه في الأعمال الفنتازية، كيف تنظر الى هذه المسألة؟ الشكل البصري ليس له علاقة اطلاقا بالفانتازيا، ويمكن صياغة صورة بصرية من المشهد الواقعي. التغريب الزماني والمكاني لا علاقة له بجماليات الصورة. هناك معادلة يجب تحقيقها بين الصورة والموضوع والممثلين، والصورة تسخر لخدمة الموضوع، اما الاعتماد على الصورة فقط فهذا لا يعدو ان يكون استعراضاً لقدرات المخرج في التصوير، وعادة ما يتم على حساب الموضوع. هل يمكن الاعتقاد ان المضي في الدراما له علاقة باحتياجات السوق العربية خصوصاً بعد تكاثر الفضائيات؟ ربما يكون هذا الكلام صحيحاً، اذا حكمنا بأن الفضائيات تفضل الدراما التي تقوم على الشكل وليس على المضمون، وانا لا اعتقد ذلك. الدراما هي مضمون يجب ان يصل، ومقولة في حاجة الى ايصال، فالشكل مهم في الأعمال الاستعراضية الفنية والراقصة، التي تعتمد على الاضاءة والملابس في الابهار، بينما الدراما تتطلب تكافل العناصر المساهمة في صنعها كالتمثيل والاخراج والنص والاضاءة، كل ذلك لخدمة المضمون. اما اذا غلبنا عنصرا واحدا من تلك العناصر لابراز قدرات شخصية فالنتيجة ستكون شخصية حتما. وعندما اهتم بالصورة المبهرة التي تشرّد الممثل عن مضمون ما يعمل واستغني عن أداء الممثل لاثبات امكانياتي في التصوير فالأفضل لهكذا مخرج ان يعمل بالتصوير لا الدراما. نظراً الى واقع ما تعرضه الفضائيات العربية هل نستطيع القول انها لعبت دورا كبيرا في تحديد مسارات الدراما من خلال تشجيعها لنمط درامي دون آخر؟ اتجاهات الدراما من صنعنا نحن وليس من صنع الفضائيات، فالفضائيات مستهلكة لا غير. ربما زيادة الطلب على نوع معين قد يضاعف من انتاجه، لكن هذا لا يعني الاستكانة الى ما هو ضار. مثلاً عندما انتج مسلسل "غراندايزر" اكتشف النقاد والمنتجون، بعد فترة من نجاحه، ان المسلسل لا يتلاءم والتربية السليمة للطفل، الا انهم حين اكتشفوا ذلك الخلل كان المسلسل حقق انتشارا منقطع النظير، ومن المؤسف ان الأشياء السيئة اكثر انتشارا من غيرها، لكن الانتشار ليس دليل صحة دائماً. ما مدى مسؤولية المخرج عما يقدم في التليفزيون في مجال الدراما؟ على المخرج التدقيق ملياً في النص قبل التنفيذ، والتأكد من خلوه من اي فكرة معادية للانسانية مباشرة او غير مباشرة. ومن المؤسف انني شاهدت في الفترة الاخيرة اعمالاً كوميدية سورية تعتمد على التهريج المجاني المسف والمنافي للأخلاق. التلفزيون واحد من اهم وسائل التوجيه التربوي والسلوكي لذلك تتطلب مواده الدراسة الدقيقة والمراقبة لا ان يترك الامر على الغارب. ليس كل من اراد ان يكتب للتلفزيون يجب ان يكرس كاتباً. مثلاً كأن يكون الكاتب او المخرج معقداً نفسياً ورافضاً لمجتمعه حاكماً عليه بالتخلف والانحطاط هكذا انسان لا بد ان يكون عمله موبوءاً بسبب احتكامه الى منطق الكراهية والآراء المسبقة. والمفارقة الكبرى ان الرقابة ترصد مسائل سطحية وتافهة وتترك مسائل على غاية من الأهمية. هل ان رؤيتك الحساسة تلك في الاختيار هي التي جعلتك مقلاً في الاخراج؟ ايماني العميق بخطورة الاعلام على الجماهير كونه السلاح الأمضى والأكثر تأثيراً يجعلني متأنياً الى درجة مرعبة تجاه اي عمل يعرض علي لأخرجه، وهذا ما جعل غالبية المنتجين يقولون عني انني معقد كثيراً، مما قلل فرص العمل. فالمنتج همه الأول التجارة وسرعة الانجاز وهذا ما جعل انماطاً درامية عربية تسود على غيرها، لكن الجمهور غالبا ما يرفض اعمالا تقدم له على اساس انها هي ما يطلب. لعبت دور تاجر حلبي شخصية كمال بيك في مسلسل "خان الحرير" وحققت فيه حضوراً جيداً.. اشتغلت على هذا الدور بحرفية ممثل، من خلال النص اولا ثم من خلال اطلاعي على سلوكيات وأنماط تفكير طبقة التجار، اذ تقمصت كمال بيك في ملامحه الأساسية كالعصبية والتفكير العميق وحب المال والجشع، من اجل تحقيق المعادلة الصعبة مع حبه للحياة ايضا، فجاءت مطابقة للشخصية المرسومة على الورق، اي النص، وهذه هي الطريقة السليمة التي يتبعها جميع الممثلين. عندما لعبت دور رئيس تحرير في مسلسل "امانة في اعناقكم" للمخرج علاء الدين كوكش لاحظنا انك استعرت الكثير من حركات شخصية كمال بيك في "خان الحرير". ربما يكون ذلك صحيحاً، شخصية كمال قريبة مني جدا، حاولت في العمل ان لا تكون سوداء كثيرا، كما اعطيتها جزءا من نفسي، ربما هذا ما جعلها تتقارب مع شخصية رئيس التحرير في مسلسل "امانة في اعناقكم". الآن ألعب دوراً مختلفاً في مسلسل "تلك الأيام" للمخرج رياض ديار بكرلي يتناول فترة الخمسينات. دوري يمثل شخصية أغا غني، سطحي وعصبي مجنون، وأحمق يصادر حق الآخرين، من خلال طرح نفسه مرشحاً دائماً للبرلمان. هناك تيارات في الدراما السورية، بعضها يركز على الخروج عن الزمان والمكان وبعضها الآخر يستخدم التوثيق التاريخي وهما يستحوذان على سوق الانتاج لمصلحة تراجع تيار الأعمال الواقعية اين تصنف نفسك بين تلك التيارات؟ أميل في اعمالي الى معالجة قضايا الحياة الاجتماعية بأسلوب واقعي لأن القضايا الاجتماعية هي الأكثر اهمية، والمعنية اكثر من غيرها بالدراما، كما ان تفاصيل الحياة اليومية هي الأقرب الى الناس كونها مادة طيبة تحلو فيها المشاعر النبيلة، ويعبر عنها بالتمثيل بشكل جميل. في هذه الاعمال لا يمكن للمخرج ان يقف امام الكاميرا ليستعرض عضلاته كما هي الحال بالنسبة الى الأعمال التي سميت خطأ الفانتازيا وتعني وضع الدراما في موقع غير حقيقي. هذا التيار خاطئ فنحن لا نحتاج الى تزوير المقولة، والفانتازيا محاولة لتزوير المقولة. مهمة الدراما هي تزويد الجمهور بالغناء الفكري وهذا لا يتم الا باعطائه الحقائق. أرى ان الأنسب هو تقديم دراما واقعية وحقيقية لا دراما في وضع مشوه وغيبي. على الدراما ان لا تخشى احدا في مقاربة الواقع، وكل دراما خائفة هي دراما غير حقيقية، الا اذا وضعنا الرقابة حاجزا أمامها. وأظن ان الرقابة في الفترة الاخيرة لم تعد حاجزا امام مقولة لها علاقة بالواقع والحقيقة وفائدة الناس.